صحيفة العرّاب

العيسوي يكتب لوالدته في ذكرى رحيلها

  بقلم: رئيس الديوان الملكي الهاشمي/ يوسف حسن العيسوي

 

تسع سنوات.. وما زلت أبحث عن كلمات أقولها لك.. أحنّ إليها كل يوم، وأحاول أن أملأ فراغ غيابك بصوتي.. لكن كل كلمة تتوقف عند حدود قلبي قبل أن تصل إليك.. أريد أن أخبرك بكل شيء.. أفراحي وأحزاني.. لكن صمت الغياب يرد عليّ، فيبقى حديثي داخليا.. بين شوق لا ينتهي وحنين لا يهدأ.. ومع كل ذلك، أشعر بك في كل خطوة أخطوها.. وفي كل قرار أتخذه، وكأنك تزرعين في داخلي القوة لتكمل الحياة رغم فقدك.

 اليوم الذكرى التاسعة لرحيلك.. تلك الذكرى التي تعود معها رعشة تصيب قلبي كلما حاولت أن أعبّر عما تركته في داخلي.. في كل مرة أحاول أن أكتب عنكِ، أشعر أن الكلمات أضعف بكثير من روحك.. ومن صبرك.. ومن طريقة حملك للحياة بكل أثقالها دون أن تسمحي لها أن تنحني بنا.

فلقد كنتِ يا أمي الجبل الذي احتمينا به.. والصوت الذي يبدد الخوف.. واليد التي تمسح التعب وكأنها تعرف لغة أخرى غير لغة البشر.. كنت تعلميننا معنى الرضا، ومعنى أن نبتسم رغم كل ما يوجعنا...كنتُ أسير بجانبك، أتعلم منك كيف تُزرع الطمأنينة في القلوب، وكيف يُصنع الفرح من لا شيء.. كيف لا يا أمي وأنت "اللبيبة".

لم أعرف معنى الفَقد الحقيقي.. إلا في الثامن عشر من تشرين الثاني 2016.. ذلك اليوم الذي غيّرني من الداخل، اليوم الذي فهمت فيه أن غيابك ليس لحظة، بل حياة كاملة تتبدّل. ومع ذلك.. كم يشرفني أن يكون رحيلكِ في يوم مبارك، يوم الجمعة، وكأن الله اختار لكِ موعدًا يليق بنقائك.

ويكفيني يا أمي أنكِ صنعتِ مني رجلا يعرف معنى الصدق، يمشي بين الناس واثقًا بدعاء أمّه.. ومن أثر برّك يا أمي، أن الله رزقني مواقف صدق بين الناس.. وأبلغني مكانة طيبة يكرم الله بها عباده.. وهي نعمة ما كانت لتكون لولا ما غرسته في داخلي من خير.
أمي.. أنت لست ذكرى تمر.. أنت نفسي.. ونبض قلبي.. ونور لولا وجوده لانطفأت الدنيا في عيني.. ما زلت معي في كل خطوة...في كل قرار.. في كل فرح أحاول أن أصنعه لكي أرد بعض جمايلك.

رحمك الله يا سيدة الصبر والطُهر.. أسأل الله أن يجعل مقامك في الفردوس الأعلى، وأن يروي روحك بالرحمة كما رويت حياتنا بالدفء والطمأنينة.

أبنك يوسف العيسوي (أبو حسن) .....