يواجه التعليم العالي أزمة مالية مستفحلة عبر عنها بجلاء الدكتور وليد المعاني في أكثر من مناسبة بالقول "لو تجمع كل خبراء التعليم والسحرة في العالم لانقاذ التعليم العالي في الاردن من أزمته التي يعيشها اليوم لما استطاعوا من دون دعم حكومي حقيقي".
وتزدحم في تصريح د. المعاني الكثير من الدلالات والمعاني, خاصة اذا جاء متضمنا تصريحات اخرى منها ما جاء مباشرا ومنها غير مباشر.
ويرى المعاني ان التعليم العالي الاردني في "غرفة الانعاش" ويحتاج الى عمليات جراحية عميقة, وهذا لن يحدث إلا بتوفر نوعين من رأس المال. الاول "مالي" والثاني "عقلي", فغياب الإصلاح التعليمي يفقد الدولة أي دولة رهان المستقبل ويضاعف من أزمتها الحضارية التي تعانيها, وبالتالي لا يمكن الخروج منها إلا بإحداث تطوير عميق وشامل ومتكامل للمنظومة التعليمية.
ويلقي التدهور المالي الذي أصاب الجامعات الحكومية بظلال قاتمة على مستويات التدريس حسب الوزير المعاني الذي يرى "أن تراجع الدعم الحكومي السنوي للجامعات الرسمية والذي سيصل هذا العام الى 50 مليون فقط, فاقم من أوضاعها المالية الصعبة الأمر الذي سيلقي بظلال سوداء على مستوى التعليم العالي.
وأكد أن الرواتب التي يتلقاها أعضاء الهيئة التدريسية في هذه الجامعات لا يمكن أن تصنع تعليما عاليا متطورا مما يحتاج الى اعادة نظر سريعة في أوضاع رواتب هذه الفئات الى جانب الفئات الادارية الاخرى".
وأضاف "إن العمل في ظل وضع مالي كهذا يتناقض تماما مع مبدأ تطوير وتحديث التعليم العالي الذي يحتاج الى موازنات خاصة للمضي قدما في سياسة تحديث وتطوير هذا القطاع المهم, مؤكدا ان مصادر التمويل التي تعتمد عليها الجامعات الرسمية تأتي من الدعم الحكومي المباشر الى جانب الرسوم الاضافية تدفع منها حوالي مليون و200 الف دينار بدل رواتب".
ويطرح ما يجري في جامعات الجنوب على وجه الخصوص تساؤلات حادة تدور جميعها عن جدوى الاصلاح التعليمي, وقدرة الحكومة على مجابهة التحديات التي تهدد استقرار هذه الجامعات التي بدأت تترنح بعد أن فقدت حتى القدرة على امداد سيارات رؤسائها بالوقود وتأمين رواتب موظفيها.
ويصف الرئيس الجديد لجامعة مؤتة الدكتور عبد الرحيم الحنيطي الاوضاع التي تعيشها الجامعات الحكومية بالصعبة, محذرا من تراجع مستوى نوعية الخريجين, ويقول "هناك عجز غير مسبوق في موازنة جامعة مؤتة وصل الى 14 مليون دينار, في وقت تدفع الجامعة سنويا 22 مليون دينار بدل رواتب ل¯ 2500 موظف", غير ان وزارة التعليم العالي لم تستطع دعم الجامعة الا بمليون وربع المليون دينار فقط.
وتلقت وزارة التعليم العالي الاسبوع الماضي كتب استغاثة من جامعات "الحسين بن طلال والطفيلة التقنية ومؤتة" طلبت خلالها جامعة الطفيلة بمبلغ 2.5 مليون دينار لانقاذ الوضع ساهمت الوزارة بـ 850 الفا, ولجامعة الحسين بن طلال 500 الف, ولجامعة مؤتة 1.2 مليون فقط.
وتؤكد دراسة حديثة أعدها أحد رؤساء الجامعات السابقين حالة "الفقر الجامعي" هذه حيث هناك نحو 1000 عضو هيئة تدريس تركوا جامعاتهم بسبب تردي رواتبهم سواء بالاستقالة أو عن طريق الاعارة الى الدول الأخرى, في وقت تظهر في الافق نذر منافسة كبيرة من قبل جامعات عربية بدأت تطل برأسها من شأنها "تنظيف" جامعاتنا من الكفاءات والخبرات التي تشكل "رأس المال العقلي" الحقيقي في الجامعات الاردنية.
وخلال لقاء مع جلالة الملك مع رؤساء الجامعات في أيلول الماضي بمزيد من الدعم الحكومي لجامعاتهم لا سيما البعيدة منها كالطفيلة التقنية والهاشمية ومؤتة, غير ان الحكومة لم تستجب لمطالبهم, فبعد ان كانت الجامعات الحكومية تتلقى دعما سنويا يصل الى "90 " مليون دينار نجدها اليوم تقتات على فتات التمويل بسبب كثرة الجامعات التي وصل عددها الى 10 قابلا الى الزيادة خلال السنوات المقبلة, حتى وصل الامر بوزير التعليم العالي السابق الدكتور عمر شديفات ان يطلب من الجامعات الحكومية البحث عن مصادر جديدة للتمويل بما فيها فتح فروع جديدة في الدول المختلفة, في خطوة اعتبرها أكاديميون انها غير واقعية لان تنفيذها يحتاج الى أموال طائلة هي أحوج ما تكون اليها الآن.
العرب اليوم