نحو إعادة هيكلة الاتحاد العام للمزارعين: تكاملية الطرح وبناء مؤسسي جديد للقطاع الزراعي الأردني
م. سعيد بهاء المصري
المبررات والدوافع لإعادة الهيكلة
إعادة هيكلة الاتحاد ليست خيارًا تنظيميًا فحسب، بل هي ضرورة وطنية لتحسين كفاءة تنفيذ السياسة الزراعية وتخفيف العبء عن وزارة الزراعة، مع تعزيز الشفافية والرقابة وربط مهام الاتحاد بمؤشرات أداء واضحة، إضافة إلى تفعيل التشاركية مع المجتمع الأهلي الزراعي. كما تسهم إعادة الهيكلة في توفير مصادر دخل مستدامة عبر رسوم عضوية وخدمات استشارية وصندوق تمويل داخلي مدعوم من المانحين، وهي خطوة تنسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي وتوجهاتها نحو تمكين المجتمع الزراعي وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في إدارة الموارد.
يقوم الاتحاد بدور محوري كشريك استراتيجي لوزارتي الزراعة والمياه في التخطيط الموسمي والسنوي للإنتاج الزراعي، بما يضمن توافق خطط الزراعة مع الموارد المائية المتاحة وحاجات السوق. كما تشكل الاتحادات النوعية المحصولية، مثل جمعيات التمور والزيتون والخضار، أذرعًا متخصصة تساهم في تحديث قاعدة البيانات الوطنية الخاصة بالإنتاج والاستهلاك، وتعمل ميدانيًا على تحقيق التوازن بين العرض والطلب بما يحافظ على استقرار السوق ويعزز تنافسية المنتج الأردني.
الشراكة الاستراتيجية مع الوزارات والاتحادات النوعية
العلاقة العضوية بين الاتحاد وفروعه والاتحادات المحصولية
الاتحاد العام للمزارعين يجب أن يعمل وفق نظام حوكمة متكامل يربط المركز بالفروع في المحافظات والاتحادات المحصولية المتخصصة. يقوم الاتحاد المركزي بوضع السياسات العامة، بينما تتولى الفروع التنفيذ الميداني بحسب خصوصية كل محافظة. أما الاتحادات المحصولية فهي أذرع فنية متخصصة تعمل تحت مظلة الاتحاد، وتشكل المحرك الأساسي للإنتاج الزراعي، وتوفر قاعدة بيانات دقيقة عن الإنتاج. ويُنتظر أن يمنح القانون الجديد الفروع استقلالية تشغيلية خاضعة للتقييم الدوري، مع بقاء إشراف رقابي مرن من الوزارة يعزز ثقة المزارعين ويخفف البيروقراطية.
الهيكل المؤسسي الجديد والدعم الفني الدولي
لإنجاح إعادة الهيكلة، لا بد من بناء قدرات مؤسسية جديدة داخل الاتحاد تشمل وحدات متخصصة للسياسات، الرقمنة، التمويل، التنظيم المحصولي، والإعلام الزراعي. كما يتطلب الأمر تطوير منصة رقمية وطنية تربط المزارعين مباشرة بالاتحاد وتتكامل مع قاعدة البيانات الزراعية الوطنية. وسيكون للدعم الفني من الجهات المانحة دور رئيسي في تدريب الكوادر وتطوير الأنظمة الرقمية وتمويل المشاريع الريادية، بما يحول الاتحاد إلى مؤسسة عصرية قادرة على خدمة المزارعين بكفاءة.
المهام المناطة بالاتحاد وفروعه
تُناط بالاتحاد وفروعه مهام أساسية أبرزها: تمثيل المزارعين أمام الحكومة والجهات الدولية، وتنفيذ الخطة الزراعية الوطنية ميدانيًا بالتنسيق مع الاتحادات المحصولية، وتنظيم الإنتاج الزراعي لتجنب الفائض أو النقص، إضافة إلى جمع البيانات الميدانية وتحليلها لتغذية السياسات الوطنية. كما يشمل دوره تنفيذ برامج الإرشاد والتوعية وتبني التحول الرقمي، فضلاً عن إدارة صندوق تمويل داخلي لدعم المبادرات الزراعية المحلية.
التكامل بين الاتحاد وغرفة الزراعة
يقوم الاتحاد العام للمزارعين بدور محوري في ضبط الإنتاج منذ مرحلة التخطيط وحتى الوصول إلى المنتج الزراعي النهائي، سواء كان مخصصًا للاستهلاك الطازج أو لاستخدامه كمدخل في الصناعات الغذائية. وعند هذه المرحلة يبدأ الدور المكمل لغرفة زراعة الأردن، التي تتولى إدارة الجانب التسويقي والتجاري للمنتج النهائي. وتشمل مهام الغرفة الترويج للمنتجات الطازجة محليًا وخارجيًا، ودعم الصناعات الغذائية، وتطوير العلامة التجارية الوطنية، إضافة إلى توفير الخدمات اللوجستية والتسويقية مثل التغليف والتخزين المبرد والنقل، وفتح قنوات تسويق جديدة عبر المعارض والاتفاقيات الدولية. بهذا، يصبح الاتحاد مسؤولًا عن المدخلات الإنتاجية حتى اكتمال المنتج الزراعي، بينما تمثل الغرفة حلقة الوصل مع المستهلك النهائي أو قطاع الصناعات الغذائية.
استنتاجات ختامية
إن مشروع إعادة هيكلة الاتحاد العام للمزارعين ليس مجرد تعديل قانوني، بل هو إعادة صياغة لمستقبل القطاع الزراعي الأردني عبر مؤسسة حديثة ومرنة وذات موارد مستدامة. ومن خلال تكامل الاتحاد مع غرفة الزراعة، ستُبنى منظومة متكاملة تحقق التوازن بين الإنتاج والتسويق وتعيد للمنتج الأردني مكانته التنافسية في الأسواق المحلية والدولية. كما أن الاستدامة المالية للاتحاد تمثل الركيزة الأساسية لهذا البناء المؤسسي الجديد، حيث سيعتمد على رسوم عضوية تصاعدية وخدمات استشارية وتدريبية مدفوعة، إضافة إلى صندوق داخلي لدعم المبادرات المحلية واستقطاب دعم فني ومالي من الجهات المانحة لتطوير البنية المؤسسية والتحول الرقمي. هذه الرؤية تحتاج إلى دعم سياسي وتشريعي واستثمار جاد في البنية المؤسسية والفنية، لتصبح الزراعة رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأردن.