صحيفة العرّاب

غموض يحيط بشعبية حكومة النسور

  بسام بدارين

 لا يمكن التأسيس على أي سيناريو من أي نوع لفهم المفارقة الغريبة التي أعادت إنتاج التكهنات برحيل محتمل لحكومة الرئيس الدكتور عبدالله النسور في الأردن.
مفارقة التقطها بكفاءة خصوم الرجل بعدما تزايدت شعبيته وفرصة وزارته بالبقاء إثر «التبني» السريع لقانون الانتخاب الجديد الذي دفن نظام الصوت الواحد وسمح بعبور أمل ولو بسيط في تحقيق خطوات انفتاح وإصلاح سياسي.
رصيد الحكومة ورئيسها كانا في السقف الأعلى حتى الأسبوع الماضي، لكن الأسهم في بورصة النخب المتقلبة انخفضت فجأة بعد تسجيل حادثة غريبة جدا تمثلت في صدور إرادة ملكية تصادق على قانون الأحزاب الجديد بالتزامن مع تصريح علني للنسور يقول فيه بأن الملك لديه تحفظات والقانون «قد يتأخر».
بالنسبة لرئيس وزراء سيحتفل قريبا بعبوره نحو العام الرابع في الحكم مفارقة من هذا النوع تثير التكهنات أولا وشهية المتربصين والخصوم ثانيا، لإنها ببساطة شديدة تظهر الحكومة «خارج التغطية» أو على الأقل خارج سياق التنسيق مع مؤسسة القصر الملكي، خصوصا ان من تولى إدارة الحوار مع النواب والفعاليات بخصوص قانون الأحزاب الجديد والملاحظات «الملكية» عليه هو رئيس الديوان الملكي فايز طراونة وليس رئيس الوزراء.
المهم في النتيجة ظهرت حكومة النسور في حالة «غير تنسيقية» مع بقية المؤسسات السيادية عندما تعلق الأمر بتصريحات لرئيس الحكومة يخالفها الواقع، ففي الوقت الذي كانت فيه الحكومة تعمل على «تخدير» القوى الحزبية والبرلمانية قليلا، بخصوص صدور وشيك للتشريع، كان هذا القانون يصدر بخطوته الدستورية الأخيرة ويضع الحكومة في «مشهد غير لطيف ويمكن الاستغناء عنه».
وفقا لقواعد العمل البيروقراطي المعتاد لا يحصل ذلك ببساطة ومن دون هدف، وهناك «قوة مؤثرة» برمجت توقيت دسترة القانون نهائيا بعد ساعات فقط من تصريح رئيس الوزراء، ذلك يشكل الحد الأدنى للتعامل مع ما حصل ولكنه لا يفسر كل ما حصل.
مثل هذه الجمل التي تظهر «غياب التنسيق» بطريقة صارخة في الحالة البيروقراطية الأردنية هي محصلة لواحد من احتمالين: الأول يفيد بأن المفارقة هي نتيجة «خطأ» غير مقصود من قبل الجهاز الاستشاري العامل في مؤسسة القصر الملكي وهو نوع مكلف من الأخطاء غير المعتادة لا يمكن القبول به أوبوقوعه في الحالات الاعتيادية، عندما يتعلق الأمر بواحد من أهم قوانين العمل الإصلاحي السياسي.
الاحتمال الثاني هو الإشارة إلى ان المفارقة مقصودة تماما، وفي هذه الحالة يمكن ملاحظة ان المستويات التنفيذية في الديوان الملكي لا تتجرأ على توجيه رسالة خشنة من هذا النوع من دون «رسالة مركزية» لحكومة قوية وصلبة تحتفل لتوها بتسليمها ملف قانون الانتخاب وعلى أعتاب عامها الرابع.
لذلك وفقا لهذا الاحتمال فإن الرسالة تكون سريعة ومباغتة وخاطفة ومتجهة لشخص واحد هو الرئيس الدكتور النسور.
ومع عدم وجود مبرر قوي للتحدث عن رحيل أو ترحيل وزارة النسور يمكن القول ان توجيه رسائل خشنة مركزية من هذا النوع سيؤدي في النهاية لإضعاف موقف الحكومة أمام الرأي العام وتهدئة مشاعرها في «الانتصار» بعدما حاولت اختطاف قانون الانتخاب الجديد واستثماره لصالحها في الشارع، وهو استثمار يفترض انه يعود على الدولة في النهاية لو لم تكن خيارات التغيير الوزاري قائمة أو وشيكة.
بصرف النظر عن هذه الاحتمالات والسيناريوهات يمكن ببساطة القول اليوم سياسيا بأن حكومة النسور وبعد»صفعة قانون الأحزاب» الغامضة في حالة عامة أضعف من حالتها الأسبوع الماضي فقط، وبعد ركوبها موجة قانون الانتخاب الجديد. قد يكون المطلوب ترشيد حراك الحكومة وعقلنة تسرعها وضبط إيقاعات غرورها السياسي.
وقد يكون التمهيد لرحيل الحكومة بعد استنفاد «وظائفها» وقد يكون أي سبب ثالث لم يتضح الآن.