في تصريح صريح وملفت، أطلق العين خليل الحاج توفيق، عضو مجلس الأعيان ورئيس غرفة تجارة الأردن وعمّان، جرس الإنذار حيال ما وصفه بـ'الفرص الضائعة' في ملف الاستثمار، داعياً إلى حالة استنفار وطني شاملة تبدأ من وزارة الاستثمار ولا تنتهي عند حدود القطاع الخاص.
وقال الحاج توفيق، خلال لقاء اقتصادي، إن الأردن يُهدر إمكانات استثمارية ثمينة رغم ما يتمتع به من موقع استراتيجي ومقومات اقتصادية قادرة على جذب رؤوس الأموال الأجنبية، مؤكداً أن 'الرضا غائب عن أداء ملف الاستثمار، والمرحلة تتطلب تحركاً غير تقليدي'.
وتبرز الحاجة الملحّة لتدفق استثمارات سنوية لا تقل عن أربعة مليارات دينار لإنجاح رؤية التحديث الاقتصادي، وهي أرقام تتطلب جهوداً مشتركة من القطاعين العام والخاص ضمن إطار ما يشبه 'حالة طوارئ اقتصادية' لتحفيز الاستثمار وتذليل العقبات أمام المستثمرين.
المرحلة القادمة، بحسب المؤشرات الإقليمية، ستكون مفصلية، خاصة في ظل التوقعات بقرب انتهاء الحرب في غزة، ما يستدعي استعداداً فورياً لاقتناص الفرص الاستثمارية المحتملة في مرحلة ما بعد الحرب. في هذا السياق، يصبح الانتظار موقفاً خاسراً، والتحرك المبكر ضرورة لا خيار.
كما أن سوريا تمثّل بعداً استراتيجياً إضافياً في خارطة الفرص الإقليمية، خصوصاً مع مؤشرات التهدئة والتحولات السياسية التي قد تفتح الباب أمام مشاريع إعادة الإعمار، وتفعيل الروابط الاقتصادية بين دمشق وعواصم المنطقة. في حال استقرت الأوضاع تدريجياً، فإن الأسواق السورية ستعود لتكون بيئة خصبة للاستثمار والتبادل التجاري، ما يجعل من الضروري أن يكون للأردن موقع متقدم في هذه المرحلة، بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة. هذا يتطلب جاهزية سياسية واقتصادية، واستراتيجية مدروسة للاستفادة من أي نافذة تعاون محتملة مع سوريا
السوق الإقليمي يشهد تنافساً حاداً على رؤوس الأموال الخليجية والدولية، ما يجعل من الضروري أن يكون الأردن لاعباً نشطاً في هذا المشهد. فالمستثمرون أمامهم خيارات واسعة، ودول عديدة تتحرك بمرونة وجاذبية عالية لاحتضان الاستثمارات، الأمر الذي يتطلب من الأردن جهداً ميدانياً وفعّالاً في الترويج لفرصه الاستثمارية.
ولا يقتصر التحدي على تطوير السياسات، بل يمتد إلى طريقة التنفيذ. فالترويج التقليدي لم يعد كافياً، ما يستوجب تحركاً مباشراً نحو المستثمرين من خلال فرق عمل مختصة، بالتعاون مع البعثات الدبلوماسية الأردنية في الخارج والقطاع الخاص المحلي.
الاستثمار يُعد حجر الزاوية في رؤية التحديث الاقتصادي الأردني، ليس فقط لتحقيق النمو، بل أيضاً لتوفير فرص العمل للشباب وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. ومع دخول الأردن مرحلة جديدة من التحولات الإقليمية والدولية، يصبح الاستثمار خياراً استراتيجياً لا يمكن تجاهله أو تأجيله.
ولعل أهم ما تتطلبه هذه المرحلة هو توحيد الجهود، والتفكير خارج الأطر التقليدية، والانتقال من التخطيط إلى التنفيذ الميداني الفعلي، قبل أن تضيع المزيد من الفرص التي لا تنتظر أحداً. وفي هذا السياق، تبرز أهمية إنشاء مكاتب تجارية متخصصة داخل سفارات المملكة في العواصم المستهدفة، لا سيما في الأسواق الإفريقية الواعدة، التي تشهد نمواً اقتصادياً متسارعاً وتزخر بفرص كبيرة في مجالات متعددة.
وينبغي أن يُترأس هذا المكتب من قبل شخصية مؤهلة وذات كفاءة عالية، يتم اختيارها وفق معايير مهنية صارمة، بعيداً عن الواسطة والمحسوبيات أو التعيينات التنفيعية، على أن يكون الهدف الأساسي من وجودها هو العمل الجاد والمستمر على جذب الاستثمارات والترويج للفرص الأردنية. كما يجب أن يلتزم رئيس المكتب بتقديم تقارير أسبوعية مفصلة عن أدائه ونشاطاته، تُرفع مباشرة إلى السفير المعني ووزارة الاستثمار، لضمان الرقابة والمساءلة وتحقيق النتائج المرجوة.