صحيفة العرّاب

معنيون: ثغرات قانونية تعيق الحد من انتشار آفة المخدرات

يقر مسؤولون بتزايد مشكلة انتشار التعاطي والترويج للمخدرات بالمملكة في السنوات الأخيرة بحكم موقعها الجغرافي كحلقة وصل بين البلدان المنتجة والمستهلكة للمخدرات.

 وفي ظل مؤشرات أظهرت ارتفاعا في عدد الحالات التي تروج لآفة المخدرات والتي وصلت إلى 3641 حالة ضبطت في عام 2009، بعد أن سجلت 841 حالة عام 2000 فإن الحاجة دفعت المؤسسات المعنية إلى المطالبة بتعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 11 لسنة 1988. وعلى الرغم من إجراء العديد من التعديلات القانونية على مر السنوات والتي هدفت الى الحد من مشكلة المخدرات الا أن النائب العام العسكري مدير القضاء العسكري اللواء يوسف الفاعوري يقول "إن مشكلة المخدرات لا تكمن في القوانين أو العقوبات المنصوص عليها انما تكمن بالعوامل التي تسبب انتشار المخدرات وأهمها ضعف الوازع الديني وتدني مستوى المعيشة والظروف الاجتماعية المتمثلة بالتفكك الأسري والتسرب من المدارس ورفقاء السوء".
 
ويضيف اللواء الفاعوري الذي يشغل كذلك النائب العام لمحكمة أمن الدولة "أن الشبان يركضون وراء تعاطي المخدرات والاتجار بها كأسرع طريقة للحصول على المال "ما يستدعي دراسة العوامل المسببة لانتشار تعاطي المخدرات ومعالجتها عن طريق زيادة الوعي لدى الشباب بمضارها منوها الى دور الإعلام الإيجابي في الوقاية والحد منها باستخدام الطرق العلمية والمنهجية ومراعاة الفئات العمرية والمستويات الثقافية وتركيبة المجتمع ومشكلاته.
 
ونظرت محكمة أمن الدولة بـ (3532) قضية مخدرات عام 2009، منها 661 قضية اتجار، تورط بها 6239 شخصا منهم 947 ضبطوا بقضايا اتجار بالمواد المخدرة و5450 بقضايا حيازة وتعاطي مواد مخدرة منهم 617 (مكرر) أي بنسبة 010ر0 بالمائة، وبلغ عدد الأردنيين الذين تم ضبطهم بهذه القضايا 5637 شخصا. لم تمنع الأرقام التي تظهر أن قضايا المخدرات تشكل 80 بالمائة من أعداد القضايا التي تنظر بها محكمة أمن الدولة اللواء الفاعوري من إظهار تأييده لإلغاء العقوبة لمتعاطي المخدرات "لإعطاء فرصة لهم بالتوبة قبل التورط ومكافأتهم من خلال مساهمتهم بحصر مشكلة المخدرات" لافتا الى أن قانون المخدرات وتعديله أسهم في حل المشكلة قبل وقوعها.
 
 إلا أن رئيس محكمة أمن الدولة السابق العميد المتقاعد المحامي فواز البقور يرى "أن وضع قانون عقاب عصري ونموذجي الى جانب معالجة العوامل المساعدة في انتشار المخدرات كالفقر والبطالة والأمية وسوء التربية وضعف الوازع الديني يمكن أن تسهم في الحد من انتشار آفة المخدرات".
 
 ولا تتوقف الأمور عند معالجة هذه العوامل إذ يدعو المحامي البقور الى تفعيل القوانين للحد من المشكلة، بتجفيف المنابع والقضاء على مصادر التصنيع والإنتاج كي لا يكون هناك أي مبرر لمروجي المخدرات لتمرير بضائعهم عبر حدود دول العالم.
 
وأظهرت دراسة أجرتها وكالة الأنباء الأردنية (بترا) على عينة تتكون من 152 مدمنا يتلقون العلاج في مركز علاج الإدمان التابع لإدارة مكافحة المخدرات بمديرية الأمن العام أن الاستغلال من قبل مروج المخدرات كان وراء رجوع حوالي ما نسبته 20 بالمائة للتعاطي نظرا لعودة علاقتهم مع مروج المخدرات، وكان الخوف من العقوبة القانونية وراء لجوء 58 متعاطيا لمراكز العلاج أي ما نسبته 2ر38 بالمائة. وأظهرت كذلك أن توفر المادة المخدرة وراء عودة خمسين مدمنا للتعاطي أي ما نسبته 9ر32 بالمائة، فيما كان وراء عودة 86 متعاطيا أي ما نسبته 6ر56 بالمائة للمواد المخدرة بسبب عودة العلاقة مع المتعاطين. فيما بلغ عدد المتعاطين الذين عادوا للتعاطي بسبب عودة العلاقة مع مروجي المواد المخدرة 51 من العينة أي ما نسبته 6ر33 بالمائة. وجدت إدارة مكافحة المخدرات بعض الثغرات التي تعيق عملها في حصر مشكلة المخدرات ما تطلب وضع تصوراتها لتعديل بعض بنود القانون حيث "رفعت المديرية منذ عام ونصف العام كتابا لديوان التشريع بالبنود التي ترغب بتعديلها في قانون المخدرات وتتعلق بالتعاطي" وفقا لما يقوله مديرها العقيد مهند العطار.
 
