ر:تكفل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بتوضيح موقف الجزائر من الحرب التي تدور على حدودها الجنوبية، ليرفع عنها مشقة تبرير موقفها المضطرب من حرب ظلت ترفضها بقوة إلى حدود يوم اندلاعها.
وقال هولاند الثلاثاء إن ''الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سمح بتحليق الطائرات الفرنسية الحربية فوق التراب الجزائري''، في ثاني إعلان فرنسي يخص قرارا جزائريا بشأن الحرب على شمال مالي، بعد أن كشف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، عن أن ''الجزائر وافقت على طلب التحليق فورا بمجرد التقدم به''.
ورغم خطورة ما يقع في قاعدتها الخلفية، اكتفت السلطات الجزائرية بالصمت المطبق وهي تقبل بأمر واقع يقول مراقبون إنه قد جرح كبرياءها كدولة تتباهى بانها قوة إقليمية لاغنى عنها في المنطقة الشمال إفريقية الاستراتيجية لأمن العالم.
وكان الرئيس الفرنسي قد كشف عن أنه أجرى محادثات هاتفية مع رئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الاثنين حول الوضع في شمال مالي، وفقا لما نشرته صحيفة "الخبر" الجزائرية المقربة من الجيش.
ومنذ اندلاع الحرب، أبدت السلطات الجزائرية غيابا تاما عن الأحداث، ولم تقدم توضيحات دقيقة ومفهومة تعبر فيها عن موقف الدولة الجزائرية مما يجري في شمال مالي، وما الذي جدّ من تطورات جعلها تغير موقفها دون سابق إعلام ضروري لدولة تصف نفسها بأنها محورية وقادرة على الدفاع عن مصالحها ضد كل المخططات التي لا ترضى عنها.
وكانت كل التقارير التي تداولت على ذكر الموقف الجزائري الرسمي من الحرب على الإرهاب في مالي، تؤكد إلى آخر لحظة قبل بدء الهجوم الفرنسي على أن السلطات الجزائرية ستعارض وبشدة نشر قوات دولية مشكلة من خارج دول غرب إفريقيا "الإكواس"، ولا تنتمي لدول الاتحاد الإفريقي، للمشاركة في الحرب التي أصبحت متوقعة على شمال مالي.
وكانت الجزائر قد توصلت ومنذ فترة ليست قصيرة، إلى معلومات مؤكدة عن قيام فرنسا بممارسة ضغوطات قوية على دول غرب إفريقيا لتبني فكرة جديدة بسيناريو وإنتاج وإخراج فرنسي خالص، وهو ضرورة نقل قوات دولية لمساعدة دول "الإكواس" في حربها على بالإسلاميين المتشددين.
وظلت الجزائر إلى آخر لحظة ترجح حلا تفاوضيا للأزمة المالية.
واستقبلت الجزائر في إطار مساع للوساطة مبعوثين عن جماعة أنصار الدين، وحركة تحرير الأزواد اللتين، ونجحت في إخضاع جماعة أنصار الدين على التفاوض. لكن السلطات المالية وحلفاءها الفرنسيين تركوا جانبا كل المجهودات الجزائرية ولم يسمحوا لأنفسهم حتى بمجرد شكرها على هذه الجهود مطلقين العنان لخيار الحرب.
وبكل المقاييس، فإن تغلب منطق الحرب الفرنسي هو هزيمة نكراء للموقف والديبلوماسية الجزائرية، وهو ايضا ضربة قاتلة لاستراتيجيتها للأمن القومي، المبنية أساسا على عدم إثارة عش الدبابير في مالي حتى لا يرتد أثره إلى الداخل الجزائري، كما يقول محللون.
ولم تنتظر السلطات الجزائرية كثيرا حتى تتلقى أولى الهجمات الإرهابية الارتدادية.
ولغّمت الجماعة أجساد الرهائن الأجانب بمتفجرات، كما لغّمت أرضية المحطة النفطية، التي توقفت عن العمل نهائياً، وطالبت الجماعة السلطات الجزائرية بـ20 سيارة دفع رباعي مزودة بكميات كاملة من الوقود، وبفتح ممر آمن لها نحو شمال مالي، هذا فيما يحكم الجيش سيطرته على المحطة.
وهدد "الموقعود بالدماء" السلطات الجزائرية بتفجير الرهائن والمحطة في حال لم يستجب لمطالبهم.
وقال متحدث باسم الحركة لوكالة "نواكشوط للأنباء" إن كتيبة "الموقعون بالدماء"، التي نفذت العملية صباح اليوم الأربعاء، تمكنت من إحكام السيطرة على مجمع تابع لمنشأة نفطية بمنطقة عين أمناس الجزائرية، يضم سكناً مخصصاً للأجانب.
وأضاف المتحدث أن "العملية تأتي رداً على التدخل السافر للجزائر وفتح أجوائها أمام الطيران الفرنسي لقصف مناطق شمال مالي".
واعتبر المتحدث أن "مشاركة الجزائر في الحرب، خيانة لدماء الشهداء الجزائريين الذين سقطوا في محاربة الجيش الفرنسي".
وأكد المتحدث باسم "جماعة الملثمين" أن "العملية جرى التحضير لها منذ وقت، نظراً للتأكد من مشاركة الجزائر في الحرب"، واصفاً رفضها السابق للحرب بأنه "مجرد تشدق".
وكانت الجماعة تبنت خطف رهائن، صباح اليوم، في عملية أطلقت عليها اسم "غزوة عبدالرحيم الموريتاني"، وهو موريتاني يدعى الطيب ولد سيدي عالي توفي قبل بدء الأحداث الحالية خلال حادث سير.
الجدير بالذكر أن كتيبة "الموقعون بالدم" أعلن عن تأسيسها مؤخراً من قبل قائد كتيبة الملثمين خالد أبو العباس، الملقب مختار بلمختار والمكنى "بلعور"، لاستهداف مصالح الدول التي تشارك في الحرب على شمال مالي.
وذكرت حصيلة رسمية أعلنتها وزارة الداخلية الجزائرية، أن الهجوم الإرهابي على المحطة النفطية في عين أمناس أسفر عن قتيل واحد، وهو أجنبي لم تحدد جنسيته و6 جرحى.
وقال بيان الداخلية إن "مجموعة إرهابية مدججة بالسلاح كانت تستقل ثلاثة سيارات هاجمت اليوم الأربعاء في حدود الساعة الخامسة صباحاً قاعدة حياة تابعة لسوناطراك في تيقنتورين قرب عين أمناس الواقعة على بعد حوالي 100 كلم من الحدود الجزائرية الليبية".
وخلص البيان إلى أن "قوات الجيش الوطني الشعبي ومصالح الأمن وصلت إلى عين المكان، واتخذت على جناح السرعة كافة الإجراءات، بغية تأمين المنطقة وإيجاد حل سريع لهذا الوضع، الذي يبقى محل متابعة عن قرب من طرف سلطات البلاد".