صحيفة العرّاب

أعمدة الإنارة .. كمائن تزهق أرواح المواطنين وسط صمت شركة الكهرباء الأردنية

"تحولت الى كمائن للموت بعد أن كانت محطات لقاء ونقاط لتجمع شبان الحارات"، بهذه الكلمات وصف اسامة مصطفى حوادث اعمدة الكهرباء الاخيرة.

 ومع تكرار تسجيل وفيات ناتجة عن حوادث سقوط أعمدة الانارة أو توزيع الكهرباء أو تسببها بصعقات أودت بحياة مواطنين أو عاملين، أصبح المواطنون يتعاملون مع "منصات الموت" تلك، بحسب تعبير مصطفى، بحذر أكبر بعد ترسخ القناعة لديهم بعدم كفاءة عملها وغياب أعمال الصيانة نتيجة إهمال المسؤولين المشرفين عليها.
 
ويقول مصطفى إن "المشكلة تكمن في تكرار حوادث أعمدة الكهرباء وعدم اتخاذ الاجراءات اللازمة لمنع وقوعها".
 
وشهد الشهر الماضي حادثين ناتجين عن صعقات أعمدة كهربائية تابعة لشركة الكهرباء الاردنية، أسفرت إحداها عن وفاة شاب إثر تعرضه لصعقة كهربائية جراء ملامسته عمود كهرباء في منطقة جبل المغير قرب دوار بادي بمنطقة الزرقاء الجديدة.
 
يأتي هذا الحادث بعد ايام من وفاة بصعقة كهربائية جراء اتكائه على شبك حديدي، محاذ لعمود كهرباء قرب مبنى قديم تابع لمخازن الحبوب في منطقة ياجوز.
 
وسبق هاتين الحالتين حادث اودى بحياة الفني في شركة الكهرباء الاردنية اسامة الرفاعي نتيجة كسر عمود خلال قيامه بأعمال الصيانة لأحد أعمدة الكهرباء في منطقة حي نزال.
 
ويقول مهندس كهربائي متخصص فضل عدم نشر اسمه، إن المواصفات والمعايير العامة المعتمدة لدى الشركات يجب أن تغطي كافة متطلبات السلامة العامة ومنها ارتفاع العامود ومكان وجوده على الارصفة وقوة تشبكاته وفقا لما تفرضة متطلبات مؤسسة المواصفات والمقاييس.
 
غير ان المهندس ذاته أرجع الحوادث التي تنتج عن ملامسة هذه الاعمدة إلى تلف ناتج عن تأثير العوامل الجوية والزمن، مشيرا إلى أن الشركة تنظم صيانة دورية لأعمدة الكهرباء التابعة لها، والتي يقدر عددها بآلاف الاعمدة.
 
الحوادث الاخيرة تضاف الى سلسلة اخرى سجلت على مدار السنوات السابقة راح ضحيتها عاملون ومواطنون بينهم اطفال.
 
حوداث يقابلها صمت من قبل شركة الكهرباء الاردنية، الجهة المالكة لأعمدة الكهرباء وتركيبها وصيانتها في الاحياء والشوارع الفرعية في عمان والزرقاء والسلط ومادبا، وهي من المناطق التي شهدت حوادث.
 
فرغم محاولات "الغد" المتواصلة للحصول على رد من قبل الشركة حول هذه الحوادث، الا أنها رفضت الرد في حالة تعكس غياب الشفافية وعدم الاكتراث بحياة المواطنين والعاملين فيها وتهرب من تحمل المسؤوليات.
 
رفض شركة الكهرباء الرد على الاستفسارات المتعلقة بالموضوع يدلل على تهرب الشركة من مسؤولياتها من ناحية ويعكس حالة ارتباك من قبل الجهات المشرفة وسط غياب للمساءلة من قبل مؤسسات الرقابة الرسمية.
 
أعمدة انارة الشوارع تتبع في العاصمة جهتين، أولاهما شركة الكهرباء الوطنية التي تشمل مناطقها مداخل عمان والشوارع الرئيسية فيها، إلى جانب اعمدة الانارة ونقل توزيع الكهرباء في الشوارع الفرعية والأحياء السكنية وتتبع مسؤوليتها لشركة الكهرباء الأردنية، وفقا لمتخصصين وعاملين في شركات الكهرباء.
 
شركة الكهرباء الوطنية
 
وفي هذا الخصوص، أوضح رئيس قسم الانارة في شركة الكهرباء الوطنية المهندس أشرف البواليز أن الشركة تعتمد في نظام الاعمدة التابع لها اعلى المواصفات العالمية المطبقة في الولايات المتحدة وأوروبا.
 
