عشرات بل مئات السيارات تقف بشكل يومي أمام بوابات الجامعات، خصوصا في عمان، وفي المواقف (الباركنغ) الداخلية للكليات، حيث تبدو تلك السيارات من أحدث الموديلات وأفخم الانواع.
المفارقة أن مقتني تلك السيارات هم طلاب الجامعة أنفسهم، الذين ربما فاقت سياراتهم في فخامتها وحداثة موديلاتها سيارات أساتذتهم في ذات الجامعة.
ذلك المشهد الاستعراضي من قبل أصحاب السيارات الطلاب يجعلك تظن للحظات بأنك في معرض دولي لأفخم وأحدث شركات سيارات في العالم.
لكن هذا "المعرض الجامعي للسيارات" يعكس، وفق خبراء، تفاوت طبقات المجتمع ويمثل مرآة لواقعه، ومدى الهوة التي تفصل بين فئاته وأطيافه، ما يمكن ان يرسم صورة للمشهد الاقتصادي المختل بين قلة تملك وكثرة لا تملك، وما تجسده ثقافة التفاخر والتباهي الاستهلاكية.
معظم هذه السيارات إن لم يكن جميعها تعود لطلبة هذه الجامعات والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و23 عاما المفترض بأنهم معالون من قبل أهلهم ولا دخول لأغلبهم على الأقل.
وتشير دراسة لأمانة عمان الى أنّ "40% من طلاب الجامعة الأردنية يستخدمون سيارات خاصة"، في الوقت الذي يقدر فيه عدد طلاب الجامعة بحوالي 40 ألف طالب.
وتقل نسبة الطلاب الذين يملكون سيارات خاصة في جامعات المحافظات الأخرى التي تصنف عادة بمستوى اقتصادي أقل من عمان.
لا يمكن أن تصنف الصورة السابقة إلا تحت بند المباهاة والتظاهر الاجتماعي و"مظهر من مظاهر الاستهلاك" في مجتمع يضم 60 ألف أسرة جائعة (300 ألف مواطن جائع).
وللمفارقة، فإنّ متوسط دخل الأسرة السنوي على مستوى المملكة يقدر بحوالي 6220 دينارا سنويا، أي 518 دينارا شهريا، فيما يقدر دخل الاسرة السنوي على مستوى العاصمة 7412 دينارا سنويا أي 618 دينارا شهريا، وذلك بحسب احصائيات دائرة الاحصاء العامة عام 2006.
ويقدر متوسط انفاق الأسرة السنوي على مستوى المملكة بحوالي 7550.7 دينار، أي 629.2 دينار شهريا، فيما يقدر متوسط انفاق الأسرة السنوي على مستوى العاصمة 8966 دينارا سنويا، أي 747 دينارا شهريا.
وبعد الحسبة، فإنّ انفاق الأسرة الأردنية يفوق دخلها بحوالي 1330.7 دينار سنويا، أي 111 دينارا شهريا، أما على مستوى العاصمة، فإنّ انفاق الأسرة يفوق دخلها بحوالي 1554 دينارا سنويا، أي 129 دينارا شهريا.
ويشير أستاذ علم اجتماع التنمية في جامعة مؤتة، الدكتور حسين محادين، الى أنّ هذا المظهر من الأشياء التي تعبر عن امتداد العائلة في الأبناء، أي أنّ الأهل يعبرون عن مكانتهم التي يرغبون أن يجدوا لهم فيها امتدادا من خلال أبنائهم.
ولكن عندما نتحدث عن الطلبة، الذين يعتبرون الشريحة الأوسع منها من عائلات فقيرة ومتوسطة، فإن التحدي لنا جميعا هو أنّ أهل الطلبة الأثرياء هل يكسبون أبناءهم من خلال هذا المظهر؟ وهل يجدون فيه فرصة للاحتكاك مع الحياة بمختلف شرائحها وبالتواصل مع أقرانهم من الطلبة الآخرين؟.
وقال إنه لا بد من التذكير هنا بشعور الطلبة الفقراء الذين ليس بوسعهم توفير قسط للجامعة وهم يشاهدون هذا التباين الحاد مع أقرانهم الطلبة وزملائهم في قاعات المحاضرات.
وأكد أنّ الجميع يحترم ثراء العائلات، ولكن "بالشكل الذي لا يهز مكانة الجامعة أو المؤسسة التعليمية، وعليه فإنّ هذه السلوكيات والاختلافات تعكس واقع المجتمع الاردني الذي تمتلك فيه القلة نسبا عالية من الثروة والفرص والامكانات مقابل نسبة كبيرة لا تملك سوى القليل القليل".
