:تعد الشيخوخة جزءا لا مفر منه من الحياة، وهو ما قد يفسر الجهود الكبيرة وراء السعي لإيجاد طرق للعيش عمرا مديدا وأكثر صحة.
وبينما تتزايد الجهود المبذولة للمساعدة على العيش عمرا مديدا، ربما ينبغي علينا أن نكون أكثر اهتماما بأن نكون أكثر صحة لفترة أطول. ولذلك يشكل تحسين "متوسط العمر الصحي المتوقع" تحديا عالميا.
ومن المثير للاهتمام أنه تم اكتشاف مواقع معينة حول العالم حيث توجد نسبة عالية من المعمرين الذين يتمتعون بصحة بدنية وعقلية رائعة.
وتحدد هذه المناطق باسم "المنطقة الزرقاء"، وتعود هذه التسمية إلى دراسة أجرتها مؤسسة آكيا في سردينيا بإيطاليا، حيث تمت صياغة هذا المصطلح نسبة للمناطق التي تم تمييزها على الخريطة باستعمال الحبر الأزرق في مقاطعة نورو بسردينيا، والتي تضم أعدادا كبيرة من المعمرين.
ومنذ ذلك الحين، تم توسيع هذه النقطة الساخنة لطول العمر، وهي تشمل الآن العديد من المناطق الأخرى حول العالم التي تضم أيضا أعدادا أكبر من الأشخاص الأصحاء الذين يعيشون عمرا أطول.
وإلى جانب سردينيا، أصبحت هذه المناطق الزرقاء معروفة الآن شعبيا على النحو التالي: إيكاريا في اليونان، وأوكيناوا في اليابان/ ونيكويا في كوستاريكا، ولوما ليندا في كاليفورنيا.
وبخلاف أعمارهم الطويلة، يبدو أن الذين يعيشون في هذه المناطق يتشاركون أيضا في بعض القواسم الأخرى، والتي تتمحور حول كونهم جزءا من المجتمع، وأن يكون لديهم هدف في الحياة، وتناول الأطعمة المغذية والصحية، والحفاظ على مستويات التوتر منخفضة، وممارسة التمارين اليومية الهادفة.
ويمكن أن يرتبط طول أعمارهم أيضا ببيئاتهم، كونهم في الغالب ريفيين (أماكن أقل تلوثا)، أو بسبب جينات محددة لطول العمر.
ومع ذلك، تشير الدراسات إلى أن الجينات قد تمثل فقط نحو 20-25% من طول العمر، ما يعني أن عمر الشخص عبارة عن تفاعل معقد بين نمط الحياة والعوامل الوراثية، التي تساهم في حياة طويلة وصحية.
عندما يتعلق الأمر بالنظام الغذائي، فإن كل منطقة زرقاء لها نهجها الخاص، لذلك لا يفسر طعام أو عنصر غذائي محدد طول العمر الملحوظ. ولكن من المثير للاهتمام أن النظام الغذائي الغني بالأغذية النباتية (مثل الخضروات والفواكه والبقوليات المزروعة محليا) يبدو متسقا بشكل معقول عبر هذه المناطق.
وبعض عوامل نمط الحياة (مثل التدخين وسوء التغذية) يمكن أن تؤدي إلى تقصير طول التيلومير (أطراف الكروموسومات في الخلية). ويعتقد أن طول التيلومير يعمل كمؤشر حيوي للشيخوخة، لذا فإن وجود تيلوميرات أطول يمكن أن يرتبط جزئيا بطول العمر.
لكن النظام الغذائي النباتي ليس السر الوحيد للعمر المديد. ففي سردينيا، على سبيل المثال، يتم استهلاك اللحوم والأسماك باعتدال بالإضافة إلى الخضروات المزروعة محليا والأطعمة التقليدية، والعسل والأجبان الطرية. ولوحظ في العديد من المناطق الزرقاء إدراج زيت الزيتون والنبيذ (باعتدال: نحو 1-2 كوب يوميا) بالإضافة إلى الشاي. وتحتوي كل هذه العناصر على مضادات أكسدة قوية قد تساعد في حماية خلايانا من التلف مع تقدمنا في العمر.
وربما يكون ذلك مزيجا من التأثيرات الوقائية لمختلف العناصر الغذائية في النظام الغذائي لهؤلاء المعمرين، وهو ما يفسر طول عمرهم الاستثنائي.
كما لوحظ أن الوجبات في المناطق الزرقاء عادة ما يتم إعدادها طازجة في المنزل. ولا يبدو أيضا أن الأنظمة الغذائية التقليدية للمناطق الزرقاء تحتوي على أطعمة فائقة المعالجة أو أطعمة سريعة أو مشروبات سكرية قد تسرع الشيخوخة. لذا ربما يكون من المهم أيضا أن نأخذ في الاعتبار ما لا يفعله هؤلاء السكان الأطول عمرا، بقدر ما يفعلونه.
ويبدو أن هناك نمطا لتناول الطعام حتى الشبع بنسبة 80%، بعبارة أخرى، التخفيض الجزئي للسعرات الحرارية. وقد يكون هذا مهما أيضا في دعم كيفية تعامل خلايانا مع الضرر مع تقدمنا في العمر، وهو ما قد يعني حياة أطول.
وترتبط العديد من العوامل التي تشكل أنظمة المناطق الزرقاء هذه، في المقام الأول الأطعمة النباتية والطبيعية بالكامل، بانخفاض خطر الإصابة بالأمراض المزمنة مثل أمراض القلب والسرطان.
ولا يمكن لهذه الأنظمة الغذائية أن تساهم في حياة أطول وأكثر صحة فحسب، بل يمكن أن تدعم ميكروبيوم الأمعاء الأكثر تنوعا، والذي يرتبط أيضا بالشيخوخة الصحية.