صحيفة العرّاب

إغتيال الكلمة إغتيال امة !

بقلم الاعلامي .. بسام الياسين

! "مواطنة" حفزّتني للكتابة عن الكتابة التي اصبحت في زمن الصحافة الالكترونية موضة"

 الكتابة الملتزمة ليست إشهاراً لصاحبها بدق الطبول حوله و الاعلان عن ذاته : " انا اكتب إذن انا موجود"، ولا تشهيراً بخصم لاستئصاله بدافع ميلٍ للتفرد نابع من أُحادية بغيضة للايحاء :"انا افضل من غيري" فالعالم يتسع للجميع،ولو كان ضيقاً لما خلق الله مزيداً من البشر،ـ فتعالى الله في عليائه عن النقصان وتنزه ،له الكمال وحده ـ .

 

الكتابة لا هذا و لا ذاك.هي حصيلة اجتماع عوامل متعددة اهمها:موهبة اصيلة،ثقافة عميقة متشعبة،رسالة هادفة،فكرة ابداعية مثمرة،غيرية مطلقة.اهم رسائلها،بعثُ الحياة في موات الامة،نفث الهمم في روح شبابها،التصدي للتخلف باشكاله المختلفة من اجل حياة اكرم للكافة.

الكتابة الامينة ليست بهرجة اجتماعية او وردة للزينة بل نزف موصول ضد خداع متصل من نصابين محترفين،بربطات عنق انيقة،والسنة ذربة، امتهنوا حلب الوطن باسم الوطنية.فانطلت اللعبة على العامة،لامتلاكهم ادوات دجل متميزة وعدة نصب متطورة.

الكاتب الملتزم لا يسعَى ان يكون غيره او مثل غيره حتى لو جُنَّ ربعه.اكبر همه تسليط الاضواء على اوكار العتمة،لكشف عفنها،وفضح المتسترين فيها وعليها. الكلمة امانة اودعها الله رسله وخاصته الخاصة. فكن اميناً عليها، ولا تنكث مع الله عهداً " فتقعد ملوماً محسورا".

المؤمن برسالته،يظل اميناً على الكلمة حتى لو سلخوا فروة راسه.سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الجهاد افضل يا رسول الله فقال:" كلمة حق عند سلطان جائر".فسرها المفسرون : اذا بطش السلطان بصاحبها فله اجر شهيد،وان نجا يكون ادى واجبه،أَمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر.

قلق الكاتب مشروع لبناء مجتمعٍ انساني،دعائمه الحق والعدل والخير،لمواجهة قوى شريرة مرتزقة. فالكاتب الحق لا يؤمن باطلاق النار على طريقة الكابوي الامريكي في كل الاتجاهات، لجلب الانتباه، و اظهار البراعة اللغوية، ولا رفع رايات وحشية : "جئناكم بالذبح" على الطريقة الداعشية ،لكن بالكلمة الخالصة لوجه الله،المنزهة عن الغرض،البعيدة عن المصلحة، لا كما يفعل ادعياؤها من الصيادين المُتكسبين بنسجها افخاخاً، او حياكتها شِباكاً لاصطياد منافع زائلة، وإيقاع الناس في حبائلها.

الكتابة الملتزمة المتزنة، ليست فسيفساء إنشائية لرصف كلمات ملونة وتزويقها، ولا بلاغة طنانة لاستعراض اوتار الابجدية الرنانة ،إنما هي عرفانُ للوطن و إنحناءةُ للكثرة الكاثرة الكسيرة من ابنائه التي تعرضت لإفراط ظلم قلة قليلة.قلة قليلة مُفرطة بالنرجسية والجشع والكذب، جرى توليفها في دهاليز رطبة معتمة،فانقلبت بدوافع مصالحها الخاصة الى شلل متباغضة و قوى متناكفة، و اخرى جماعة فلان، و جماعة علان ـ بينما مصلحة الوطن ظلت خارج الحسبة. شعار جميع الاطراف المتناحرة : " لتحترق روما حتى نشوي عليها فرخة ".

الحق اقول،و اقول الحق إن هذه الاشكال لا يكشف زيفها، لا يعري بواطنها الا الكتابة . ولنرفع شعار "جئناكم بالحرف لا بالسيف" بدلاً من " جئناكم بالذبح" المفارقة الفارقة ان الاغلبية الصامتة الكاظمة غيظها،ما فرطت يوماً بثوابثها،رغم فقرها، وذُلها،وسلبها حقوقها من لدن طغمة فاجرة.

