تدوين المواعيد ومراجعة ملفات المراجعين، وأحيانا كثيرة، تقديم القهوة والشاي لصاحب العمل، تعتبر جزءا من المهام الواقعة على عاتق سكرتيرات يعملن في عيادات أطباء، وسط ظروف مهنية صعبة ورواتب ضئيلة، تقل غالبا عن الحد الأدنى للأجور.
وتشكو كثير من سكرتيرات الاطباء من تدني رواتبهن وطول ساعات دوامهن، التي تصل أحيانا إلى أكثر من 10 ساعات يوميا، يقمن خلالها بواجبات لا تتوقف عند المهام الإدارية، وهي وظيفتهن أصلا، بل يطلب منهن أحيانا مساعدة الطبيب خلال كشفه على مرضى، أو خدمة المراجعين وضيافتهم، بحسب ما أسر عدد منهن لـ "الغد".
"لا أشعر بالإنصاف في عملي"، تقول السكرتيرة حنان أحمد، وتتقاضى 130 دينارا شهريا، في وقت تنفذ فيه مهام إدارية في العيادة التي تعمل بها، وتبدأ طبعا بتسجيل مواعيد للمرضى، وطباعة الملفات، ومن ثم مراجعة شركات التأمين الصحي، لتصل الى مساعدة الطبيب في مهامه.
ولا يسمح راتب حنان الضئيل، باستغلال فترة استراحتها ظهرا، للذهاب خلالها إلى منزلها كي تتناول غداءها، بسبب ضآلة راتبها، ما يجعلها حبيسة العيادة طوال فترة النهار وحتى المساء، توفيرا للنفقات.
ويبدأ دوام العيادات الخاصة عادة في الساعة التاسعة صباحا، ويستمر الى الواحدة ظهرا، ومن الثالثة عصرا وحتى السابعة والنصف أو الثامنة مساء، وتعتبر الفترة بين الواحدة والثالثة، فترة استراحة.
"شو بدي أعمل، عشان الظروف بتحمل"، تقول أماني محمود، السكرتيرة في عيادة أطفال، ظنت أن شهادة الدبلوم في تربية الطفل التي تحملها، تستحق أن تستغلها بعمل يناسب طبيعة تخصصها، لكن ضآلة راتبها، غير المشمولة فيه بتأمين صحي أو ضمان اجتماعي، يشعرها بالظلم، وتضيف أنها "مجبرة على السكوت، خصوصا وأن فرصة الحصول على وظيفة في هذه الأيام، باتت أمرا صعبا جدا".
ولا يقتصر عدم شمول أماني بالضمان والتأمين الصحي، عليها فحسب، بل ينسحب على أغلب سكرتيرات الأطباء والمحامين وعاملات وعاملين في وظائف ومهن عديدة تابعة للقطاع الخاص.
ويرجع مختصون الى أن عدم شمول أصحاب هذه الوظائف والمهن بالضمان والتأمين الصحي، يخضع لمواصفات مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تفيد بشمول المؤسسات بالضمان اذا كانت تضم 5 عاملين أو أكثر، واغلب العيادات الخاصة ومكاتب المحاماة وبعض المحال التجارية، لا يصل عدد عامليها الى خمسة.
يقول رئيس نقابة العاملين في الخدمات الصحية محمد غانم لـ "الغد" إن "10 % فقط من الأطباء الأردنيين، اصحاب العيادات، لديهم خلفية عن معايير العمل وقانون العمل الاردني".
ويضيف غانم أن أولئك الأطباء "لا يطبقون قانون العمل على أوضاع سكرتيراتهم، من ناحية عدد ساعات الدوام، التي تتراوح بين 10-12 ساعة يوميا، وهو ما يتعارض مع قانون العمل، الذي ينص على أن دوام الموظف يجب ألا يتجاوز 8 ساعات يوميا".ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، فبحسب غانم، فـ"إن 95 % من الأطباء، الذين يمتلكون عيادات خاصة، لا يلتزمون بالحد الأدنى للأجور في تقرير رواتب السكرتيرات"، لافتا الى أن القانون ينص على أن الحد الأدنى للأجور هو 150 دينارا، بينما تتقاضى الكثير من السكرتيرات أقل من ذلك".
