• رئيس التحرير المسؤول .. فايز الأجراشي
  • نتقبل شكواكم و ملاحظاتكم على واتس أب و تلفون 0799545577

تقرير حكومي يعترف لأول مرة بأن اتفاقية وادي عربة لم تعد المياه المسروقة

صفحة للطباعة
تاريخ النشر : 2009-10-03
3752
تقرير حكومي يعترف لأول مرة بأن اتفاقية وادي عربة لم تعد المياه المسروقة

قصة الماء -قصة الحياة - ما انفك الاردن من جهة, وكل اردني من جهة ثانية, يعتبرانها لازمته الخاصة, ومع ان الاردن خطا في سياق تحسين اوضاعه المائية خطوات جبارة على مدى اكثر من نصف قرن, الا انه لم يتمكن للان من تجاوز ارتهانه لجغرافيا قاسية ظلت تفرض اشتراطاتها عليه, فالاردن شريط طويل لسلسلة من الجبال تقع بين الاغوار في الغرب والصحراء القاحلة في الشرق, ما جعل سكان هذا الشريط دائمي الحاجة الى مزيد من المياه, لمواجهة شظف حياة الفلاحين, وقسوة حياة البدو وسكان سيف البادية.

 يحلو لمسؤول حكومي سابق تحديد مكونات الهوية الثقافية الاردنية بعناصر ثلاثة هي الاغوار والصحراء, والشّفا بينهما وهذه العناصر موضوعيا مرتبطة بشكل عضوي بالماء, فمن دون الماء بوصفه يشكل نواة لكل عنصر من العناصر الثلاثة, فان فهم الاشياء يغدو متعثرا, ويحلو لنفس المسؤول اضافة عنصر تاريخي طارىء كان له شأن رئيسي في تكوين الشخصية الاردنية على مدى العقود السبع الاخيرة, وهو القضية الفلسطينية, او انشاء دولة اسرائيل على ارض فلسطين, وما رافق ذلك من تغييرات جوهرية في ادق تفاصيل حياة الاردنيين, فحياة الاردنيين ظلت تراوح ما بين الاغوار والصحراء, بعيدة عن النزاعات والتجاذبات الاقليمية, فباستثناء الغزوات والغارات فيما بين القبائل البدوية نفسها من جهة, وبينها وبين الفلاحين من جهة اخرى ظل الاردنيون يتحركون في اطار الجغرافيا الطبيعية, ولكن مع انهيار الدولة العثمانية, وتشكل الدول الحديثة في المنطقة, اصبح الماء الذي شكل نواة حياة الاردنيين على مدى العصور, مصدرا لقلق الاردنيين, وسببا مباشرا لتعثر العديد من مشاريعهم الاستراتيجية.
 
ارتكزت الاستراتيجية الصهيونية منذ البداية, حتى قبل تأسيس دولة اسرائيل, على الحصول على اكبر كمية من المياه عبر السيطرة على مصادرها, ما جعل الاردن من اكثر المتضررين جراء ذلك, وبعد مرور ستين عاما على تأسيس الدولة العبرية يصبح اصبح الاردن افقر دولة في العالم مائيا, وفقا لما يراه امين عام سلطة وادي الاردن م. موسى الجمعاني, فحسبه تعتبر الدول التي تسبقه في قائمة الفقر المائي هي دولة غنية, ومشاطئة لبحار, ولديها الملاءمة الكافية للحصول على ماء عذب عبر تحلية مياه البحر, ولكن الاردن مع كل ذلك تمكن من توفيق اوضاعه المائية في العقود الماضية, خاصة العقد الاخير, الذي اتسم بشدة جفافه, عبر ادارة كفؤة لمصادر المياه وادارة الطلب عليها, ففي اصعب الظروف واقساها ظلت المياه تصل الى خزانات منازل المواطنين, وظلت الزراعات المروية تحظى باحتياجاتها من مياه الري, حتى لو بالحد الادنى.
 