بقيت الكثرة الطيبة قابضة على جوعِها،وخوفها على ارضها، اكثر من خوف ام على بكرها الولد الوحيد الاوحد، تُهدهده ليلها و اطراف نهارها في حجرها مغردة له :احدٌ احدْ...وطني احلى بلد...

اغلى من والد وما ولد.وطني احنى من والد على ولد. سؤالنا الملحاح يا ولد اين هي البلد ؟!.هل ما زالت كما حلمت بها ام صارت تذكرةً وحقيبة يد،و نخبة ليست عند الله من احد. الكتابة بَصْمَة اصابعك المنفردة المتفردة،لا يضاهيك فيها احد،لا يعرف اسرارها غيرك.

التلاعب فيها جريمة.إمسكها باسنانك.لا تُزور توقيع شخصيتك حتى لو تغير الناسُ كلهم.استقم كما امرك ربك،لا كما توسوس لك غرائزك.

"فما كان لله اتصل،وما كان لغير الله انقطع وانفصل".مدننا العربية،مدن الملح،تراها شاهقة البنيان، تضج بالحركة والعمران،هي في حقيقة امرها ليست اكثر من زنازين ضيقة،صناديق مقفلة قذرة منزوعة الكرامة،مسلوبة العدالة،يعيش ناسها كطيور زينة منزلية في اقفاص حديدية مُحكمة، يطيرون فيها بقدر، يغردون فيها بقدر.سكين الذبح على رقابها،لذبح مَنّ يخرج عن طاعة ظل الله على الارض،وليها ومولاها الحاكم فيها والمُتحكم بها. لتكون ذاتك،عليك ان تكتب بحبر ضميرك لا بحبر مصلحتك.

قلمك اما ان يكون سيفك، او حبل مشنقتك.لا منزلة ثالثة بين المنزلتين.في الاولى تكون فارس الكلمة،في الثانية يسحب الناس كرسي الثقة من تحتك،فتهوي للحضيض. يلتفُ الحبل حول عنقك،فيقطع انفاسك ،ويُخلصّ الناس من شرك ونفاقك.اغتيال الشخصية جريمة ازهاق روح واحدة،بينما اغتيال الكلمة ذبح امة باكملها. لا تبعْ نفسك للشيطان بالمجان حتى لا تصبح العوبة بيديه،يلعب بك ويتلاعب فيك من مكتبه بالريموت كدمية.يسوقك برسن الـ " آلو" كدابة لسلخ جلدك،وعرض لحمك في الواجهة لمن يريد الفرجة عليك، لا يستر عُريك كذبيحة عارية سوى عُريك.

اجمل ما قرأت في هذا السياق،ما رواه الرسام الاشهر عالمياً بابلو بيكاسو قالت لي امي في صغري : " بابلو انت ذكي وموهوب،ان صرت جندياً ستصبح جنرالاً،و اذا صرت راهباً سوف تصبح بابا الفاتيكان". لم اصغٍ لكلماتها مع انني احبها اكثر من نفسي.بدلاً من ان اكون جندياً او راهباً صرت رساماً.و لانني اخترت نفسي، اصبحت انا بابلو بيكاسو الذي يرن اسمه في كل الدنيا.

نصيحتي لك!ان تتناغم مع ساعتك البيولوجية التي ترن داخلك،لتنسجم مع حركة الكون،تتماهى مع ايقاع الحياة و الناس،فتُفتح لك الابوابُ. عندها ستجد انك في حضرة الله الذي يُريك ما يُسعدك الانسجام مع الذات،محبة الله، طرفا معادلة النجاح.نقطة التوازن في الحياة.حينذاك يصبح قلبك جوهرة مشعة تُشع على الناس بما يفتح الله عليك من اسرار و انوار،لا مقبرة مُنفرة يتعاملون معها مكرهين. فانت عندما تمتلك طاقة الحب، امتلكت انقى طاقة في الوجود" لو عرفها الملوك لجالدوك عليها".فكن ذا قوة جذب مغناطيسية،يتسابق الناس للتحلق حولها،لا طاقة ظلم قذرة يتحاشاها المارة كمحطة تنقية. " وهديناه النجدين " فإسلك طريق الاستقامة لتشف كالملائكة وترتقي لعوالم النور،و تجنب سلوك طريق الظلم كما فعلها غيرك، لئلا تسيل مثلهم في اودية قذرة تحطك في "الخربة السمرا".

ثقافة النخبة المعيبة !

