صحيفة العرّاب

هل يستعاض عن «التوجيهي» بامتحان «قبول للجامعات»؟

لطالما شكل - اعتبار امتحان الثانوية العامة المحدد الوحيد للقبول في الجامعات - اعتراض الكثير من الخبراء والطلاب على حد سواء ، فهذا الامتحان لا يعبّر حسب رأيهم الا عن ملكة تذكر واسترجاع المعلومات ، لذا فهو لا يشكل ابدا مقياسا عادلا يحدد مستوى الطالب الراغب باكمال تعليمه الجامعي ، اما بالنسبة لوزارة التعليم العالي فيبدو انها بدأت حراكا لدراسة مختلف الاقتراحات والاراء الواردة من مختلف الجهات المعنية بهذا الشان ، للخروج بتعديلات يكون من شانها تطويرُ سياسة القبول الجامعي في الاردن نحو الافضل .

المهندس جمال الراعي ، يعمل بالقطاع الخاص ، قال: انه قلق جدا من اسلوب القبول الجامعي على مصير ابنائه ، فتحديد التخصص الذي يرغبون به لا يخضع لاختبار عادل لقدراتهم ، بل لا ينظر الا لدرجتهم في امتحان الثانوية العامة ، وهذا بكل تأكيد غير عادل ، فالطالب الذي يمضي 12 عاما في الصفوف المدرسية مطلوب منه ان يختزل كل هذه السنوات في جلسة امتحان واحدة ، ما يجعل كثيرا من الطلاب يقعون تحت ضغط نفسي كبير يؤثر على نتيجتهم في هذا الامتحان ، هذا بالاضافة الى ان ميول الطلاب وقدراتهم تتفاوت من تخصص لاخر ، فالطالب قد يكون متفوقا في بعض المباحث ولكن تحصيله يعتبر عاديا في مباحث اخرى ، لذا فمن الظلم ان يكون معدل التوجيهي المحدد الوحيد لاختيار التخصص الجامعي الذي يسمح للطالب بدراسته ، بل يجب ان ينظر الى المباحث الدراسية التي يتطلب اي تخصص ان يكون الطالب قويا بها .كما طالب الراعي بأن يتم تقليص نظام الكوتات الى الحد الادنى ، فالكوتات باتت تأخذ حصة الاسد في اعداد الطلاب المقبولين في الجامعات الرسمية ، وبما يزيد على نسبة %50 وهذا امر من الممكن اعادة النظر فيه ، خصوصا انه وبسببه يقبل طلاب بمعدلات اقل ، في حين اصحاب معدلات اعلى لا يقبلون لانهم خارج هذه الكوتات .
نائل حمودة ، سائق تكسي ، تمنى على وزارة التعليم العالي ان تجد آليات اخرى تضمن حصول خريجي الثانوية العامة على التخصصات الملائمة لقدراتهم ، حيث لا يعقل ان يكون المعدل هو المعيار الوحيد ، فهناك امور اخرى كالذكاء وسرعة البديهة وقوة الشخصية والقدرة على التحمل يختلف الناس بها وهي تلعب دورا مهما في ابداع الانسان وتميزه ، لذا يجب ان يكون هناك اختبار لقياس مواهب الطالب ، لان هذه المواهب هي التي تصنع الابداع. .
ولاء جمعة ، احدى خريجات الثانوية العامة ، قالت: ان كون امتحان الثانوية العامة المعيار الوحيد للقبول في الجامعة يشكل ضغطا نفسيا كبيرا على جميع الطلاب ، ما اثر سلبا على النتيجة النهائية للامتحان لكثير منهم ، واضافت انها مع اجراء تعديل على نظام القبول في الجامعات بحيث يصار الى النظر بكل مبحث على حدة عند اختيار التخصص ، كما طالبت جمعة بأن يتم زيادة عدد الطلاب المقبولين على نظام التنافس ، وان يصار الى تخفيض اعداد الطلبة المقبولين على نظام الكوتات .