وقال إن هذه المواصفات تتضمن ما يضمن قوة تحمل العامود لسرعات رياح تصل إلى نحو 165 كيلومترا في الساعة، وبما أن طبيعة قوة الرياح في الاردن لا تصل إلى هذا المستوى، فإن قوة تحمل العامود تعد ميزة إضافية.
 
وإلى جانب قوة تحمل العامود للعوامل الجوية، فإنه يتم التركيز على قدرته تحمل أوزان وحدات الانارة التي تثبت عليه.
 
وفيما يختص بشروط السلامة في الاعمدة الكهربائية، قال البواليز إن "الوطنية" مشتركة بمعايير السلامة الكهربائية الدولية التي تضمن سلامة مستخدمي الطرق التي تتوفر فيها أعمدة الانارة.
 
وقال إن أعمدة الانارة تخضع لمواصفات عالمية تضمن تلافي الاضرار البيئية في المنطقة التي تركب فيها هذه الاعمدة، إضافة الى سلامة مستخدمي الطرق قدر الامكان.
 
كما تضمن هذه المعايير سلامة عمال الشركة، مبينا أن الفرق المسؤولة عن هذا المجال تتضمن متخصصين يقودهم مهندسون حاصلون على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية ومدربون على الدخول للنظام الكهربائي.
 
كما تضم هذه الفرق فنيين كل منهم بصلاحية محددة، إضافة إلى عمال لهم وظائف مساندة معينة.
 
ويلزم أعضاء هذه الفرق بارتداء ملابس خاصة تحميهم ومستخدمي الطرق من المخاطر التي قد يتعرضون لها عند اجراء الصيانة مثل ارتداء الستر الفسفورية العاكسة التي تنبه قائدي المركبات عن بعد 150 مترا على الاقل.
 
ويتم كذلك تزويد هذه الفرق بمعدات خاصة مثل اللوّاحات والاقماع المضيئة التي توضع على جوانب الطرق.
 
وأشار إلى أنه عندما يتم طرح عطاءات لشراء أعمدة جديدة، فإن مهندسين متخصصين من الشركة يقومون بفحصها بالمصنع لمعالجة أي خلل فيها قبل توريدها.
 
وتغطي أعمدة إنارة الشوارع التابعة للشركة المداخل الرئيسية لمدينة عمان من الاتجاهات الاربعة، إضافة إلى طريق المطار.
 
وأكد البواليز أن معايير السلامة المتبعة في الاعمدة تضمن تلافي أي ضرر للاشخاص في حال الاصطدام بها وقبل التسبب بأية أضرار، مشيرا إلى أن النظام يعتمد على كوابل أرضية على عمق 60 سنتمترا إلى 70 سنتمترا تحت الارض، أما العامود ذاته، فيحتوي على صندوق مقفل بمفتاح خاص يضم كافة التمديدات الكهربائية.
 
إلا أنه اشار إلى مشاكل توجهها الشركة نتيجة محاولات عبث المواطنين وفضولهم بفتح هذه الصناديق ومحاولة العبث بها أو بدافع السرقة، وهي مشكلة تعاني منها الشركة بشكل واسع وتحاول تجاوزها بالتعاون مع الاجهزة الامنية.
 
وقال إن اصلاح التلف الذي يطال هذه الصناديق نتيجة العبث يكبد الشركة سنويا نحو 10 آلاف دينار، إذ أن كلفة باب صندوق العامود الواحد تكلف نحو 30 إلى 50 دينارا.
 
وأوضح البواليز أن أبرز وقت تتعرض فيه الاعمدة للتلف يكون خلال ذروة الصيف، الذي تزداد فيه اعداد المركبات في الشوراع، موضحا أن غالبية حالات التلف تنتج عن حوادث الصدم.
 
أما الشوراع الخارجية، فإنها كثيرا ما تتعرض للسرقة بسبب بعدها عن الرقابة، وفقا للبواليز.
 
إحصائيا، بيّن البواليز أن عدد الاعمدة التي تم استبادلها بالكامل خلال شهر آب (أغسطس) الماضي بلغ 17 عامودا، لتبلغ خسائر الشركة خلال هذا الشهر نحو 14 الف دينار.
 
وفيما يتعلق باستراتيجية الشركة في تعويض المتضررين جراء حوادث أعمدة الكهرباء، قال البواليز إن غالبية الاضرار التي تحدث في هذه الاعمدة تكون ناتجة عن عوامل بشرية، موضحا أن الشركة تتبع عقد تأمين شامل يغطي خسائرها المادية وأية تعويضات أخرى تلتزم بها.
 
