صحيفة العرّاب

الدراية الإعلامية... وعيٌ يحمي العقول قبل الأخبار

 الدراية الإعلامية... وعيٌ يحمي العقول قبل الأخبار

بقلم: محمد جميل الخطيب
في زمنٍ تتزاحم فيه المنصات، وتتسابق فيه الشائعات إلى عقول الناس قبل أن تصل إليهم الحقائق، لم يعد كافيًا أن نعلّم أبناءنا القراءة والكتابة فحسب، بل أصبح لزامًا أن نعلّمهم كيف يقرأون الإعلام وكيف يميّزون بين المعلومة والمعالجة، بين الحقيقة والتهويل، وبين الصحافة المهنية وصناعة “الترند”.
إنّ ما يُعرف اليوم بـ التربية الإعلامية والمعلوماتية أو الدراية الإعلامية، Media and Information Literacy – MIL)     لم يعد ترفا ثقافيا أو نشاطا توعويا موسميا، بل هو ركيزة من ركائز الأمن الفكري والاجتماعي. فهذه الثقافة تُحصّن العقول من التضليل، وتمنح الفرد القدرة على تحليل المحتوى، وفهم دوافع من يقف وراءه، وتقدير أثره على المجتمع.
تُعلّم الدراية الإعلامية المواطن أن لا يكون ضحية “المشهد المقتطع” أو “العنوان المثير”، بل باحثًا عن المعنى الكامل والسياق الحقيقي. إنها تصنع متلقيا ناقدا ومواطنا واعيا يملك رأيا، لا منساقا خلف رأي الآخرين.
وفي عصر الذكاء الاصطناعي، وصناعة المحتوى الفوري، وتحوّل الإعلام إلى ساحة مفتوحة بلا ضوابط، تبرز أهمية هذه الثقافة كأداة وقائية وطنية تحمي الوعي العام وتمنع اختراقه. فالدراية الإعلامية تُسهم في مكافحة الشائعات، وتُعزز الثقة بالمصادر الرسمية، وتدعم مسارات التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
لقد حان الوقت لأن تتبنّى مؤسساتنا التربوية والإعلامية هذه الثقافة ضمن مناهجها وبرامجها، لتنشئ جيلاً يقرأ بعقله لا بعاطفته، ويحلل قبل أن يشارك، ويفكّر قبل أن يُصدّق.
فالمجتمع الذي لا يُدرّس أبناءه كيف يقرأون الخبر، سيبقى ضحيةً لمن يكتبه.
والدراية الإعلامية اليوم ليست خيارا… بل واجب وطني يحمي العقول قبل الأخبار