الدكتور محمد الحباشنة استشاري الطب النفسي ، قال : يجب ان لا يكون امتحان الثانوية العامة المحدد الوحيد لدخول الجامعة ، بل يفترض ان يكون جزءا من عدة محددات تكون في مجملها اكثر موضوعية وعدالة في قياس قدرات الطالب لدراسة التخصص المطلوب ، ومن هذه المحددات مستوى الثقافة العامة والقدرات الشخصية التي تظهر اثناء المقابلة ، بالاضافة لامتحان الثانوية العامة الذي يمثل اكثر المقاييس موضوعية في تقييم الطلبة
واضاف الحباشنة : في الفترة الاخيرة اجريت تعديلات على امتحان الثانوية العامة جعلت منه اقل رعبا وخسارة ، فالرسوب لم يعد كارثيا ولم تعد له تلك الوصمة الاجتماعية والعائلية كالسابق ، كما كان لاستحداث نظام الاكمال دور كبير في التخفيف من حجم الفشل فيه ، ولكن: انا اعتقد بوجوب اجراء تعديلات اضافية عليه تجعل منه اكثر عدالة بحيث يكون مقيما حقيقيا لمستوى الطالب .
د.عودة عبد الجواد ابو سنينة استاذ المناهج والتدريس في كلية العلوم التربوية ـ عمان ، قال: لقد فرحنا بنجاح ابنائنا وبناتنا بتخرجهم من الثانوية العامة وحصولهم على المعدلات التي يطمحون من خلالها بالحصول على مقعد دراسي في الجامعة ، وهنا تبدا المشكلة و المعاناة وتتبلور بكيف نؤمن مقعدا دراسيا لهم امام ما يطرح في الجامعات من تخصصات وقوائم التنافس ، ودولي وموازي ، وكل مسار له تعرفة خاصة به ، فمنهم من يستطيع تأمين المتطلبات المالية المطلوبة والدخول الى التخصص الذي يرغب ويريد ، اما كيف تم تصنيف هذه المسارات فنحن لا نعرف ذلك الا برفع اقساط الطلبة من اجل تامين متطلبات الجامعات الرسمية ، وهذه المسارات كلها تخضع الى تنافس مقابل رسم لكل تخصص يريد الطالب الالتحاق به .وهناك قائمة الكوتا والتي قد تكون مبررة من اجل تساوي الفرص امام المدراس التي لا تتوفر فيها ابسط المتطلبات ، مثل البيئة المادية المناسبة او اعضاء الهيئات التعليمية كما هو في المدن الكبرى وبخاصة في عمان و الزرقاء و اربد . يضاف الى ذلك ان قبول الطالب لا يتم بالتنافس حسب قدراته وميوله ورغباته ، بل تتم حسب المعدل الحاصل عليه في الثانوية العامة ، وغالبا لا تكون نهاية المطاف لاسباب موضوعية و ذاتية خاصة بالاختبارات لان الاختبارات غالبا تقيس المستويات العقلية الدنيا وليس العليا ، وقد تكون بعيدة عن انماط التفكير الابداعية و النقدية و التأملية .
وقال : ابو سنينة ، وحتى يتم قبول الطلبة باسس موضوعية يجب ان يكون هناك مركز وطني للقياس و التقويم كما هو في الدول المتقدمة ، واعتقد ان توفر مقياس قبول للجامعات لكل الكليات و التخصصات ضروري حتى يتم قبول الطلبة حسب رغباتهم وقدراتهم ، وتقوم الكليات باختيار طلابها حسب اختبارات القبول و التسجيل و بالتنافس .
واشار ابو سنينة: الى انه لا يوجد مبرر لاختلاف الاقساط بين الجامعات في التخصصات المتشابهة ، فمثلا ساعة الهندسة في الهاشمية (40) دينارا ، في حين الجامعة الاردنية وهي ام الجامعات (29) دينارا ، فانا لا ادري لماذا هذا التباين و التفاوت في الاقساط طالما ان الظروف واحدة او يجب ان تكون واحدة .
