صحيفة العرّاب

قادة عظام ..حديثة،الشاذلي ،الضيف؟!

  بقلم الكاتب ..بسام الياسين


لوحة "جرينيكا" من اشهر اللوحات العالمية التي رسمها الفنان العبقري بابلو بيكاسو لقرية اسبانية مسالمة هادئة، تحالف ضدها الديكتاتور فرانكو الاسباني، ومجرم الحرب هتلر الالماني، فتظافرت عليها الوحشية الفرانكونية، والنازية الهتلرية في ابشع صورها لتدميرها، وتنفيذ ابشع المجازر البشرية.
 
 اعاد التاريخ نفسه في فلسطين.فإلتقت الوحشية الامريكية مع النازية الصهيونية لتدمير مدينة وادعة مسالمة اسمها غزة،و إبادة عائلات كاملة.
 
 جرينيكا الاسبانية خلدّها بيكاسو رسماً لتظل ماثلة في ذاكرة العالم. المقاوم محمد الضيف رسم لوحة "غزة" البطولية في ميادين القتال،لتظل المثال الحي للضمير الانساني تذكرةً لا تُنسى، ولليهود الصهاينة درساً لن يُمحى، ولعرب الردة صفعةً مدوية، بان غزة باقية وانتم الى زوال.مقالة من وحي كلمات الصديق صلاح الخمايسة "غزة انتصرت". 

*** رسم هذا الفتى العربي الفلسطيني، وصحبه الذين معه من المجاهدين لوحة نصر باهرة مبهرة ممهورة بدم الشهداء، لم ترسمها قبله جيوش امة مجتمعة. عرف سر اللعبة الصهيونية فاطمئن الى قدرته على حل رموزها للتغلب عليها، وأدرك الخدعة العربية فاخذ الحذر منها.انتصر بحاسته الفدائية، وتجربته المكثفة من خلال تعرضه لعدة محاولات اغتيال تجاوزت الخمسة، فاستشعر أن أصعب ما في الوجود التمسك بالحياة، وأسوأ ما في الحياة الخوف عليها. لكنه بشفاقية المؤمن، و إيمانه المطلق بان لكل اجل كتاب.عندها "طلب الموت فوهبت له الحياة".

*** مشكلتنا ليست فينا لاننا لم نعرف ولم نتعرف على الاعلام المقاوم، بل رضعنا الخيبات والهزائم من اعلام عربي مأزوم مهزوم روجّ "ان اليهود قدرُ رباني لا يُرد" ،وبرروا هذه الاكذوبة بالواقعية السياسية. فالجيش الاسرائيلي بقرة مقدسة تتكسر عليها نصال المسلمين، وسكاكين العرب لا تثلم جلدها، حتى بلغ الكذب بالادعاء ان الصهاينة بلغوا من الذكاء انهم يختبؤون دواخلنا، و يعشعشون في ذاكرتنا، وهم من القوة انهم ينخرون اجسادنا و لا فكاك منهم حتى تقوم الساعة، لانهم كالجن الازرق يروننا من حيث لا نراهم، ويفضحوا سترنا من دون ان نستطيع صدهم، فالتعويذة العربية لا تنفع في طردهم. خلاصة الخلاصة ان خلاصنا في إستسلامنا.

*** اعلاميو الضمائر المعلولة، والسرائر المعطوبة، ظلوا يحفرون هذه المانشيتات المغلوطة في الوجدان العربي حتى اصبحت الاكاذيب قناعات راسخة لدى بعض الناس، ويقيناً لدى آخرين بان معجزة التوازن مع العدو الصهيوني لن تاتي، وليس في الامكان ابدع مما كان. اخطرهم سقوطاً، تلك الفئة الثالثة النائمة في عسل شخيرها بان البطل المُخلص سياتي من الغيب لتحريرنا .اسقط هذا الاعلام المعلول بالف علة وعلة، من قاموس التاريخ ا ن العرب اهل حرب، لا ينامون على ضيم،وهم الاكثر عديداً وعتادا، و الارسخ عقيدة والملايين على استعداد للتضحية :" شهداؤنا في الجنة، وقتلاهم في النار"، ناهيك ان فائض اموالنا خاض فيها الامريكان حرب النجوم، واحتلوا افغانستان،واسقطوا الاتحاد السوفياتي،ثم دمروا العراق وليبيا وسوريا، وسلحوا اسرائيل.

