لا زالت قضية الافراج عن الليبي عبد الباسط المقرحي المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة لضلوعه في تفجير طائرة "بان آمريكان" الأمريكية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية عام 1988، تلقي بظلالها القاتمة على المشهد السياسي في بريطانيا رغم مرور أكثر من اسبوع على قرار افراج السلطات الاسكتلندية عنه لأسباب صحية.
وذكرت تقارير صحفية ان نوابا في مجلس العموم البريطاني وزعماء أحزاب بدأوا في ممارسة ضغوط قوية على رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون في محاولة منهم لإجباره على الكشف عن أسرار صفقة سرية محتملة أبرمت بين لندن وطرابلس الغرب تم بمقتضاها الافراج عن المقرحي
وكانت أنباء قد تواترت بأن إطلاق سراح المقرحي لأسباب إنسانية بعد ثماني سنوات قضاها في سجن اسكتلندي هو جزء من صفقة سياسية بين لندن وطرابلس تتضمن تسهيل السلطات الليبية عمل الشركات النفطية البريطانية في ليبيا لاسيما شركتي BP البريطانية وShell الاسكتلندية إلا أن الشركتين نفتا ذلك.
وذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في عددها الصادر اليوم السبت، "ان الضغوط تتزايد على براون للكشف عن حيثيات قرار اطلاق سراح المقرحي بعد تصريح نجل الزعيم الليبي معمر القذافي، سيف الاسلام بانه كانت هناك صلة واضحة ما بين العلاقات التجارية واطلاق سرح المقرحي".
وتقول الصحيفة "ان زعيمي حزب المحافظين ديفيد كاميرون وحزب الديمقراطيين الاحرار الى جانب مسؤولين من الحزب الاسكتلندي القومي الحاكم في اسكتلندة شكلوا جبهة قوية للضغط على رئيس الوزراء جوردون بروان للافصاح عن جميع حيثيات وتفاصيل المفاوضات التي اجرتها الحكومة البريطانية مع ليبيا قبل اطلاق سراح المقرحي".
ونقلت الصحيفة عن كبير ممثلي الحزب الحاكم في اسكتلندة لدى الحكومة البريطانية انجوس روبرتسون قوله "ان الاتفاقات بين ليبيا والحكومة البريطانية حول مصير المقرحي تحاط بسرية كاملة وعلى لندن الافصاح عن الصفقات التي توصل اليها كل من رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والحالي براون مع العقيد القذافي".
ثمن إطلاق المقرحي
في هذه الأثناء، دعا سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي معمر القذافي امس الجمعة إلى إقامة علاقات عمل أوثق مع بريطانيا، وهي "دعوة" تتضمن اعطاء بريطانيا الاولوية في التعاملات والصفقات التجارية على الدول الاخرى، وهذا التطور يمثل حضورا استراتيجيا في ليبيا يمكنها من الافادة الاقتصادية بمليارات الجنيهات الاسترلينية.
وقال القذافي الابن إن الوقت حان لتجاوز الجدل الدائر بشأن قرار الإفراج عن المقرحي، مشددا على أن لوكربي أصبحت ماضيا.
وأضاف في تصريحات لصحيفة اسكتلندية أن "الخطوة التالية هي أعمال مربحة ومثمرة مع ادنبره ولندن لأن ليبيا سوق واعدة غنية لذلك من الأفضل التحدث عن المستقبل".
وفي غضون ذلك، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الجمعة ان "إطلاق سراح المقرحي عزز تكهنات بأن ينعكس هذا القرار إيجابا على شركات النفط البريطانية الساعية للعمل في ليبيا."
اعتبرت الصحيفة أن الحماس الذي سيطر على شركات النفط مع إعلان ليبيا أول جولة من منح التراخيص للشركات الأجنبية للعمل في قطاع النفط الغني بعد رفع العقوبات الدولية عنها عام 2004 ما لبث أن خف بسبب ما وصفته بالقوانين العشوائية وبنود التعاقد التي فرضتها السلطات الليبية والبيروقراطية المحلية.
وتمتلك ليبيا أكبر احتياطي مؤكد من النفط في أفريقيا حيث يبلغ إجماليه نحو 43.7 مليار برميل مما جذب إلى البلاد كبرى شركات النفط العالمية بحثا عن المخزون الهائل غير المستغل من النفط والغاز.
"رجل يعرف الكثير"
من جانبها، تناولت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية مسار العلاقات بين ليبيا والغرب منذ وصول القذافي الى الحكم قبل اربعين عاما وكيف تغيرت هذه العلاقة من المواجهة والعداء الى التعاون في مجال محاربة "الارهاب" بعد هجمات سبتمبر/ايلول على الولايات المتحدة انتهاء بالعودة الكاملة لليبيا الى مرحلة العلاقات الدافئة مع الغرب والتي تكللت بالافراج عن المقرحي ومشاركة عدد من زعماء الغرب خلال ايام في احتفال ليبيا بالذكرى الاربعين لوصول القذافي الى الحكم.