وبين ان المواطن يدفع رسوم جامعات في كل معاملاته الحكومية ، ولكن هذا المواطن قد لا يحصل على مقعد لابنائه في هذه الجامعات ، اما كيف يمكن توفير الاموال للجامعات الرسمية حتى تستطيع القيام بدورها بشكل افضل فهذا يحتاج الى دراسة علمية من اجل تقنين مجالات الانفاق في الجامعات الرسمية من كوادر ادارية واعضاء هيئات تدريسية والبعثات التي تقوم بها ، ويمكن توفير كثير من هذه البنود ، وهذا من شانه تخفيض اقساط الطلبة على اولياء امورهم .
واشار ابو سنينة الى ضرورة فتح حلقات التعليم العالي بحيث يستطيع طلبة كليات المجتمع التجسير الى الجامعات سواء العامة اوالخاصة ، وهذا يوفر على اولياء الامور نصف المدة التي يدرسها الطالب ضمن تخصصه في كليات المجتمع القريبة من مكان سكنه ، علما بان التخصصات و المساقات التي تدرس بها تم اقرارها في جامعة البلقاء التطبيقية من اجل التجسير الى الجامعات مباشرة بعد تخرجه من كلية المجتمع .
اما اذا اردنا الارتقاء بالامتحان الشامل فعلينا ان نقوم برفع سويته ونطمئن الى مخرجاته ، وهذا من شانه قبول طلبة كليات المجتمع ، وهذا يتطلب اعادة النظر في اسس التجسير الى الجامعات ، (فهل يعقل ان يقبل طالب حصل على معدل55% او %65 في الجامعات ، ويطلب من طالب كلية المجتمع ان يحصل على معدل %68 في الامتحان الشامل للقبول في الجامعات) ، على ان يتم الابقاء على البرنامج الختامي داخل هذه الكليات لتوفير الايدي العاملة المهنية المتوسطة لتخدم قطاعا واسعا من المجتمع الاردني .
واضاف ابو سنينة : نحن لا نحتاج الى ترقيع في مسارات التربية و التعليم العالي بل نحتاج الى رؤية شاملة تتناول كل جوانب العملية التربوية والتعليمية ، وهذا ياتي ضمن جهود مشتركة لكل المسؤولين عن التعليم المدرسي و الجامعي وهذا يتطلب عقد مؤتمر وطني للتربية والتعليم العالي نحدد من خلالها مسارات التخصصات المطلوبة في سوق العمل الوطني و العربي بحيث تتوافق المناهج ومسارات التربية و التعليم مع مسارات التعليم العالي واعتقد اننا قطعنا شوطا في هذا المجال ونحتاج الى تطويره ، وكما يجب توزيع التخصصات على الجامعات الرسمية بحيث تنفرد الجامعات في تخصصات معينة للارتقاء في سوية العملية داخل الجامعات وكليات المجتمع .
الدكتور حسين الخزاعي استاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية ، قال: نحن في الاردن نعتبر الامتحان الوسيلة التي يتم بها تقييم الطالب في المادة الدراسية ، وهذا اسلوب خاطيء اذ ان الاصل في الدراسة هي الاعداد والتأهيل واكساب المهارات الاساسية للتخصص الذي يقوم الطالب بدراسته ، ولكن للاسف نعتمد على الامتحان التحريري والذي يضع الطالب في اجواء غير مريحة لتقديم الامتحان وخاصة اجراءات التفتيش والتدقيق من شخصية المتقدم للامتحان ومراقبة اي حركات يقوم بها ، والطالب موضع شبهة .