وبين البواليز أن المكونات الرئيسية لنظام الانارة التابع للشركة تتضمن أعمدة انارة مزدوجة الذراع يقدر عددها بنحو 2658 عامودا تستخدم فيها وحدات انارة تعرف بوحدات انارة بخار الصوديوم، تبلغ قدرة كل منها نحو 250 واط.
 
وتعد وحدات الصوديوم، بحسب البواليز، الافضل من حيث توفير الطاقة، إذ تدرج ضمن الاجهزة الموفرة للطاقة التي أعفتها الحكومة العام الماضي من الرسوم الجمركية.
 
كما يتضمن نظام الانارة ابراج انارة للجسور وعددها 31 برجا تستخدم فيها نحو 248 وحدة انارة صوديوم بقدرة 1000 واط لكل منها.
 
ويشمل النظام كذلك نحو 80 عامود إنارة مفردة الذراع يختلف عددها وفقا للحاجة.
 
وتعد شركة الكهرباء الوطنية الناقل الوطني للطاقة الكهربائية ومشتريها وبائعها الوحيد لشركات التوزيع في المملكة وتصدير الطاقة الى البلدان المجاورة واستيراد الطاقة منها وإقامة شبكات النقل اللازمة لذلك، بالإضافة إلى إنشاء شبكات فرعية لتوزيع الطاقة على المستهلكين وتنسيق الربط بين تلك الشبكات وشبكات التوزيع التابعة لأصحاب المشاريع، وكذلك تحديد تعرفة الطاقة للمستهلكين ومراقبة توليد الطاقة ونقلها وتوزيعها وتنظيم شؤون استهلاك الطاقة في المملكة.
 
وتشمل المناطق التي تنتشر فيها أعمدة الشركة طريق المطار وشارع الملك عبدالله وطريق عمان السلط من صويلح وحتى مدخل السلط، وطريق صويلح البقعة وشارع الملكة رانيا وشارع الشهيد ابتداء من منطقة طبربور إلى عين غزال وطريق عمان الزرقاء.
 
غير أن البواليز أشار إلى نمط آخر من أعمدة الانارة غير الذي يتبع في الشركة وتشرف عليه بالتعاون مع أمانة عمان، وهو نظام أعمدة الانارة المركبة على اعمدة الضغط المنخفض، الذي يتبع شركة الكهرباء الاردنية وتزود بها الاحياء والشوارع الفرعية.
 
شركة الكهرباء الأردنية
 
على الرغم من اجمالي الحوداث التي تسجل وتحدث في مناطق تابعة لشركة الكهرباء الاردنية، إلا انه لم يتسنّ لـ"الغد"، ورغم المحاولات المتكررة، الحصول على معلومات من الشركة حول المواصفات والمعايير التي تتبعها في تركيب أعمدة الانارة التابعة لها وعن شروط الامان والسلامة التي تفرضها.
 
ويشير تقرير مجلس الادارة السنوي للشركة إلى أنها قامت العام الماضي بتركيب 11.389 وحدة إنارة جديدة مقابل 8569 وحدة انارة تم تركيبها عام 2007، وبهذا يرتفع مجموع عدد وحدات انارة الشوارع في مختلف مدن وقرى مناطق الامتياز التابعة للشركة إلى 242.820 وحدة انارة مقابل 231.431 وحدة انارة العام 2007 تشمل وحدات انارة عادية وفلورسنت ووحدات انارة زئبقية.
 
كما تمت خلال العام الماضي، وضمن اختصاص الشركة، صيانة 120.623 وحدة انارة مقارنة مع 96.338 وحدة انارة تمت صيانتها عام 2007.
 
أمانة عمان
 
كما تدخل انارة الشوارع ضمن اختصاصات أمانة عمان وإشرافها، وقال مدير دائرة عمليات المرور في الامانة المهندس خالد حدادين إن امانة عمان تقوم من اجل تغذية الشوارع بالانارة اللازمة، بتأجير شركة الكهرباء 30 مترا مربعا من أراضيها أو في فضلات الشوارع لإقامة محطات خاصة لإنارة الشوارع مع الاخذ بعين الاعتبار السلامة العامة.
 
وأشار الى أنه في حال تلقي الامانة لأي اعتراضات على وجود تلك المحطات أو المحولات الكهربائية، تقوم الامانة بالدراسة واتخاذ الاجراءات اللازمة.
 