في قراءة متأنية للواقع المائي, ولاشتراطات استمرار نجاح سلطة المياه في توفير المياه للمواطنين, ولسلطة وادي الاردن في توفير مصادر مياه تكفي لاحتياجات البلد, يتضح ان الاردن, ذلك الشريط من سلسلة الجبال والسهوب بين الاغوار والصحراء اصبح مرتهنا في الشأن المائي ليس فقط للعناصر السابقة الاغوار والصحراء والشفا, وهي عناصر نشأت جراء النظر الى الاردن كخطوط طول وما يرافق ذلك من تداعيات خاصة بنهب اسرائيل لمياه الاردن, بل تعدتها الان الى عناصر جديدة طارئة هي اشتراك الاردن مع سورية في حوض اليرموك والحماد, ومع السعودية في حوضي الديسي.
 
حوض اليرموك
 
قصة حوض الديسي فكرة حديثة, ولكن حوض اليرموك ظل لعقود طويلة ولقرون عديدة يشكل العلاقة المتشابكة بين سكان اعالي هضبة الجولان, مع السكان في جنوبها, وظل هذا الحوض مع متعلقات خاصة به, مع نهر الاردن ومصادر تغذيته الشمالية, وبحيرة طبريا, ونهر اليرموك مصادر لخلافات جمة بين السكان في الاعلى والسكان في الاسفل على مدى الحقب الزمنية المختلفة, ولكن بقي الامر خلافا بين جيران واخوان, ولم يصل الخلاف في يوم من الايام الى نزاع بين اعداء, الى ان تشكلت دولة اسرائيل عام .1948
 
بعيدا عن السياسة, وحقوق اسرائيل المزعومة وحق اسرائيل في الوجود, فان المحرر سيتعامل مع سكان المنطقة من دون دول على اعتبار ان المنطقة كلها دولة واحدة, او اعتبار السكان اصحاب الحق في استهلاك مياه حوض اليرموك من الدول الاربعة, الاردن وسورية وفلسطين واسرائيل يعيشون في دولة واحدة, فان حصة الافراد من المياه ستكون متساوية او ان العدالة في توزيع المياه ستكون حاضرة في هذا الشأن, ولكن ما حدث ويحدث في هذا السياق مختلف تماما فالاخرون باستثناء الفلسطينيين يحصلون على حقوق الاردنيين المائية, ما جعل الاردن والاردنيين الافقر في الاقليم وفي العالم.
 
تقرير وزارة المياه
 
ما اثار هذا الموضوع الآن امران: اولهما اجتماعات اللجنة الاردنية السورية العليا المشتركة وما توصل اليه الجانبان الاردني والسوري في الشأن المائي وتقرير حكومي حصلت عليه العرب اليوم من مصادرها الخاصة في وزارة المياه والري يوضح تفاصيل اوضاع حوض اليرموك السابقة والحالية والتقرير مُعد عام 2006 ومقدم لمجلس الوزراء, واهميته تكمن في انه الوثيقة الاولى التي تعترف بها الحكومة الاردنية بأن الاردن لم يحصل على كامل حقوقه المائية من اسرائيل بموجب اتفاقية وادي عربه وانه الوثيقة الرسمية الاولى التي توضح تفاصيل النهب المنظم لحقوق الاردن المائية على مدار اكثر من ستين عاما.
 
سلطة وادي الاردن
 
قبل الحديث عن التقرير ولتوضيح امر في غاية الاهمية يتعلق بحساسية العلاقات الاردنية السورية في هذا الشأن, لجهة ان الاردن الذي وقع اتفاقية سلام مع اسرائيل وعلاقته المائية معها تحتكم الى ما ورد فيها, واقع في الشأن المائي بين فكي كماشة, فعلاقته المائية الاخوية مع سورية بعيدا عن المواقف السياسية تجعله الطرف الاضعف فهو من جهة يقع اسفل حوض اليرموك ما يجعله غير قادر على السيطرة على مصادر مياه الحوض شأنه شأن سورية ذاتها في علاقتها مع تركيا الخاصة بنهر الفرات, والاردن من جهة ثانية ملتزم بموجب اتفاقية وادي عربة بتوفير حصة اسرائيل من مياه نهر اليرموك, التي تحصل اسرائيل عليها عند نفق العدسية بواقع 13م م3 في الشتاء و 12م م3 في الصيف, وهذا يضع الاردن بين رحاتي سورية الشقيقة في الشمال واسرائيل غير الشقيقة وغير الصديقة في الجنوب.
 