وقال الدكتور الخزاعي: الامتحان العام الذي يجرى على مستوى المملكة"التوجيهي"امتحان مقلق ومرعب للطلبة وخاصة ان الدراسات التي اجريت في الاونة الاخيرة على عينة من الطلبة كشفت سلبية هذا الامتحان في اذهان الطلبة ، وطالب ثلثي الطلبة بالغاء الامتحان مقابل الاستعاضة عنه بامتحان قبول تعقده الجامعات ، وكان ذلك مقابل40% طالبوا بالغائه من غير ان يكون هناك بديل ، بيد ان %56 طالبوا بتقسيم امتحان التوجيهي على أربعة فصول بحيث يمثل كل فصل 25%. والخطورة تتمثل في ان الاخفاق في الامتحان سيزيد مشكلة البطالة في الاردن حيث ان (19%) افادوا بانهم سيلتحقوا في سوق العمل ، وان (6% ) اصابهم شعور بالإحباط والفشل ، و( 5 % ) شعرو بالرغبة بالانتحار ، وهذه صورة ، وخاصة ان نصف الطلبة يقدمون الامتحان وهم "متوترون" جدا ، و 31 "متوترون" الى حد ما ، والسبب الرئيس في هذا التوتر هو الخوف من الامتحان وكيفية مواجهة المجتمع اذا كان المعدل يخالف توقعات الاهل .
وقال الخزاعي: ان الغاء الامتحان هو الحل والمتنفس للطلبة واسرهم ، واعتماد امتحان بديل يقدم في المدرسة على غرار الامتحانات التي تقدم في المراحل الدراسية التي تسبق التوجيهي ، ويتم هذا الامتحان من قبل لجنة في كل مدرسة تقوم بوضع الاسئلة وتصحيح الامتحانات وهذا الاسلوب ينفذ في الجامعات على مستوى الماجستير ، اذ انه تم الاستعاضة عن كتابة الرسالة الجامعية في الامتحان الشامل . ويمكن عقد مؤتمر وطني للمتخصصين من القادة التربويين والوصول الى طريقة بديلة للاسلوب الحالي الذي اربك المجتمع ووضع الاسر الاردنية في حالة ترقب وانتظار .
الدكتور صلاح جرار رئيس لجنة القبول الموحد في الجامعات ، قال: بأنه يوجد 41 الفَ طالب معدلاتهم فوق %65 في هذا العام ، بينما عدد المقاعد في الجامعات الرسمية بلغ 29 الف مقعد جامعي ، واضاف جرار: بأن هذا يوجب على الطالب الذي يرغب الالتحاق بالجامعة ان يحسن تعبئة الطلب من ناحية وان يكون منطقيا وواقعيا في ترتيب خياراته للتخصصات التي يقبل او يوافق على دراستها ، حيث ان الفرصة مهيأة لكل طالب حصل على معدل %70 فما فوق في الحصول على مقعد جامعي اذا احسن الاختيار ، اما عن سياسة القبول في الجامعات فقال جرار: انه يعتقد ان امتحان الثانوية العامة اثبت نجاعته كمقياس للقبول في الجامعات ، ولكن من المفيد ايضا اجراء تحسين على طريقة التحاق الطالب في تخصص معين ، بحيث يتم على سبيل المثال الاخذ بعلاماته في المواد العلمية عندما يختار دراسة تخصص علمي حيث عبر جرار عن قناعته بأن هناك توجها بهذا الخصوص قد يرى النور بعد هذه السنة.
امين عام وزارة التعليم العالي الدكتور تركي عبيدات ، قال: ان القبول في الجامعات وامتحان الثانوية العامة هما امران مرتبطان ببعضهما البعض ، وهناك حاجة لاجراء دراسة متكاملة تشمل كامل هذا الملف ، واضاف عبيدات بأن هناك العديد من الاقتراحات ووجهات النظر التي سيتم دراستها للخروج بسياسة قبول جامعي وامتحانات تكون كفيلة بتحقيق مصلحة الطالب ورغباته بما ينسجم و استراتيجية التعليم العالي في المملكة ، واكد عبيدات: ان مجلس التعليم العالي منفتح للاستماع لاية اقتراحات ، بالاضافة لسعيه للاطلاع على تجارب الدول الاخرى ، فانظمتنا التعليمية ليست جامدة وهي قابلة للتطوير حتى نحصل على مخرجات تعليم جيدة . الدستور