من جانب آخر، تقتصر العلاقة في إقامة محطات صغيرة داخل الابنية أو مساحات المنازل على اتفاق ما بين شركة الكهرباء ومواطني تلك المنشآت، فيما يتطلب تنفيذ محطات تحويلية كبيرة الحصول على رخصة انشائية من الامانة.
 
وأشار مدير دائرة التنسيق في أمانة عمان المهندس نضال العقيلي الى أن الشركات الخدمية تقوم وحسب حاجاتها من خلال مساحيها بتحديد مواقع زرع الاعمدة على الارصفة لغايات إيصال خدماتها للمشتركين وبالتنسيق مع الأمانة.
 
وتتولى الأمانة ابلاغ شركة الكهرباء عن أي أعطال أو خلل ترصده كوادرها الفنية، أو مخاطبة الشركة بأية شكوى تصل اليها من مواطنين.
 
يشار إلى أن عدد المشتركين في خدمات التيار الكهربائي بلغ العام الماضي نحو 1.4 مليون مشترك مقارنة بنحو 1.3 مليون مشترك عام 2007 وبزيادة نسبتها نحو 7.1%، وفقا لإحصاءات شركة الكهرباء الوطنية.
 
هيئة تنظيم قطاع الكهرباء
 
قال المفوض في هيئة تنظيم قطاع الكهرباء الدكتور غالب معابرة إن صلاحية الهيئة على شركات الكهرباء مالكة الأعمدة الكهربائية تتضمن إلزام هذه الشركات بالمواصفات والتعليمات التي تصدرها مؤسسة المواصفات والمقاييس في هذا الخصوص باعتبارها الجهة ذات الشأن في تحديد المواصفات.
 
وأكد ان من أهداف الهيئة الحفاظ على السلامة العامة فيما يتعلق بقطاع الكهرباء، مشيرا إلى الحوادث التي وقعت مؤخرا نتيجة ملامسة مواطنين لأعمدة تابعة لشركات توزيع الكهرباء، مبينا أن الهيئة بصدد فتح تحقيق بالموضوع لكشف اسباب هذه الحوادث وتحديد الطرف الذي تقع المسؤولية على عاتقه.
 
المواصفات والمقاييس
 
وباعتبارها الجهة المسؤولة في المملكة عن إعداد مواصفات قياسية محلية لمختلف السلع والمنتجات وفق الاجراءات المعتمدة في المؤسسة والمتوائمة مع ممارسات اعداد المواصفات القياسية الدولية الدولية، تم اعتماد عدد من المواصفات القياسية في هذا الخصوص عام 2007، وفقا لمساعد مدير عام المؤسسة الدكتور محمود الزعبي.
 
ومنها المواصفة التي تختص باشتراطات أعمدة الانارة الفولاذية، وبمتطلبات الاعمدة الفولاذية، وما تحتويه من مواد متجانسة، حيث تطبق هذه المواصفة الفنية على الأعمدة التي لا يزيد ارتفاعها على 20 مترا و18 مترا للاعمدة القوسية.
 
اضافة إلى مواصفات اخرى تختص بمقاومة العوامل الجوية كالرياح والاحمال والاداء تحت تأثير المركبات وغيرها من المتطلبات الاساسية.
 
كما أصدرت المؤسسة عدة مواصفات قياسية أردنية تختص بالانارة الخارجية بأشكالها المتعددة للطرق والشوارع وغيرها.
 
ووفق احصاءات هيئة تنظيم قطاع الكهرباء، فقد استحوذت انارة الشوارع على 2.5% من اجمالي الطاقة المستهلكة العام الماضي في المملكة، والبالغة نحو 11509 جيجاواط في الساعة.
 
ويشتمل النظام الكهربائي في الأردن على محطات التوليد الرئيسية وشبكات النقل ذات الفولطية 132 و400 ك.ف التي تربط هذه المحطات مع مراكز الأحمال في مختلف مناطق المملكة، بالإضافة إلى خطي الربط 400 ك.ف، 230 ك.ف مع سورية وشبكة الربط 400 ك.ف مع مصر، إضافة إلى مركز التحكم الوطني، وكذلك شبكات التوزيع التي تغذي ما نسبته (99.9%) من السكان، كما أن النظام الكهربائي في الأردن يشتمل أيضاً على بعض محطات التوليد الخاصة التي يمكن تزامنها مع بقية محطات التوليد في النظام الموحد ومحطات توليد خاصة أخرى تخدم مالكيها فقط وليست مربوطة مع النظام الموحد. الغد