تناول تقرير المعرفة العربي الأخير للعام 2009، والذي أعلن عنه مؤخرا في دولة الإمارات العربية المتحدة، ونشرته "الغد" كاملا، أبرز القضايا والمشاكل التي تواجه المنطقة.
وألقى التقرير الضوء على نسب البطالة المرتفعة بين صفوف الشباب العرب، متسائلا حول الأسباب التي تجعل هذه الفئة غير مفعلّة في مجتمعها، وباحثا في الوقت نفسه عن خطة لاستثمار طاقاتها.
وكان لنقابيين وأكاديميين ومتضررين، وجهات نظر أبدوها حول أسباب البطالة في الوطن العربي، والتي تشهد الأردن بعضا من جوانبها، في ظل وصف ديموغرافيين للمجتمع الأردني بـ"الفتي".
ويعزو عميد كلية الآداب في الجامعة الهاشمية د.عدنان الهياجنة أسباب تزايد نسبة البطالة بين صفوف الشباب بانحصار عملية المواءمة بين احتياجات سوق العمل والمتطلبات الأكاديمية من مناهج دراسية جامعية.
ويضيف إن "المسؤولية في عدم حصول الشباب على مهن تمكنهم من الانخراط في سوق العمل، تقع عليهم"، فأساتذة الجامعات والكليات كما يقول "عليهم مواكبة التطورات التي تطرأ على المجتمع باستمرار، فضلا عن العمل على تطوير الخطط الدراسية بما يتناسب ومتغيرات الحياة".
"القوة الدافعة لنمو أي مجتمع هم الشباب"، بتلك الجملة استهل نقيب المهندسين الزراعيين عبد الهادي الفلاحات حديثه، ذاهبا إلى "أن المجتمع الأردني معني بالوقوف على احتياجات الشباب، لا سيما وبأن "تلك الاحتياجات متغيرة من وقت إلى آخر".
ويؤكد الفلاحات على أن مشكلة البطالة أصبحت تهدد المجتمع الأردني، بحيث أضحت تقترب من أن تكون ظاهرة، مشيرا إلى أن الحكومة معنية بتفريغ طاقات الشباب بصورة إيجابية "بمعنى ضخ موارد مالية لإقامة مشاريع على مستوى فردي وجماعي بما تتطلبه احتياجات المجتمع الأردني".
بعكس ذلك، يضيف الفلاحات "ستتشكل مجموعة عاطلين عن العمل لشباب، أمامهم أفق مسدود للمستقبل، مما يؤثر على قدرتهم في التعاطي مع المجتمع بصورة إيجابية".
يذكر أن نسبة البطالة في المجتمع الأردني خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي، وصلت إلى 14%، بينما بلغت في الأرباع الثلاثة الأولى من العام السابق 12%، ما يدلل على تزايد تلك النسبة في العام الواحد بمعدل 2% سنويا.
وتتسبب البطالة بإحباط العديد من الشباب، وفي هذا الجانب يقول ناصر قمحية (26 عاما) وهو يحمل شهادة بكالوريوس إدارة معلوماتية "وصلت إلى مرحلة اليأس في الحصول على وظيفة في الأردن".
لم يتوفق قمحية وفق ما ذكر منذ تخرجه في الجامعة بفرصة عمل، حتى لو كانت لا تتعلق بتخصصه الجامعي، لكن وضعه الأسري وسط أخوته ووالديه أصبح يشعره بالخجل، خصوصا وأنه وبسبب ذلك يضطر إلى أخذ مصروفه من جيب والده الذي كان يأمل بأن يسانده ولده في تلبية احتياجات الأسرة.
الخبرة، شكلت عائقا لدى قمحية أثناء رحلة بحثه عن وظيفة، مستنكرا صعوبة توافر مؤسسات تستقبل طلبات توظيف من حديثي التخرج، الأمر الذي يغلق الأبواب أمامهم كما يصف، ويجعلهم يبحثون عن فرص عمل في الخارج بأي بلد كانت.
وهو ما تتفق عليه مديرة إحدى شركات التوظيف لدول الخليج العربية في الأردن إيناس سعادة، مؤكدة على ما أورده قمحية من مدى رغبة حديثي التخرج في الجامعات والكليات بالحصول على وظائف خارج الأردن.