*** محمد ضيف راس الحربة في الخاصرة الصهيونية،الموصوف اسرائيليا بـ "رأس الافعى"،غسل الذاكرة الجمعية العربية من رواسبها المرضية، وحرر العقل من قيود الخرافة، ليبدع في صناعة الصاروخ وبندقية الغول القناصة، فيما برع المقاوم الفلسطيني كيف يخرج لليهود من خلفهم، ويهبط عليهم من فوق رؤوسهم ، و يأسرهم في عقر معسكراتهم،و يجندلهم من مسافة صفرية.بموقعة غزة الخمسينية فضح ابو خالد محمد الضيف القائد العسكري الفذ، سيناريوهات الحروب العربية المسرحية،و اثبت بالدليل القاطع بأن فلسطين سقطت بالخيانة. وان غزة " شق دولة " صغيرة رضيعة لم تكتمل اركانها هي وحدها التي تملك قرارها. أما دول الجامعة العربية بدولها الغنية بنفطها،المترفة بغازها ،الشامخة بناطحات سحابها،الكاذبة بادعاءاتها ان لها جيوشاً تغطي عين الشمس، هي محتلة بطريقة او باخرى،و اما دمية للتسلية تعمل على الريموت من خلف البحار .

*** بعد هذه الفضائح المنكرة المتكررة، فكت غزة الصابرة المؤمنة ارتباطها بالانظمة العربية،فكانت المعجزة. بعملية رياضية ذهنية مُبسطة، فان غزة اقل مساحة من محافظة، وهي مطوقة من جوها وبحرها و ارضها حيث تعتبر في العلم العسكري ساقطة.استطاعت هذه الجائعة الصابرة المرابطة، ان ترفع الخور والوهن من نفوس الامة المريضة، و تُفشل اهداف رابع اقوى جيش في العالم يمتلك تفوقاً تسليحياً عالياً،وقوة نارية مدمرة، لم يقوَ على تدمير الانفاق، و لم يرفع له المجاهدون الرايات البيضاء مثلما كان يتوعد. اللافت في هذه المعركة الاطول في تاريخ الصراع العربي الصهيوني،عدم نزوح غزي واحد من ارضه كما كان يتغنى الاعلام العربي،ويتخّوف الكُتاب المرتزقة بالهروب الجماعي مع اول طلقة. اللافت اكثر ان سكان جنوب اسرائيل ال 800 الف مستوطن هم الذين نزحوا من اول طلقة،فتداولت الصحافة العبرية كلمة "نازحين". الاهم فشل الجيش الذي لا يقهر في نزع سلاح المقاومة ـ جهاز مناعة الامة ـ فيما نزع المجاهدون اسلحة متقدمة من ايدي الجنود اليهود، الاجمل ان المقاومون الفلسطنيون نزعوا اسنان يعلون قائد الاركان حيث لم يتلفظ بكلمة "انتصار" بل بكلمة "انجاز" وهذا بعينه الاعلام المعتم المضلل الذي يتلاعب بالالفاظ للتحايل على الجمهور. فاذا تجنب قادة الجيش الاسرائيلي التبجح بالانتصار،فمن حق القائد اللاجىء محمد الضيف اعلان النصر.فحين يُفشلُ الطرفُ الاضعفُ اهدافَ الطرفِ الاقوى المنصف عسكريا على راس قائمة الجيوش الاقوى فانه يكون قد انتصر عليه، وحين ينزع هيبته يكون تفوق عليه وهذا ما فعلته المقاومة في الجيش الذي لا يقهر كما يصفه اعلام الدول العميلة.

