اكد ت مصادر مطلعة أن خسائر الحكومة جراء فشل مشروع سد الكرامة بلغت 150 مليون دينار.
وتتعلق الخسائر بتكلفة السد المقدرة بـ(55) مليون دينار، وخدمات ديمومة عمل السد من موظفين ومعدات وصيانة، وتكاليف تحلية المياه وتجهيزات، و550 مترا مكعبا من المياه لغسيل السد على مدار السنوات الطويلة، تقدر قيمتها بحوالي 150 مليون دينار. وعادت قضية سد الكرامة إلى الظهور مجددا على سطح الأحداث مع إحالة المشروع مع بعض الملفات الأخرى إلى هيئة مكافحة الفساد للتحقيق فيه، ومعرفة أسباب عدم الاستفادة منه بعد انقضاء سنوات طويلة على إنشائه بسبب ارتفاع نسبة الملوحة فيه، وعدم قدرة محطة المعالجة والتحلية على التعامل مع مياهه على الرغم من دفع عشرات الملايين من الدنانير. ويهدف السد الى ري 60000 دونم، لكنه لم يستخدم للآن لري دونم واحد. وعلى الرغم من أن لجنة التحقق النيابية حققت في أسباب فشل المشروع برئاسة النائب ممدوح العبادي التي شكلت منذ سنوات بهدف الاستماع إلى ملاحظات وآراء عدد من الخبراء والمختصين في هذا المجال، وحيثيات بناء مشروع سد الكرامة إلا أن اللجنة لم تحقق نتائج ولم تصل إلى قرار حتى الآن. ويقدر خبراء الخسائر التي ترتبت على فشل السد بحوالي 150 مليون دينار. وتثبت التقارير الفنية المتخصصة عدم الاستفادة من المشروع، نظرا لأن الهدف الرئيس منه كان حجز المياه الزائدة من قناة الملك عبدالله. ويشير تقرير لسلطة وادي الأردن "أن تكاليف صيانة ودهن أنابيب سد الكرامة تكلف مبلغا باهظاً، نظرا لأن الأملاح العالية تؤثر على الحديد وتجعله يصدأ. وأبرز التقرير أن الخبير الانجليزي (سيزر) كان يقول للعاملين في المشروع أثناء تنفيذه: هذا "السد مضحك"، بينما نقل التقرير عن الخبيرة الانجليزية قولها: "لا أمل أو إمكانية لتصلح هذه المياه للزراعة". ويلفت التقرير الى أن المعدات التي كان منويا استخدامها في إعادة تأهيل المشروع، بقيت منذ العام 1998 متوقفة عن العمل؛ مما أدى إلى تلف هذه الأجهزة واضطرت الحكومة لدفع مبالغ كبيرة لإعادة تأهيلها. وتتحدث مصادر في وزارة المياه أن قصة السد الذي أنشئ عام 1996 وكلف إنشاءه 55 مليون دينار، لم يحقق أي غاية مرجوة من إنشائه، وأهدرت الملايين من الدنانير عليه. وقالت المصادر إن خططا لاستغلال بحيرة السد من الناحية الترفيهية وتربية الأسماك كانت قد وضعت، في مسعى ومحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن تلك الخطط لم تسفر عن شيء حتى الآن. وتضيف أن جر مياه نهر الأردن "مشروع فاشل"، وكان من الأولى إنشاء سد وادي فرنجة ووادي اليابس، إذ يمكن تجميع مياه الأمطار في هذه المواقع، ثم إسالتها إنسيابيا الى المناطق الزراعية. بدوره قال الخبير المائي إلياس سلامة: إن مشروع السد لقي معارضة من المختصين في شؤون المياه باعتباره هدرا للمال العام. وأضاف سلامة أن الدراسات أشارت الى أنه من الضروري غسل أرضية السد من الأملاح في السنوات الخمسة الاولى قبل إمكانية استعمال المياه المخزنة فيه لأغراض الري، لكن ما حدث أن السد امتلأ مرتين عام 1997، وهنا علينا الانتظار عشر سنوات لكي تتم عملية الغسل. وتابع: بالفعل خسرنا زهاء 550 مليون متر مكعب من المياه على مدار السنوات الطويلة الماضية ذهبت لغسيل السد، وتقدر قيمتها بحوالي 85 مليون دينار. ولفت الى أن السد يقع في منطقة ينابيع مالحة، ما يجعل عمليات تحلية مياهه مكلفة للغاية. وقال إن تقارير أظهرت عدم صلاحية موقع السد جيولوجيا، وذلك لوقوع الصدع الرئيس لوادي الأردن تحت الكتف الأيمن للسد، بالإضافة إلى مرور الصدوع وأهمها صدع الفارعة في بحيرة السد، ما سيؤدي لإنفاق مبالغ طائلة في حالة المضي بإنشائه وذلك