في اجتماعات اللجنة العليا المشتركة الاردنية السورية التي عقدت مؤخرا اتفق الطرفان وفقا للجمعاني على استكمال الدراسة المشتركة لحوض اليرموك وهي الدراسة المنشودة التي من الممكن ان تهدي الطرفين للسبيل النافع في وقف استنزاف مياه الحوض, وقد ابدى الجانب السوري مزيدا من المرونة والتعاون وفقا للجمعاني وستكون الاولوية في الموسم المقبل لسد الوحدة, ولاجل تعظيم نقاط التوافق الايجابية وتوفير مناخات ايجابية فان الجانبين توافقا على استكمال تركيب مسجلات خاصة لقراءة تدفقات المياه في الاودية المغذية لنهر اليرموك, وقد كان المقاول الاردني قد انتهى من تركيب قواعد هذه المسجلات على مجرى واديين في الجانب الاردني, وبدأ قبل ايام في تركيب قواعد المسجلات على خمسة اودية في الجانب السوري, ومن شأن هذه المسجلات بعد ان تبدأ العمل قراءة تدفقات المياه في الاودية السبعة المغذية لنهر اليرموك, وتوفير المعلومات الدقيقة لدى الجانبين الاردني والسوري في اية لحظة.
 
التقرير - لمحة عامة
 
الحكومة لم تقل يوما ان الاردن لم يحصل على كامل حقوقه المائية بموجب اتفاقية وادي عربه, بل ظل عدد من المسؤولين الحكوميين يرددون بمناسبة وغير مناسبة ان الاردن استرد حقوقه المائية الكاملة بموجب الاتفاقية, ولكن بعد مرور خمسة عشر عاما على توقيع اتفاقية وادي عربة فان ما ورد في التقرير الحكومي محور الحديث يؤكد من دون مواربة ان اتفاقية وادي عربه لم تعط الاردن كامل حقوقه المائية من اسرائيل, بل ان اسرائيل بعد الاتفاقية زادت في غيها, فما كانت تكتفي به من المياه الاردنية المسروقة لم تعد تقنع بها فأخذت تسرق اكثر, والتفاصيل وفقا للتقرير تؤكد ذلك.
 
يقول التقرير الذي اعده وزير المياه الاسبق م. محمد ظافر العالم ان التصريف التاريخي لمياه نهر اليرموك قبل عام 1953 كان حوالي 473م م2 سنويا, منها 39م م2 استعمالات سورية, وبموجب الاتفاقية الاردنية السورية لعام ,1953 حددت حصية الاردن من الحوض 300م م2 سنويا, يتم تخزينها في سد يتم انشاؤه لاحقا اطلق عليه سد المقارن لان موقعه يقع على وادي المقارن وهو نفس موقع سد الوحدة اليوم, وحصة سورية 90 م م,2 وفي تعديل لاحق للاتفاقية عام ,1987 بموجب واقع الحال الجديد, فان حصة الاردن وفقا للاتفاقيتين من تصريف نهر اليرموك من المياه المتبقية Residual user حوالي 208م م,3 بعد استبعاد ما قيمته 25 م م,3 واستبعاد ما قيمته 25 م م3 هي حصة مثلث اليرموك - حصة اسرائيل -, و 29 م م3 من مياه الفيضانات التي لا يمكن السيطرة عليها, وحوالي 6 م م3 لري الاراضي السورية المحاذية للنهر تحت السد, ووفقا للتقرير ايضا على مدى اكثر من خمسة عقود قام الجانبان السوري والاسرائيلي من جانبهما باجراءات خارج نصوص الاتفاقيات الموقعة بين الاردن وبينهما, سواء الاتفاقيات مع سورية 1953 وتعديلاتها 1987 ومع اسرائيل بموجب بنود مشروع جونستون واتفاقية وادي عربة, ما ادى الى نقص كبير في تصريف مياه الفيضانات وتصريف الجريان الدائم الصيفي لنهر اليرموك, فالجانب السوري قام بانشاء 37 سدا على حوض اليرموك بدلا من 25 سدا كما نصت الاتفاقية, بسعة تخزينة 211م م3 بدلا من 156م م,3 وحفر ما يفوق 3500 بئرا ارتوازي لضخ مياه الحوض الجوفية واستغلالها, ما كان له اثر مباشر على تدني تصريف الجريان الدائم للنهر وخاصة في اشهر الصيف, كما انشأ قنوات لنقل المياه, من سد الى آخر, وقام بتركيب مضخات لري الاراضي المشاطئة لنهر اليرموك في الجانب السوري.
 
