صحيفة العرّاب

عندما تنتصر عشيرة العبيدات الاردنية لكرامة الاردنيين والعرب

  د. لؤي منور الريماوي /

شتان ما بين موقف عشيرة العبيدات الأردنية الأصيلة من إنتفاضتها العفوية لكرامة الأردن والأردنيين في رفضها الصريح والواضح لتدنيس تاريخها الوطني المشّرف بقبول أحد أبنائها سفيراً للكيان الصهيوني والتصريحات لوزير الخارجية الأردني ناصر جودة والذي صرحّ قبل أشهر عند عقده لقاءات الوساطة بين السلطة الفلسطينية والإسرائيليين في عمان أن الأردن ليس طرفاً بالنزاع العربي الإسرائيلي. فمثل هؤلاء المسؤولين الذين إتخذوا من التسلق الإجتماعي الرخيص مذهباً وسمسرة قيمنا الأردنية كوسيلة للتكسب والإستنفاع كانوا وما زالوا يشكلون خطراً سرطانياً على مصداقية وشفافية وجدية النظام الأردني بفتح صفحة جديدة للعهد تسودها قيم النزاهة والأمانة الوطنية في خدمة الأردن والإرتقاء به في ظل هذه الظروف الحساسة.

ولا بد من التأكيد هنا أن موقف عشيرة العبيدات الوطني والمُشرّف لا يمس بالضرورة شخص السفير المُعيّن وليد خالد عبيدات فالذي حدث في الأردن ليس تشهيراً به ولا بتاريخ والده وهو الدبلوماسي المخضرم، ولكن حق عشيرته عليه بالإستمرار في حمل الرسالة الوطنية والتي أرساها أجداده الأغرار مثل كايد مفلح عبيدات والذي يُعتبر أول شهيد أردني على ثرى فلسطين وغيره ممن حملها بكل إخلاص مثل أحمد عبيدات. فالمسألة ليست تدرّجا وظيفيا خدمةً للمصالح الأردنية العليا والتي بقدرةِ قادرٍ لا تكون الاّ من تل أبيب وليست كما يُرّوَجُ زوراً من خلال الدعم والتحالف الرسمي الأردني المشين مع قوى الإنتهازية والفساد الفلسطينية والتي أدمنت الإستنفاع والتكسب من خلال المفاوضات مع الإسرائيليين على حساب الحقوق العربية المُكتسبة في فلسطين.

وبغض النظر عن الأسباب التي وفّرت المسببات لعشيرة العبيدات التاريخي لرفض أن يكون إبنها سفيراً للكيان الصهيوني فالحقيقة الآن هي أن العشائر الأردنية، والتي لطالما شمخت بالقيم العربية العليا، بدأت تستعيد صحوتها بعد هذه السطوة من حفنات الإنتهازيين وسماسرة الأردن ورعاتهم الذين ظنوا أنهم دمروا قيمنا الأردنية الأصيلة مستبدلينها بقيم الإنتهازية والحبو في الفلك الصهيوني المهين. حيث أنه لفترة لابأس بها عانى الأردنيون الشرفاء من حملات الترويج الرخيص للتطبيع مع الكيان الصهيوني في محاولات مستميتة لمحاربة مناهضي التطبيع في الأردن والتضييق عليهم، مع أنهم كانوا يمارسون حقهم الدستوري وواجبهم الوطني في مقاومة التطبيع.

وكثيراً ما حاول من إبتُلوا بمرض عقدة النقص إزاء كل ما هو أجنبي والإستهزاء بما هو عربي عندنا في الأردن أن يُبرِزوا أنفسهم للغرب بأنهم حُماة الإنفتاح وأن مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني ما هي الاّ غرائز عاطفية مراهقة سيكبر عنها المواطن الأردني بالتلاعب في مشاعره الوطنية والتضييق الأمني والإستخباراتي عليه، وأنه بالترويض السياسي المناسب سيكون هذا المواطن لقمة سائغة للمشككين في سلامة بوصلته الوطنية وإنتمائه لقضايا أمته. وإستكمالاً لهذه النظرة الإنهزامية تم الترويج للتطبيع بأنه ضرورة إقتصادية أردنية ستحل مشاكل الأردن المالية وتفتح الأبواب الدولية من خلال مناطق التجارة الحرة وشراكة رأس المال الإسرائيلي مع اليد العاملة الأردنية الزهيدة، ناسين ومتناسين بكل غُبن ونفاق إنتشار الفساد والمحسوبية في المؤسسات العامة والخاصة ومديونية الأردن والتي تجاوزت العشرين مليار دولار.

بالتأكيد أن للأردن مصالح سيادية وإقتصادية عليا لا يجوز المهادنة فيها تحت أي ظرف. ولكن هذا بالضرورة لا يعني شرذمة الأردنيين وعزلهم عن محيطهم العربي وحرمانهم من أن يكونوا جسراً ينضُب بقيم النزاهة والشفافية والإعتداد بهوية أردنية حضارية جامعة. فكل محاولات تفكيك الوعي الوطني للأردنيين تنقلب الآن بصورة خطيرة على فاعليها وتُعري نفاقهم وتلاعبهم بقيمنا الوطنية العليا، حيث أن الحقيقة التي فرضها الأردنيون بعزمهم وإصرارهم وحراكهم أننا كلما إقتربنا من نبض شارعنا الوطني في رفض قيم التطبيع والإستهتار بكرامة الأردن الوطنية كلما إرتقى الأردنيون في نظر إخــــوانهم العرب وكانوا أهلاً لدعمهم الإقتصادي وأقدر على جلب إستثمارتــــهم بكل ثقـــة وإحترام لهذا النبض العربي الوطني. كذلك كلما رفض الأردنيون الفساد والمحسوبية وأصروا على قيم النزاهة والشفافية في ظل محاسبة شاملة لكل الفاسدين وكل من تعدى على المال العام كلما كان الأردنيون أهلاً للتقدير والإحترام الدولي معززين الثقة الدولية بأهلية مؤسساتهم المالية والرقابية، مستوجبين دعمهم الأقتصادي والإستثماري واللوجستي.

 

‘ محاضر أردني زائر في جامعة كامبريدج ورئيس برنامج الماجستير في القانون المالي الإسلامي في جامعة BPP/لندن