*** هي الارداة الصلبة والقيادة المبدعة لعبت دورها في النصر. فدخل محمد الضيف القائد الفلسطيني المُقعد من بوابة القادة العظام، الى نادي كبار الابطال الاروع في تاريخنا المعاصر، وحفر اسمه في لوحة الشرف الذهبية لذاكرة الامة، و أضيف الى سجل الذين سبحوا ضد التيار بحرفية واقتدار، وخلخلوا تمثال شمشون العبري المصنوع من شمع وهمنا و خيال ضعفنا، وجلس في مقصورة الشرف الشعبية الى جانب الفريق الركن مشهور حديثة الجازي الحويطي بطل معركة الكرامة عام 1967والفريق سعدالدين الشاذلي مهندس عملية العبور واقتحام خط بارليف عام 1973و المقاومة اللبنانية البطلة التي خاضت حرب تموز عام 2006.

*** حرب غزة المباركة حصلت على شهادة ايزو في الرجولة ، ودخلت موسوعة جينيس كأول مرة ينقل العرب فيها المعركة الى داخل اسرائيل. و لأول مرة تحرق الصواريخ العربية قلب اليهود و اكبادهم منذ موقعة خيبر المجيدة حتى لم يبق في فلسطين المحتلة شبراً واحداً آمنا يلوذ به القتلة. و لاول مرة في تاريخ الاحتلال حولت المقاومة سكان جنوب "اسرائيل" الى لاجئين. و لاول مرة يمتنع المجندون الصهاينة من الالتحاق بجيشهم ـ الذي لا يقهر ـ . و لأول مرة يشتبك العربي مع الصهيوني من مسافة صفرية. و لأول مرة ينقسم المجتمع الإسرائيلي على نفسه بهذه الحدة لان الحكومة لم توفر لهم الحماية .و لأول مرة لا يرى اليهود راية استسلام عربية او مقاتلاً منبطحاً يرفع يديه ويسلم سلاحه. و لأول مرة لم يطلب العرب هدنة لوقف النار، و لأول مرة يفرض العرب شروطهم ولم يقدموا تنازلات ذليلة. لهذا كله والمخفي اعظم طلعت الصحافة العبرية بلا استثناء،على صفحاتها الاولى بالبنط العريض : " الجيش الاسرائيلي تعفن، ويعلون وزير الدفاع بلا دفاع". " المجتمع الاسرائيلي ينهار لغياب الحماية الكافية له"،اضافة لعشرات النكات القذرة التي تناولت نتنياهو وحاشيته.

*** محمد الضيف قالها من دون ان يحكيها من على كرسيه، ان الكراسي قيمتها بمن يجلس عليها، فجاءه النصر المؤزر اليه صاغراً يجرجر اذياله، واستجاب له ربه لان دعوته صادقة، كدعوة سيدنا يونس التي شقت بطن الحوت، وظلمة البحر، وعنان السماء صعوداً الى الله فرُفع الهمّ والغمُّ وجاء الفرج.وهي الدعوة التي اطفأت نيران من حوله كدعوة سيدنا ابراهيم : "يا نار كوني بردا وسلاما" فكانت. هي حرب الاردات والعزائم والقيم والعقيدة والدم الذي بمقدوره هزيمة السيف، وبقدرة الكف كسر المخرز وقطع ذراع صاحبه.فقالها ابو عبيدة الغزاوي على الملأ : "منذ اليوم لن نكون أيتاما على موائد اللئام"، فانحنى له العالم احتراماً