ونقلت ال "بي بي سي" عن الصحيفة قولها: "ان حرص العقيد القذافي على اعادة المقرحي الى ليبيا لم يكن بسبب براءة المقرحي بل لكونه ليس مواطنا ليبيا عاديا فهو ضابط مخابرات سابق لديه الكثير من المعلومات عن الانشطة الارهابية وعلى معرفة بالعديد من اسرار النظام".
وقالت الصحيفة كيف تم عزل وزير النقل البريطاني بول شانون عام 1989 من منصبه بعد اعلامه عددا من الصحفيين ان المسؤولين عن وضع القنبلة في الطائرة معتقلون في المانيا وانه ستوجه التهم لهم قريبا.
واضافت الصحيفة ان الشرطة الالمانية تمكنت من تفكيك خلية فلسطينية تدعمها ايران كانت تعمل في الاراضي الالمانية وعثرت بحوزتها على مكونات عبوة ناسفة شبيهة بتلك التي دمرت طائرة بان آم واودت بحياة 270 شخصا.
غموض لوكيربي
وعن سبب توجيه الاتهام لليبيا وابعاد التهمة عن ايران تنقل الصحيفة عن النائب السابق عن حزب العمال في مجلس العموم البريطاني تام داليل والذي كانت ابنته من بين ضحايا لوكربي قوله ان بريطانيا والولايات المتحدة كانتا بحاجة الى سورية وايران اثناء التحضير لحرب الخليج الاولى وكان من مصلحتهما الصاق التهمة بليبيا.
وتناولت صحيفة "التايمز" نفس القضية وقالت ان العديد من الاسئلة المحيطة بهذه القضية ماتزال بلا اجابة ابتداء من الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين ليبيا من طرف والولايات المتحدة وبريطانيا من طرف آخر عام 1999 وانتهاء بخطوة اطلاق سراح المقرحي.
وتشير الصحيفة الى انه من بين النظريات التي راجت حول الدوافع التي تقف وراء قرار وزير العدل الاسكتلندي اطلاق سراح المقرحي ان وزير العدل الاسكتلندي اراد تفادي احراج النظام القضائي الاسكتلندي في حال اعادة محاكمة المقرحي بعد قبول الاستئناف الذي تقدم به واخرى تتحدث عن ضغط طرابلس الغرب على شركات النفط العاملة في بحر الشمال.
شكوك حول مرض المقرحي
من ناحية اخرى، شككت تقارير صحية في إصابة المقرحي بمرض سرطان البروستاتا ووصوله الى مراحله المتأخرة ، حيث نقلت صحيفة "الديلي تلغراف" عن اخصائي في مرض السرطان، قوله ان المقرحي قد يعيش اكثر مما توقع الوزراء الاسكتلنديون الذين قرروا اخلاء سبيله، وذلك حسب تقارير طبية جديدة حول حالته.
يذكر ان قرار الافراج عن المقرحي اثار جدلا كبيرا بعدما اجرت ليبيا استقبال الابطال للمقرحي الذي كان يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة لادانته بالضلوع في تفجير طائرة امريكية فوق لوكربي في 1988، والذي قضى فيه 270 شخصا.
وتنقل الصحيفة عن الدكتور ريتشرد سيمبسون قوله ان هناك تقارير طبية تفيد بوجود "شكوك كبيرة" حول احتمال وفاة المقرحي في غضون الاشهر الثلاثة بسبب سرطان البروستاتا الذي يعاني منه، والذي دخل مرحلته النهائية.
واتهم الدكتور سيمبسون، وهو ايضا عضو في البرلمان الاسكتلندي، وزير العدل في الحكومة الاسكتلندية كيني ماكاسكيل بعدم الاعتماد على اختبارات اكثر دقة قبل اصدار قراره بالافراج عن المقرحي.
ويوافق سيمبسون الرأي حزب المحافظين الذي قال ان احدث التقارير الطبية حول حالة المقرحي تفيد بانه قد يعيش ثمانية اشهر، وهي "مدة طويلة لا تسمح بالافراج عنه لاسباب صحية"، حسب التايمز.
ويقضي القانون الاسكتلندي بالا يفرج عن سجين لدواع انسانية حتى لا يبقى امامه الا ثلاثة اشهر ليعيشها، لكن الدكتور سيمبسون المتخصص في امراض البروستات قال انه "يبدو ان امام المقرحي اشهر اكثر من ذلك ليعيشها، وان وزير العدل لم يعتمد الا على رأي طبيب واحد في هذا الشأن".