يطلق الرئيس الإيراني تحذيرًا بإخلاء العاصمة طهران من السكان خلال الفترة المقبلة، ولا تتعلق القصة بوباء يمكن أن يضرب المدينة، أو زلزال مرتقب، أو بركان يخرج من الجبال، فهذه الأمور تأتي فجأة، ولكن الأمر يتعلق بقضية تحت المتابعة ولكنها ليست تحت السيطرة، فالعاصمة مهددة بالعطش مع تواصل حالة الجفاف التي تعيشها إيران.
الجفاف الإيراني يلقي بثقله على العراق أيضًا، فلا توجد أي التزامات حاليًا ضمن الاتفاقيات الإطارية لتزويد العراق بالمياه، وتركيا التي تعاني أيضًا درجة متباينة من الجفاف تستأثر بحصتها المتراجعة من المياه ولا يتوقع أن تتخذ أي خطوات ايجابية مع العراق وسوريا حيث تمر الأنهار التي تغذي المياه العذبة في البلدين من الأراضي التركية.
الأردن ليس بعيدًا عن هذه المشهدية القاتمة، وأزمة المياه تتوسع، الأمر الذي يصعد بمشروع تحلية مياه البحر الأحمر أمرًا يرتقي للضرورة الوطنية، وهو مشروع مكلف للغاية ولكن لا مناص من التعامل معه.
المشكلة أن نسبة الملوحة في البحر الأحمر الذي لا تغذيه أية أنهار مرتفعة نسبيًا، ولكنه البحر الوحيد الذي يمكن تحلية مياهه بالنسبة للأردن، وبالتالي، يتوقع أن تكون التكلفة التشغيلية مرتفعة، فالأمر لا يتوقف على بناء المحطات اللازمة والبنية التحتية المطلوبة.
في لحظة صعبة من التاريخ خاطب تشرشل البريطانيين قائلًا: في بعض الأحيان لا يكون كافيًا أن تفعل أفضل ما لديك، ولكن عليك أن تفعل المطلوب منه، بمعنى أن المطلوب يجب أن يتحقق مهما كانت التكلفة، ولا يجوز التعذر بأن هذه حدود إمكانياتنا وطاقاتنا، فالمسألة ليست ابراءً للذمة بقدر ما تتصل بمستقبل أجيال قادمة.
تقوم فلسفة الحكم في الأردن في جزء كبير منها على استيعاب التوتر غير الضروري ومكافحة صعود القلق في أوساط المواطنين، وهذه تجربة أثبتت نجاحها في ظروف عصيبة مثل وباء كورونا والحرب على غزة، إلا أن موضوع المياه يبقى مختلفًا لأنه يرتبط بوقائع تتعلق بمورد محدود تتصاعد التجاذبات والصراعات حوله، فأزمة المياه ليست مؤقتة، بل هي جذرية ومستمرة ويمكن أن تشكل نمطًا مستقبليًا يجب التعامل معه.
مشروع الناقل الوطني يجب أن ينتقل من الأولوية الوطنية المبرمجة إلى مشروع وجودي، لنقل مثلما كان السد العالي بالنسبة للمصريين في الخمسينيات، وسد النهضة الأثيوبي في العقدين الأخيرين، أي مشروع يستلزم الاستنفار والحشد، لا مجرد موضوع يناقش بين المختصين ويجدول في المحادثات الثنائية ثم تتلقفه البيروقراطية ليواجه الأسئلة التي تستهلك الوقت في التقارير والدراسات.
للأردن أن يدعو الخبراء اللازمين وأن يستمع ويناقش ويستفيد من الخبرات، وأن يضع كامل خططه، وأن يحاول التواصل مع الجهات الداعمة والممولة، ولكن على الأردنيين أن يندمجوا مع المشروع بوصفه تعبيرًا عن وجودهم الجمعي والمسؤول، وربما تكون دعوة لاستقطاب تمويل محلي من خلال السندات المتاحة للمواطنين والشركات أمرًا مناسبًا وتجربة تواجدت في دول كثيرة.
الدعوة اليوم هي لاستراتيجية متكاملة لوقف أي أوجه هدر مائي، ووضع الخيارات المتعلقة بالمياه وخاصة المرتبطة بقطاع الزراعة على الطاولة، من غير التأثير على الأمن الغذائي، بجانب الارتقاء بمشروع الناقل الوطني إلى مرتبة مشروع الأردن والأردنيين والضرورة القصوى في تحشيد لقدرات الأردن وخبراته وروحه وطموحه.
'الرأي'