*** الضيف محمد ابو خالد، هزم اسرائيل من على كرسية المتحرك، و اذل جبروت اسرائيل باعتراف كلينتون الرئيس الامريكي السابق نفسه.ففي عز الحرب تقزمت الشخصية اليهودية، واستطالت قامة الفتى العربي في اصقاع الدنيا عند استعاد لياقته النفسية، وثقته بذاته بعد طول هزائم،فزينت هامته الوضاءة شموس لا تغيب، و تراكضت على صدره اوسمة شعبية ، لا اوسمة بلاستيكية،و هبطت على اكتافه نجوم سماوية لا نجوم حديدية تشل حركته. فاخذ يتلمس بيده مفتاح مدينة القدس، لا عصا المارشالية الاستعراضية التي كان يستعرض فيها السادات بشخصيته المريضة " مزايا السلام" في الكنيست الاسرائيلي المكتوب على بوابته التي مرّ من تحتها صاغرا " حدود اسرائيل من الفرات الى النيل". الاجمل رد الجيش المصري في قاهرة المعتز على خطابه،بعدة رصاصات استقرت في منتصف المسافة بين عينية ،فخلصتنا من شروره وان كنا لم نزل نعاني من عقابيل افعاله.

*** الضيف المجاهد لم يُدبجّ الخطابات الثورية وينثرها كالحلوى المسمومة على راس شعبه، ولم يشاهده احد قط في صالونات النميمة يَنّمُ على خصومه، ولم يخض حروب النخب الدونكيشوتية للبحث عن الامتيازات الكبيرة والقتل على الرتب العالية، بل بالكاد سمعنا صوته وشاهدنا صورة قديمة له، يحتض فيها زوجته وابنه الرضيع اللذين قدمهما قربانا لفلسطين، بينما ابناء رجالات السلطة من طبقة الذوات والحلقات الضيقة يمرحون في الجامعات الامريكية على حساب الشعوب المنكوبة، ونساؤهم يتسوقن في اشهر مولات باريس ولندن قتلاً للملل.

*** الطاووس العسكري الاسرائيلي الذي تطوّس على الامة ونفش ريشه عليها، ثم زاده الاعلام العربي نفخاً برسم صورة مغايرة له عن حقيقته. قام المجاهد محمد الضيف وصحبه بنتف ريشه لتعريته، امام الدنيا، خاصة عندما خوزقوا قبته الحديدية بالصواريخ البدائية. و امام ضربات المقاومة المباركة انسحب الجيش الذي لا يقهر من المعركة باعتراف نتنياهو خوفا من القتل و الاسر.هذه الحقيقة تقودنا الى نتيجتين لا لبس فيهما: ان القوة ليست العنف، وان الشجاعة ليست الافراط بالقوة الهائلة، وهذا معناه في علم النفس التظاهر بالشجاعة وإخفاء الجُبن،وهذا يعني ان الجيش الاسرائيلي كان مرعوباً.دليلي غير القابل للدحض،اعترافات ضابط صهيوني كبير على القناة العاشرة: "عندما دخلت غزة كان كل شيءٍ ساكناً، وبعد برهة قصيرة لم اعد اسمع فيها سوى صرخات جنودي الجرحى، ولم ارَ بعدها غير جثث قتلانا،وكأن حي الشجاعية في غزة تحول الى ثكنة عسكرية،انشقت ارضه عن مقاتلين لهم و بينما صارت مقبرة لنا.
النتيجة الثانية : افلاس الانظمة العربية او بالعربي الفصيح، "العصابات الحاكمة" لافتقارها للشرعية و الصدقية والنواميس الاخلاقية تمثل في خوائها الكلي الذي اصبح لا يخفى على مواطن في الداخل او مراقب في الخارج. لذلك فان اهم واجبات الدولة احترام عقل المواطن وكرامته،ووضع القادة الكبار في مواقعهم اللائقة في صدارة المجلس العربيكالفريق مشهور حديثة الجازي و سعدالدين الشاذلي ومحمد الضيف،والعمل الفوري على تدريس سيرهم في المناهج المدرسية ومساقات التربية الوطنية في الجامعات .