"لا غرابة ان تعاني نخبتنا المُتخمة من أُمية ثقافية مُعيبة،بدانة مفرطة من شدة إفراطها في البلع، حتى غدت حركتها سحلفائية بطيئة بسبب عدم قدرتها على هضم ما بلعت من سلطة وثروة.لذا فان من رابع المستحيلات المستحيلة اجتماع حكمة وتخمة. المتخمون لا يصنعون وطناً بل يصنعون ثروات ضخمة.لا يخدمون على خطوط النار كالعسكر،ولا يخرجون في دوريات ليلية على الطرق الخارجية في زمهرير الشتاء وحر الصيف كالشرطة.جُلَّ همهم الخندقة داخل مكاتبهم المُكيفة، للحفاظ على مكتسباتٍ راكموها من حرام . كذلك هم" محدثو النعمة" الذين صعدوا على السطح في غفلة من الزمن.لا يدافعون عن وطن الا بقدر ما يحصلون عليه من ثمن، خاصة بعد ان ربحت تجارتهم في بيع مبادئهم،وقبض اثمانها، مناصب،عملة،وترقية حتى صاروا مثل فيلة نهمة لا تشبع، للاستحواذ على كل شيء،كل شيء.نخب معلولة قديمها وحديثها،لا هَمَّ لها الا حصاد خيرات الدولة.

سؤال الشارع الغاضب: ماذا قدمت لنا هذه النخب المهترئة،منذ نشأتها حتى اللحظة سوى اضفاء تفاهة مستحدثة على تفاهة قائمة؟!.ما يدعو للاقياء،ان تسعيرتهم،كما شهد شاهد من اهلها غير خاضعة الا لبورصة المهمات القذرة،كلٌ حسب حمولته. نخبة حسب الله للرقص الشعبي، وفرقة فيفي عبده للهز الوطني، ليس عندهما برامج ،لا شيء خارق للعادة.ما قامت به النخبة بإمكان أي مواطن من الدرجة العاشرة القيام به، بل افضل منه الف مرة، بقليل من دُربة، وكثير همبكة.لا احد منهم صنع العجلة او اكتشف النار، لكنهم ركبوا العجلة على عجلة حتى استنفذوا طاقتها.احرقوا بالنار، نار ضعفهم هيبة الدولة،تورموا حتى اصبحوا سنام الفساد في بلدٍ فقير يعيش عالة على غيره. ولما زادت قروشهم،"هات دبرها معهم"،انتفخوا كطواويس مغرورة،رصيدهم نفخة كاذبة،ولعنة عليهم دائمة.

عدم مثولهم امام القضاء،لا يعني انهم طاهرون كحمام مكة المكرمة.لذا وجب تقسيمهم الى طبقات لتسهيل فهمهم.فاسدون معرفون للعامة. فاسدون معروفون للخاصة.فاسدون معروفون لخاصة الخاصة.فاسدون غامضون يعملون خلف ستارة.فاسدون مجهولون لم يُكشف امرهم.فاسدون مكشوفون تدور حولهم الشكوك. فاسدون عباقرة لا يتركون خلفهم بصمة واحدة، فاسدون لا يستطيع احد الهمس باسمائهم .فاسدون لا يستطيع احدُ التلميح بهم. فاسدون لم تتح لهم الفرصة لممارسة مواهبهم الفاسدة،فاسدون احجموا عن الفساد ليس شرفاً فيهم بل لانهم جبناء . فاسدون بالفطرة لكنهم مترددون خوفاً من فضيحة مجلجلة!.تُرى من بقي خارج القائمة ؟!. لم يبقَ الا من رحم ربي. " وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ."

....القِ يا موسى بعصاك لتلقف حبالهم وحبائلهم الماكرة التي اوصلت البلد لازمات خانقة.حولت مواكب الافراح الى قوافل جنازات،جعلت الناس كالقطط المهزولة والكلاب الضالة تنبش الحاويات بحثاً عن رزقها. يا الله قلت وقولك الحق : رزقكم في السماء وما توعدون لكنهم كما ترى قلبوا الاية : انزلتها من السماء و اطعموها لنا من حاوية... تُرى متى يأتي البطل من اقاصي البطولة ليرمي الحثالاث في سلة المهملات؟!... يقطع الحبل السري بينهم وبين الدولة؟!... يفقأ الدمامل المعباة بصديد القيح يطهر جسد الامة ؟!. كذابون محترفون يدعّون انهم لا يملكون "شروى نقير" مَنْ يصدقهم...؟. قصصهم محبوكة ،رواياتهم ملفقة،الاعيبهم بعد التحري تجد انها مكذوبة لا تنطلي على طفل صغير. ارصدتهم الدسمة خارج البلاد في حسابات سرية،فاذا لم يكن للعملة رائحة،فان لهم هم روائح نتنة تفضحهم...

ارجوكم لا تستهبلونا.