وأوضح أن الإدارة كانت طلبت عام 2003 إجراء تعديلات على بعض البنود التي وجدنا من المناسب تطبيقها لحصر المشكلة. 
 
 يطالب المحامي البقور بتجريم بعض الأفعال والمعاقبة عليها أسوة بالتشريعات المقارنة مثل حالة من يدفع غيره بالغش أو الإكراه إلى التعاطي أو إيجاد الأدلة المادية للإيقاع بالغير وتوريطه من خلال وضع مادة مخدرة بملابس الغير أو داخل سيارته أو في محله.
 
 ويقول اللواء الفاعوري إن قضايا المخدرات أصبحت من اختصاص محكمة أمن الدولة لقدرتها على جلب جميع الأطراف بعيدا عن أسلوب التبليغ عن طريق المحضرين طويل الأمد، والإنجاز الأسرع للقضايا التي ترتبط بالجريمة، "فشهدنا حالات ابن يعتدي على والديه أو أخوته بالضرب والشتم والتحقير، إلى جانب الاعتداءات الجنسية".
 
 اعتدى أحد المدمنين على شقيقته وزوجة شقيقه جنسيا، جراء استسلامه لحالة الإدمان عن طريق تعاطي حبوب الهلوسة التي بدأها منذ 13 عاما، التي تنقله بحسب وصفه لعالم خيالي وهمي، "لم أدرك أنني قمت بالاعتداء جنسيا على أختي وزوجة أخي، التي كان مصيرها الطلاق. الجهل بعواقب المخدرات الصحية قاد عريسا الى الاستجابة لإغراءات قريب له باستخدام المخدرات، "بدأت بتعاطي الحبوب وتنقلت بينها وبين الحشيش لأصل الى الحقن بالهيروين لأخسر صحتي وقدرتي وأفقد معها عروسي التي قررت طلب الطلاق.
 
وفشل طبيب في التخلص من إدمانه على تعاطي إبرة الهيروين التي دخلت جسده أول مرة أثناء مراحل تعليمه خارج المملكة، رغم محاولاته المتكررة للتخلص من هذه الآفة كونه يقطن في منطقة يكثر بها المتعاطون والمروجون لها، "كنت لا أرى أمام ناظري إلا إبرة هيروين وكأنها تروضني لأقع في براثنها مرة أخرى، لا أرى صديقا يتحدث معي سواها" لتكون بداية العودة لعالم الإدمان.
 
اللواء الفاعوري يطالب بضرورة وضع ضوابط لعلاج المدمن وتحديد الحد الأدنى للعلاج من خلال تقارير طبية صحيحة تعكس واقع الحال، إذ يجد أن الطعن بالأحكام ظاهرة صحية وقانونية وتخدم العدالة إذ يقول "نحن قضاة وبشر، قد نخطئ ونصيب بذات الوقت وأن الطعن ضمانة من ضمانات تحقيق العدالة، ولا يضرنا الفسخ".
 
ويشير إلى أن معدل القضايا التي فسختها محكمة التمييز قليلة جدا لا تصل بحدها الأعلى في أي سنة من السنوات الى عشرة بالمائة.
 
 ويؤكد مطالبته بتخفيف الحد الأدنى من العقوبة المنصوص عليها في المادة 9 من قانون المخدرات والتي تتضمن الحكم بالأشغال الشاقة لعشر سنوات للمروج الذي يقدم المادة المخدرة للغير بمقابل، معتبرا أن مثل هذه العقوبات شديدة "سيترتب عليها انهيار أسرة الجاني لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بهفوة أو خطأ بسيط كبيع مادة مخدرة بمبلغ زهيد".
 
ويطالب أيضا بوضع حد أدنى وأعلى لفترة علاج المتعاطي في المادة 14 التي أعطت المحكمة صلاحية وضع المتعاطي في أحد مراكز العلاج أو العيادات المتخصصة، وترك أمر تحديد المدة للاجتهاد والتقدير الشخصي والذي أثبت من خلال التطبيق العملي عدم تحقيقها الغاية المرجوة منه، مؤكدا أهمية "تحديد مدة الإقامة في مراكز العلاج كما هو الحال في التشريعات الأخرى لبعض الدول العربية".
 
 تجتهد إدارة مكافحة المخدرات في محاولاتها لتوفير بيئة نموذجية للمدمنين لثنيهم عن هذه الآفة ليعودوا أفرادا منتجين في المجتمع يساهمون كغيرهم في بناء شموخه واستقراره حيث عملت على معالجة 355 شخصا في مركز علاج المدمنين التابع لإدارة مكافحة المخدرات وفقا لقول رئيس المركز الرائد مازن القبلان.
 
 ويدعو الى تكاتف جميع الجهات لحصر مشكلة المخدرات والحد منها منوها الى دور القوات المسلحة في الحد من المشكلة عن طريق حراسة الحدود ومنع التهريب وإحباط محاولاته وتحويل المرتكبين الى المحكمة.
 
إذا لم توضع قوانين وتشريعات رادعة لمشكلة تعاطي المخدرات والترويج لها فإن أعداد المتعاطين لن تتوقف حيث إن ربع سكان العالم يتعاطون المخدرات حسب الإحصاءات العالمية، بل ستتسارع إلى بؤر آمنة من هذه الآفة. بترا

* نزلاء في مركز ادمان المخدرات يمارسون الرياضة