من جانبه، أوضح نقيب الأطباء الدكتور أحمد العرموطي ان اغلب الاطباء في العيادات الخاصة "التزموا بالحد الادنى للاجور في رواتب سكرتيراتهم"، لافتا إلى ان وزارة العمل تفقدت قبل نحو 8 أشهر عيادات أطباء في مختلف مناطق المملكة، وأجبرت من لم يلتزم برفع الحد الأدنى لأجور السكرتيرات الالتزام برفعها،"، معتبرا ان من لم يكن ملتزما من الاطباء بذلك "لم تكن لديه فكرة عن التعديل الذي طرأ على الحد الأدنى للأجور في تلك الفترة".
في حين ذهب رئيس نقابة الخدمات العامة والمهن الحرة خالد أبو مرجوب الى اعتبار ان عدم التزام كثير من الأطباء بعدد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور "بات ظاهرة" منتشرة في هذا القطاع.
ويرى أبو مرجوب أن "حرمان سكرتيرة الطبيب من حصولها على الحد الأدنى من الأجر المقر رسميا، والذي لم يعد يكفي أصلا، يعد حرمانا لها من أبسط حقوقها، فضلا عن أن ذلك لا يتلاءم مع أوضاع سكرتيرات يعلن أسرا ويفتحن بيوتا".إلى ذلك، يعدد غانم مشكلات أخرى تواجه سكرتيرات الاطباء وبعض المهن، ومنها، قيام بعضهن بإعداد وتحضير وجبات الطعام والقهوة والشاي للطبيب، فضلا عن ترتيبهن العيادة وتنظيفها وشراء مستلزماتها.
ويشير غانم الى ان نقابته "اعتادت على تلقي شكاوى من سكرتيرات، يطالبن بتعويضات من الأطباء، الذين يعملن عندهم، خصوصا عندما ينهون خدماتهن".
ويرى ايضا أن من الشكاوى والتجاوزات المرتكبة بحق السكرتيرات، حرمانهن من الإجازات السنوية، وحتى المرضية، والتي هي من ضمن شروط عقود العمل.
ويلفت غانم، في هذا السياق، الى قضية تبنتها نقابة العاملين في الخدمات الصحية، عندما لجأت فيها إليهم سكرتيرة تطالب بإجراء تحقيق نقابي إثر رفض الطبيب، الذي تعمل في عيادته، منحها إجازة مرضية لإجراء عملية جراحية مستعجلة لها. رئيسة لجان المرأة في نقابة العاملين في الخدمات الصحية هنادي السوداني بينت لـ "الغد" أن النقابة "تدعم عرض شكاوى من سكرتيرات ضد أطباء امام القضاء، بمعدل 13 – 14 قضية سنويا".
"الأطباء يجهلون تبعات قانون العمل"، تقول السوداني، مؤكدة على أن الشكاوى التي تتلقاها النقابة "لا تحول إلى القضاء إلا في حال عدم حل المشكلة بين الطرفين، السكرتيرة والطبيب وديا".
كما يلفت غانم إلى وجود تعاون بين نقابته ونقابة الأطباء في هذا الخصوص، لكنه أوضح أن التعاون "لا يتم باستمرار، وعندما يتم، يكون بطلب من نقابة العاملين في الخدمات الصحية".
بيد أن العرموطي يشير الى عدم وجود تعاون بين نقابتي الأطباء والعاملين في الخدمات الصحية، ويقول إن نقابته "لم يسبق وان وجهت إليها شكاوى تتعلق بحرمان سكرتيرات أطباء من حقوقهن"، مؤكدا على أن الأطباء، وبحسب ما هو متوافر من معلومات "يمنحون سكرتيرات عياداتهم الامتيازات التي أقرها قانون العمل الأردني".
بينما تلفت السوداني الى مشكلة اخرى، تتمثل بلجوء سكرتيرات الى العمل لصالح عيادتين أو طبيبين في آن واحد، لتجني أجرا من كليهما، قد يقل عن الحد الأدنى للأجور.
ودعت السوداني إلى التوعية بحقوق سكرتيرات الأطباء، مؤكدة على ضرورة التعاون المشترك مع نقابة الأطباء، التي ترى أن "من دورها تشديد متابعاتها وعمليات التفتيش للتأكد من مدى التزام الاطباء بمنح السكرتيرات حقوقهن، والقيام بإيجاد حلول للشكاوى وتنفيذ العقوبات بحق من يخالف قانون العمل من الاطباء بحقهن". الغد