صحيفة العرّاب

حكومة الملقي… البحث عن «خلطة بقاء» تطيل عمرها بعد سيناريوهات تغيير متسرعة

  بسام البدارين

 
 لا يبدو الحديث ودوداً ولا مقنعاً في الأردن عن احتمالي ترحيل حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي قريباً، والدخول مجدداً وفي لحظة حرجة في سيناريو تغيير وزاري على إيقاعات تفاعلات وانفعالات جريمة السفارة الإسرائيلية في العاصمة عمان مؤخراً.
في بعض الزوايا بدت حكومة الملقي مترددة أو «لا تقوم بما ينبغي من واجبات»، وتعاني من كثرة التعديلات الوزارية ويوجد عليها «ملاحظات أداء». وفي زاوية أكثر حرجاً وتفصيلاً، بدأ بعضهم ينظر إلى الرئيس نفسه باعتباره تحول إلى «عنصر ضاغط وخلية إرباك» ليس على فريقه الوزاري فقط بل على بقية مؤسسات الدولة.
لكن تلك ليست مسؤولية الحكومة أو رئيسها حصريًا لأن مراكز الثقل والنفوذ، لديها وزراء تم فرضهم على الملقي اولاً، ولأن «أزمة الأدوات» والاختيارات والتجارب النخبوية لا يمكن القول بأنها منتج لحكومة او لحقبة الملقي.
رغم الصورة النمطية التي يحاول تسويقها كثيرون من خصوم الملقي او المتحرشون بحكومته خصوصاً بسبب «غيابه الكبير اللافت» عن المشهد في الأزمات، إلا أنه في الحلقة الأخيرة حقق بعض النجاحات التي لا يمكن إنكارها. فارتفاع نسبة النمو الاقتصادي قليلاً من منتجات حكومة الملقي أو عهده. كذلك استمرار بعض قصص النجاح في مجالات الطاقة والمياه بالإضافة إلى إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات وهي خطوة جريئة ايضاً من المنتجات حتى لا نقول المنجزات.
في كل الأحوال رئيس وزراء الأردن شخصية «إشكالية» اليوم، ووصل نقاش الإشكال والتجاذب مؤخراً إلى محطته الأخيرة التي تعني بأن الحكومة في وضعها الحالي من «الصعب جداً» ان تستمر ويتعايش معها الجميع خصوصاً في الشارع والبرلمان. حكومة الظل بدأت تؤثر سلباً في منسوب التوقعات من حكومة الولاية العامة.
والملقي عندما يتعلق الأمر بتحديد مصير حكومته بعد جدل مبكر ولد فجأة حول سيناريو تغييرها، مطالب اليوم بأن يساهم هو أكثر من غيره في «تحديد مستقبل» طاقمه وحكومته، ليس فقط لأن التغيير الوزاري يمكن فعلاً ان يقفز في أي وقت، ولكن ايضاً لأن الظرف صعب والعمل المنظم نخبوياً ضد الحكومة فعال ونشط.
أولاً فإن مسؤولية «إطالة عمر الحكومة» بهذه الحال لا تحسم في مسارات تعبير الشارع او عتب البرلمان أو شغب الصالونات بل في إطار الحسم الملكي. ثانياً فإن «توفير البديل» الآن مهمة معقدة.
وثالثاً وهو الأهم في سياق رغبة الملقي نفسه الجدية بالاستدراك والبقاء لفترة أطول خصوصاً أنه يردد بين الحين والآخر عبارة..»لقد اصبحت رئيساً للوزراء بكل حال.. وأستطيع الجلوس والاسترخاء الآن… لكن أريد ان أعمل».
يشتكي الملقي من تحرش الصحافة به ويقال له بأن عليه ان يخفف من تركيزه على ما يقال في الإعلام ضد حكومته حتى لو صدر عن حلفاء الدولة. ويتذمر من أن حكومته لم تكن محصلة من حيث الطاقم لوزراء هو الذي اختارهم بحرية فيما سجل الواقع يؤشر على ان الوزراء الذين غادروا بسلسلة تعديلات وزارية في أغلبهم من خيارات الرئيس حصرياً.
لكن في التقييم الأهم لا يزال الملقي رئيساً نشطاً لديه إمكانات لم تظهر بعد، ويستطيع العمل ويمكنه «أن يبدع أكثر» وعليه لضمان الاستمرار التوقف عن الارتياب في الصحافة والإعلاميين والسياسيين، وعن مناكفة الرجل الأقوى في البرلمان عاطف طراونة، والتوقف عن التحالف والتواصل مع مستويات متدنية من نشطاء الإعلام وشبكة الأصدقاء القدامى. وعليه ايضاً التركيز على خطط وبرامج العمل، وتأسيس مسافة واحدة من جميع وزرائه، والتحدث أكثر مع الرأي العام… هذه باختصار النصائح الجوهرية التي توجه للملقي من اصدقاء مخلصين او أصحاب قرار يتجاهلون كل دعوات التغيير الوزاري.
في هذه النصائح قد تكمن «خلطة البقاء» السحرية من دون الاسترسال في التسرع بالحديث عن تغيير وزاري وشيك كما ورد في عدة تقارير متسرعة وغير منطقية مؤخرا؛ حيث الظروف غير سانحة للبحث في سيناريوهات بديلة إلا إذا أخفق الملقي في الصمود أكثر بعوامل ذاتية وداخلية.
بكل الأحوال تبرز مدرستان في السياق، تسعى الأولى لإبقاء خيار ترحيل الحكومة واردا خصوصا، بعد إخفاقات التعاطي مع جريمة سفارة إسرائيل الأخيرة التي شكلت بدورها محطة أساسية وعميقة ومهمة في «انقلاب» حاد في العلاقات مع إسرائيل.
وتؤمن الثانية أن على الملقي تدشين الاستدراك بسبب صعوبة الدخول للوجبة التالية من متطلبات الإصلاح الاقتصادي لعام 2018 مع «وجه جديد» لرئاسة الحكومة ما دام الملقي مستعدا للمجازفة برفع الأسعار مجددا كما يلمح طاقمه الاقتصادي مجددا مع نهاية العام الحالي مقابل إطالة عمر حكومته لعدة اشهر.
استبعاد حصول تغيير وزاري وشيك بعد الانتخابات البلدية واللامركزية هو الخيار المفضل لمركز القرار إلا إذا أخفق الملقي بالاستدراك وفرض على الجميع خياراً بعنوان «إسقاط حكومته» مع كل ما يرافق من الشكر والامتنان على القيام بالواجب.
خيارات التغيير لا تحسمها اعتبارات الشارع والجمهور، وثمة واجبات لم تكتمل لحكومة الملقي واستباق المشهد مع «التسرع» في الحديث عن «بدائل» قد يعبر عن تفكير «رغائبي» أكثر من تعبيره عن «حقائق ووقائع» وإن كانت كل الاحتمالات «واردة دومًا» في بلد كالأردن.