النهب الاسرائيلي الاول
 
وفقا للتقرير فان اسرائيل قامت بانشاء عدد من السدود على عدد من الاودية التي تصب في وادي الرقاد, وهو اهم رافد لنهر اليرموك, ولا تتوفر معلومات كافية عن عدد هذه السدود وفقا للتقرير, ولكن معلومات اخرى استقتها العرب اليوم من مصادرها تتحدث عن ستة سدود بسعة تخزينية تصل الى 15 م م,3 وهذا وفقا للتقرير اعتداء على حصة الاردن من مياه نهر اليرموك, لأن حصة اسرائيل بموجب اتفاقية وادي عربة محددة ب¯ 25 م م3 فقط, وما تأخذه من مصادر نهر اليرموك تحصل عليه من حصة الاردن, علما بان الاردن ملتزم وفقا للاتفاقية بتوفير كمية ال¯ 25 م م 3 لاسرائل سنويا, لان ما تقوم اسرائيل باحتجازه من مياه في هذه السدود القائمة على وادي الرقاد موضوعيا سيسيل الى مجرى نهر اليرموك لو لم تحتجزه اسرائيل, ووفقا للتقرير ايضا فان اسرائيل تقوم بضخ كميات من مياه نهر اليرموك مباشرة الى مناطق في هضبة الجولان المحتلة, والى اراض محاذية لنهر اليرموك تسيطر عليها, اضافة الى قيامها وفقا لما قاله العالم في اتصال تلفوني معه بالحصول على ما يزيد على 50م م3 من مياه الجولان عبر الحصاد المائي, والحفائر والبرك التجمعية, وهذه الكميات لو لم تأخذها اسرائيل فانها عمليا ستصب في نهر اليرموك, وستكون من حصة الاردن من حوض اليرموك, التي تقلصت من 300 م م3 عام 1953 الى ما معدله 50 م م3 العام الماضي, وفقا لتقديرات وزارة المياه, وهي ما تبقى للاردن من مياه عند نفق العدسية بعدما اخذت اسرائيل حصتها منه.
 
النهب الاسرائيلي الثاني
 
العالم الذي اعد التقرير وقدمه عام 2006 الى رئيس الوزراء حينذاك د. معروف البخيت لا يكتفي بذلك في الشأن الخاص بنهب اسرائيل لحصة الاردن من المياه, بل تحدث في الاتصال الهاتفي عن نهب ثان اكثر خطرا, تمثل في ان مشروع جونستون حدد حصة الاردن من مياه نهر الاردن 770م م3 من المياه سنويا, ولكن مع قيام اسرائيل بتحويل مجرى نهر الاردن في ستينيات القرن الماضي, فقد الاردن كل تلك الكمية من المياه, فاسرائيل سيطرت على روافد نهر الاردن العلوية فوق بحيرة طبريا, مصبات انهار الحاصباني وبانياس والدان واخذت تسرق منها ما معدله 600 الى 700م م3 من المياه سنويا, وهو الامر الذي ادى مع الوقت الى انخفاض مستوى البحر الميت بالتدريج, ففي السابق - قبل الستينيات - وفقا للعالم كان يصب في بحيرة طبريا ما معدله 1250م م3 من المياه سنويا, اصبحت اليوم 200 م م3 من المياه تصب في البحر الميت اليوم. العرب اليوم
أضافة تعليق


capcha
كافة الحقول مطلوبة , يتم مراجعة كافة التعليقات قبل نشرها . :
العراب نيوز صحيفة الكترونية جامعة - أقرأ على مسؤوليتك : المقالات و الأراء المنشورة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العراب نيوز.