قبل ثلاثة أيام، مررت بفاجعة شخصية لم أشهد مثيلا لها في حياتي؛ موت زوجي السابق نديم غرغور وفلذة كبده وحبيب قلبنا الغالي كريم، في حادث سير مرّوع على طريق البحر الميت.
رغم سنوات الغياب... يعجز الكلام عن وصف مرارتي في 'حضرة الغياب' الأزلي. سأشتاق إليك ما حييت وأستحضر تفاصيل حياتنا بحلوها ومرها.
زواجنا أواخر القرن الماضي توّج ثلاث سنوات من المواعدة الاجتماعية تخلّلتها فترة الخطوبة. أربعة عشر عاما عشناها بمحبة ووئام لم يفرقّنا شيء سوى ضغط العمل والأسفار، وثم الطلاق عام 2011 لظروف معقدّة كانت أكبر منا في غياب العقلاء.
اليوم، يصعب علي تخطّي ما وصفه أحد الأصدقاء: ب'الحزن غير المعترف فيه' لوحدي.ويحق لي التعبير عن وطأة الشعور بالخسارة الشخصية. تجربتنا الخاصة مرّت عبر سلسلة مراحل: حب جارف، محطّات جميلة، ظروف صعبة، أوقات توتر وقهر، وصولا إلى طلاق صعب وقاس، وبعده بسنتين مكاشفة وجاهية في بيروت وضعت حدّا للمرارة المصاحبة له. ساعدنا هذا اللقاء على إغلاق هذا الفصل الشائك.
بعد افتراقنا، كنّا نلمح بعضنا البعض في المناسبات الاجتماعية وواظبنا على تبادل التهنئة بعيدي ميلادنا وسائر الأعياد المجيدة.
على أن وفاتك يوم الخميس صعقتني وخلخلت توازني. لطالما توقعت أن يخطفني الموت قبلك، لأني كنت أراك قويا وأكبر من الحياة.
كثافة الحزن الذي ألم بي وبعائلتي لا يوصف. موتك طرح أمامي حزمة أسئلة صعبة عن رحلتنا القصيره عبر الحياة.اليوم أشكر ربّي أننا طوينا صفحة الانفصال والمكاشفة خلال لقائنا السابق وليس بجانب فراش الموت، حيث يسعى معظم الناس للصفح وطي صفحات المرارة في علاقاتهم.
حضرت جنازتك لأشكركك على السنوات الجميلة التي قضّيتها معك؛ نبع ذكريات مدهشة ولحظات عديدة من السعادة الحقيقية، الحب والمسرّات والأسفار حول العالم. نعم، حقّقنا الكثير معا.
في أوقات المعاناة والألم، لا ضير في إطلاق العنان لأحاسيس الحزن والرحمة والغفران، بدلا من التقيد بالقواعد والأعراف الاجتماعية.
منذ صاعقة خبر وفاتك وحبيب القلب كريم، عدت لتصفح ألبومات صورنا معا وبطاقات المحبة التي كنت ترسلها عبر السنين وكذلك الهدايا الخاصة بمناسبة يوم مولدي وأعياد الميلاد، أو عندما كنت تعود من رحلات العمل. وأمضيت وقتا طويلا مع العائلة والأصدقاء، الذين يعنون لنا الكثير. اتصل مئات الأصدقاء والمعارف لتقديم العزاء واستذكار أوقات أمضوها معك وتجاربكم المشتركة في المدرسة، العمل أو فضاءات الحياة.
ولا تزال أمواج المشاعر الجياشّة تتدفق في قلبي. تتأرجع الأحاسيس بين الحزن على علاقة فشلت، قهر حيال ظروف صعبة خارج إرادتنا غزت حياتنا كزوجين، حنين إلى الأوقات الجميلة التي أمضيناها معا بما فيها لحظات الصعود والهبوط كما في أي علاقة زوجية طبيعية.
خسارتي ضخمة، شاقة ومزدوجة – رحيلك ورحيل كريم الذي أحبيت ورعيت خلال وجودي معكم.لن أقاوم الحزن الذي تسلل إلى حياتي دون موعد في 28 كانون الأول/ 2017. وكأنك استعجلت الرحيل قبل أن تغيب شمس هذا العام المسكون بالأسى؛ خسرت فيه أحباء عدّة خصوصا عمتي سعاد، سندي منذ وعيت على الدنيا.
ستبقى محطات حياتي معك محفورة بذاكرتي. وأقولها الآن بثقة إن الأوقات الممتعة فاقت لحظات العتب والخصام.علمتني الكثير في هذه الحياة يا نديم. خضنا معا العديد من الفرص وواجهنا تحديات مشتركة في الحياة والعمل.
لقاؤنا الأول كان في 16 كانون الثاني/ يناير 1995، يوم بلغ والدك حنا – رحمه الله- سن الثمانين. إجراءات طلاقنا اكتملت في 14 شباط/ فبراير، يوم احتفال الجميع بعيد الحب.
بين هذا وذاك، ارتبطنا معا في ظلال عائلة رائعة؛ في ظلال رحمة والدك حنا ورحمة والدتك الفاضلة والمحبة سيلفيا. أمضينا أياما استثنائية مع أبنائك؛ حنّا، كريم -الله يرحمه في ملكوته- وتامر.
أصلي إلى العلي القدير لأن يمنح باتي، وحنا وتانيا وتامر ورايا وكارول ورجا وجميع من كانوا جزءا من حياتك القوّة والعزاء لاجتياز هذه الخسارة المفجعة. لا شيء يزيل الحزن عن القلب. لكن السلام الداخلي، المسامحة والامتنان يمكنهم أن يسهّلوا عذابات الفؤاد ووجد الفراق.
لكنني أراهن على اعتمال الذكريات الجميلة في مخيلتي.موتك المفاجىء وكريم تذكير صارخ بأننا جميعا مجرد شموع في مهب الريح.وهو ناقوس لنا جميعنا: كيف تكون حياة الإنسان هشّة وكيف تكون غير منصفة أيضا.
لترقد بسلام وراحة أبدية مع الغالي كريم إلى جانب أمك وأبيك والعمّة هيلين وابن العم رضا وسائر أفراد العائلة الذين غادرونا خلال العقدين الفائتين.