للتغلب على مشاكله الجيولوجية. وأشارت الى تخوف الخبراء من التركيز العالي لمعادن اليورون والكبريت والبروميد في المنطقة والتي لها آثار سامة ستزيد نوعية المياه المالحة سوءاً، فهي لا يستفاد منها لأي غرض. وأكد سلامة أن الاقتصاد القومي قد تحمل خسائر ضخمة، وأصبح المشروع عبئا على موازنة الدولة، إضافة إلى المخاطر البيئية والجيولوجية والفنية وإنشاء مشاريع جديدة لمحاولة إنقاذ المشروع الفاشل بكلفة تقديرية تبلغ حوالي 6 ملايين دينار. بالمقابل أشار تقرير لديوان المحاسبة الى أن القرارات التي سبقت إنشاء السد كانت ارتجالية، إذ توقف التوجه والتخطيط في فكرة إنشائه، ثم فجأة تعود مرة ثانية، وتشكل وفود بسرعة وتذهب إلى خارج البلاد الى مكان تواجد الشركة المصممة في بريطانيا لدراسة بعض المخططات رغم تحذيرات المختصين والخبراء والأجانب والأردنيين المعارضين ومنهم الخبير الألماني(M.M ERKEL) والشركة الألمانية PETER WORZYK الذين أوصوا بصرف النظر عن الإنشاء في هذه المنطقة، وكذلك الخبراء الأردنيون ومنهم إلياس سلامة وعزام الحمود وآخرون من الجامعة الأردنية الذين كتبوا وأعادوا مراراً وتكراراً عن عدم جدواه، وما زالوا يكتبون عن مخاطره حتى الآن. وبخصوص الجدوى الفنية للمشروع قال التقرير إن دراسة الجدوى الفنية لهذا السد تبين أن اختيار موقعه المنخفض عن مستوى الأراضي الزراعية أدى إلى أن تسحب مياهه سحبا، فيما لو كانت صالحة للري، وهذه الصلاحية غير متوفرة فيه أصلا، علماً أن نسبة التبخر فيه عالية جدا لانخفاضه الكبير عن مستوى سطح البحر بمعدل يتراوح ما بين 297-376 مترا. وأضاف أن تغذية السد بمياه قناة الملك عبدالله يؤدي الى تلوثها بالملوحة، وبالتالي حرمان الأراضي الزراعية من الاستفادة من هذه المياه، بالإضافة الى ذلك افتقرت الدراسات الفنية لمشروع السد إلى تخصصات وذات صلة بالمشروع مثل الهيدرولوجية وديناميكية التربة وتخصصات المياه الجوفية والسطحية والإنشائية وعدم مشاركة الخبراء الاقتصاديين بالدراسات. وتابع: لم يؤخذ بالاعتبار مدى توفر المياه وتخزينها بسد الكرامة، إذا ما تم إنشاء سد الوحدة أو سد خالد بن الوليد، ولا أولوية المشروع بين مشاريع السدود ذات الجدوى الاقتصادية، علما أن المنفعة المتوقعة للمشروع من الناحية الاقتصادية لم تتحقق، إذ لم يستفد قط من قطرة ماء واحدة من مياه السد سواء للشرب او للزراعة. وبين التقرير أنه: "أمام العقبات التي تواجه المشروع فإن محاولات تجميع الينابيع المالحة في قناة واحدة تصب في وادي الأردن ومنه إلى البحر الميت لم تنجح ايضا، كونها لم تخفف ن مستويات الملوحة العالية في مياه السد". ويقول خبير مياه رفض ذكر اسمه: "أعتبر أن مشروع السد لم يفشل وأن السبب في عدم تنقية المياه من الملح للآن تعود إلى شح المياه التي تغذي السد. ويعلل هذا بأمرين: الأول يتعلق بالحالة المناخية العامة التي تعيشها المنطقة من شح الموسم المطري. والثاني يتعلق بآلاف الآبار وعشرات السدود التي تبنيها سورية، وإسرائيل في حوض نهر اليرموك". في المقابل طرح أمين عام سلطة وادي الأردن سابقا وزير المياه الحالي موسى الجمعاني عطاء لتحلية المياه في السد لأغراض الشرب، وستبدأ المرحلة التجريبية بإنتاج مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب تروي مناطق الكرامة، والكفرين، والرامة، والشونة الجنوبية. وفي مرحلة لاحقة يمكن رفع الإنتاجية إلى 4 ملايين متر مكعب لتأمين مياه الشرب للأغوار الشمالية، وفشل معها مشروع لتربية الأسماك في أحواض خاصة توضع في السد. وهكذا يظل السد على حاله بين من يعتبره "فشلاً" إدارياً وتنظيمياً، وبين من يعتبره مشروعاً ريادياً تعرض "لظلم" شديد.