وأضاف أنّ هذا الواقع قد يكون مسوغا الى التطرف لدى عدد من الطلاب وما لذلك من أثر على الامن الاجتماعي والاحساس بما نسميه تكافؤ الفرص وأحيانا الاحساس بإنسانية الانسان نفسه.
وألمح الى أنّ هذه الظاهرة تتضمن إطالة فترة الإعالة التي يتلقاها الأثرياء والأبناء عموما والتي قد لا تمكنهم من مواجهة الحياة والمسؤوليات اجتماعيا وعاطفيا وحياتيا.
وأكد محادين ضرورة إعادة الاعتبار لمكانة الجامعة وأدوارها والسعي لتقليل حدة التراتبية الحادة والخطرة في مجتمعنا.
وقال إنه من الواضح أنّ ثقافة الرقم أفسدت الذوق العام وخدشت هيبة المجتمع ومؤسساته التعليمية المختلفة وهذا ليس عاملا مطمئنا بالمحصلة.
وينطبق تصريح محادين تقريبا على حالة للشاب عون الذي أعطاه والده سيارة في السنة الاولى لدراسته في الجامعة التي كانت لا تبعد عن منزله أكثر من 5 دقائق، وفق تأكيداته.
وأشار عون، الذي تخرج من جامعة خاصة، الى أنّ السيارة كانت توفر عليه الكثير من الوقت، فهو يخرج قبل 10 دقائق من المحاضرة، في حين كان من المفترض أن يخرج من منزله قبل ساعة للوصول الى المحاضرة في حال استقلاله حافلات الجامعة.
وأوضح عون أنّ "امتلاك السيارة يعبر عن مكانة الشخص الاجتماعية وقد كان جزء كبير من الطلاب في الجامعة يشيرون للشخص بنوع سيارته".
ومقابل هذا، فإنّ الشاب محمد الذي يقطن في السلط ويدرس في جامعة حكومية في إربد يستقل وسائط النقل العام، وقد أشار بمجرد سؤاله عن سبب عدم امتلاكه سيارة خاصة به الى "أنه بالكاد يستطيع أن يؤمن أقساط الجامعة".
وأوضح محمد، الذي يعمل بشكل متقطع، أنّه من المستحيل أن يفكر حاليا بامتلاك سيارة وخصوصا أنّ والده يدفع رسوم جامعة لأخت له وأقساط مدرسة لأخ آخر.
ويفكر محمد الذي حصل على رخصة القيادة بأن يشتري سيارة مستقبلا بعد أن يتخرج ويعمل ويستقل ماديا.
ويشير الخبير الاقتصادي، الدكتور مازن مرجي، إلى أنّ امتلاك سيارة من قبل شباب الجامعات بات شيئا طبيعيا في مجتمع عمان، ولم تعد السيارة شيئا كماليا كما كانت في السابق وخصوصا إذا كان الطالب ينتمي الى طبقة ذات دخل مرتفع.
وصنف مرجي الطلبة في الجامعة الأردنية باعتبارها أم الجامعات وأكبرها إلى طلاب الموازي أو المسائي الذين يدفعون المال الكثير مقابل دراستهم، وهناك طلاب البعثات والمنح الدراسية، مشيرا الى أنّ جزءا كبيرا من طلبة الجامعة الأردنية تحديدا هم من الطبقة البرجوازية لأنهم ينتمون لأبناء الأغنياء والمسؤولين وغيرهم من أصحاب السلطة، وبالتالي فقد أصبحت ملامح الطلبة في هذه الجامعة أقرب إلى البرجوازية والبرج العاجي، مع الاشارة الى أنّ هناك نسبة بسيطة جدا داخلها تنتمي لطبقات ذوي الدخل المحدود، وهناك شريحة بسيطة أيضا تنتمي لذوي الدخل المتوسط ولديها مشكلة التفاخر والتباهي ومحاولة مجاراة الطبقة الغنية والظهور مع المجتمع المخملي.
وقال إنّ الجامعات الخاصة الأخرى الموجودة في عمان لا بد أن طلبتها يمتلكون سيارات لأنهم من ذوي الدخل العالي.
وأشار الى أن هذه الظاهرة لا يمكن مشاهدتها في المحافظات الأخرى التي تعتبر امتلاك سيارة فيها شيئا كبيرا.
ويدرس في جامعات الاردن -وفق احصائيات عام 2008- حوالي 210 آلاف طالب وطالبة في الجامعات الرسمية والجامعات الخاصة، 150 ألفا منهم يدرسون في الجامعات الحكومية العشر، و60 ألف طالب في الجامعات الخاصة. الغد