وتشير سعادة إلى أنها تستقبل طلبات توظيف متزايدة كل عام، لكن وبعد الأزمة الاقتصادية التي استهدفت العالم، لم تعد القدرة على توفير فرص عمل للشباب كالسابق، وحتى إن تم توفيرها، فإن الرواتب ليست كما السابق أيضا.
ويرى أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية د.حسين الخزاعي أن أصحاب القرار، ينظرون إلى معدل البطالة في الأردن بناء على المجموع الكلي للسكان.
ويقول الخزاعي "علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الأفراد الأكثر حاجة للعمل الذين تتراوح أعمارهم ما بين 20-29 عاما"، مؤكدا أن 60% من تلك الفئة العمرية، يوجد فيها أفراد عاطلون عن العمل، ذاهبا إلى أن الحكومة لا تستوعب سوى 2% من تلك الفئة سنويا، فيما يتعلق بالخدمة المدنية.
يقول الفلاحات "إن العمل على دراسة احتياجات الشباب الاقتصادية والعمل على تعبئة وقتهم، يعطي دفعا لنمو اقتصادي واستقرار سياسي واجتماعي، فالعملية التنموية متداخلة" وفق رأيه، وتحتاج لتغطية كافة الجوانب التي يحتاجها المجتمع.
ومساهمة بإيجاد حلول للعاطلين عن العمل، يبين الفلاحات أن هناك إجراءات نقابية تقدم للخريجين حسب تخصصهم الذي يوائم هوية النقابة، فنقابة المهندسين الزراعيين كما يفيد، تقدم برنامجا تدريبيا لكل الخريجين الجدد لمدة 6 أشهر لدمجهم في القطاع الخاص، وبالواقع العملي للقطاع الزراعي.
وكذلك الحال بحسب ما يشير إليه نقيب الممرضين خالد أبو عزيزة الذي يرفض إطلاق مصطلح البطالة على من لا يحصلون على فرصة عمل، لافتا إلى أن نقابة الممرضين كغيرها من النقابات، تسعى إلى تقديم برامج وورشات عمل للمتخرجين من الممرضين.
ومن بين الإجراءات التي قامت بها نقابة الممرضين بحسب أبو عزيزة، وضع خطط دراسية بين أيدي مسؤولين يحذرون فيها من خطورة التوسع في بناء كليات التمريض في الجامعات، فضلا عن تحذيرهم من الممارسات الخاطئة التي تقوم بها الجامعات، كقبول 500 طالب في كلية الطب.
وهو ما يلفت إليه رئيس جامعة مؤتة د.عبد الرحيم الحنيطي الذي يبين أن هناك تخصصات أصبحت راكدة، لعدم مواءمتها مع متطلبات سوق العمل، يقابلها تخصصات نشطة، لا يحتاج خريجوها الى فترة انتظار طويلة للحصول على وظيفة.
ويقول الحنيطي إن "حاجات السوق ديناميكية"، فما هو مطلوب اليوم من تخصص جامعي بحسب رأيه، يصبح راكدا بعد أعوام، لذا على المناهج التعليمية الجامعية، أن تبنى على الكفاءة المهنية، بحيث يكون المتخرج فيها جاهزا للعمل فور تخرجه.
ولا يتوقع طالب كلية الاقتصاد مصطفى الهنداوي أي خطوة مجدية في هذا الشِأن، كما يصف، فلا يعرف أين سيكون على حد تعبيره، ذاهبا إلى أن ما لاحظه مما حدث مع إخوته الكبار من عدم حصولهم على فرص عمل منذ تخرجهم، جعله لا يبني أحلاما عند انتهاء دراسته.
"مع أن هناك أشخاصا يرغبون بتطوير أنفسهم في مجال تخصصهم، إلا أنهم يعملون في وظائف ليس لها علاقة بما درسوه"، يقول الهنداوي، مضيفا إنه "من الصعب على الطالب الآن التخطيط لمستقبله، قبل تخرجه نظرا لما يراه من حوله".
فحل مشكلة البطالة بين صفوف الشباب الأردني الذي يعيش تحت سقف مجتمع أطلق عليه لقب "الفتي" بحسب الهياجنة، هو "وضع تخطيط استراتيجي من قبل الحكومة والمؤسسات المدنية والنقابات، يعمل على تغيير ظروف العمل وشروطه بما يتناسب مع المستجدات التي تطرأ على المجتمع". الغد