صحيفة العرّاب

الأردن وإسرائيل: أزمة سياسية أم انقلاب استراتيجي؟

تشير التسريبات الإعلامية والمواقف السياسية الاردنية ـ الاسرائيلية الى أن الأزمة في العلاقات بين البلدين عميقة وان بدت هادئة في إطارها العلني.

 وأبدت أوساط سياسية إسرائيلية خلال الفترة الأخيرة انزعاجا مما وصلت إليه العلاقة مع الأردن، وبمدى التوتر المستتر بين الطرفين، جرّاء تعطّل العملية السلمية.
 
ونقلت صحيفة "هارتس" الاسرائيلية الاسبوع الفائت عن موظفين إسرائيليين كبار قولهم إن العلاقات بين إسرائيل والأردن "في درك خطير وأزمة حقيقية وهناك انعدام ثقة حقيقي ويصعب العمل هكذا". وقال وزير إسرائيلي مطلع على العلاقات مع الأردن إن هناك أزمة شديدة بين البلدين.
 
المسؤولون الأردنيون كانوا يتوقعون حملةً إسرائيلية عنيفة على الأردن، منذ مجيء الرئيس الاميركي باراك أوباما، ويعزون ذلك إلى الدور الاستثنائي الذي مارسته القيادة الأردنية بدفع الإدارة الجديدة الى وضع عملية التسوية في مقدم أولوياتها، وعزل الحكومة اليمينية الإسرائيلية أميركياً ودولياً.
 
وأبدى جلالة الملك عبد الله الثاني أول من أمس في حديث خلال جلسة حوارية في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس تشاؤمه ازاء الوضع الذي آلت إليه جهود تحقيق السلام وأعاد التذكير بنقاط تشكل لب النزاع الاردني ـ الإسرائيلي وجسد ايضا حقيقة شكل علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والتي سبق ان قالها بوضوح عشية انتخاب نتنياهو "بأنه لا يثق بنتنياهو ولا يرى أن هناك نيات صادقة لديه في ما يتعلق بعملية السلام".
 
ولم يلتق الملك منذ بدء ولاية نتنياهو الثانية في رئاسة الحكومة في نهاية شهر آذار (مارس) الفائت، سوى مرة واحدة في أواسط أيار (مايو) ومرة ثانية لمدة لا تزيد عن خمس دقائق في أروقة مقر الأمم المتحدة في نيويورك على هامش أعمال افتتاح أعمال الجمعية العامة في نهاية أيلول (سبتمبر) الفائت وتحدثا عبر الهاتف مره واحدة فقط خلال الاشهر التسعة الاخيرة.
 
وشدد الملك عبد الله في حديثه على أن "الأردن لن يقبل باستبدال الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية بجيش أردني"، لافتا إلى أن ما يريده الفلسطينيون هو حقهم في دولتهم المستقلة، رافضا أي حديث عن الخيار الأردني، مؤكدا أن هذا مرفوض من قبل الأردنيين والفلسطينيين وإنه إذا لم يتحقق حل الدولتين فإن البديل هو خيار الدولة الواحدة. ورفض أي طرح بقيام الأردن بدور في الضفة الغربية المحتلة، مؤكدا أن الأردن لا يقبل حتى مناقشة هذا الطرح. وقال إن الدور الوحيد الذي سيظل الأردن يقوم به هو مساندة الأشقاء الفلسطينيين على إقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.
 
ويرى المحلل السياسي حسن البراري ان تأكيد الملك على الثوابت الأردنية الوطنية يأتي في وقت بدأت الصحف الإسرائيلية تسريب ما يفيد بأن العلاقات بين عمان وتل أبيب هي فاترة وهي على عكس العلاقات بين القاهرة وتل أبيب.
 
وقال إن "العلاقات الأردنية الإسرائيلية مرشحة لأن تستمر في البرود إلى أن توافق إسرائيل على ضرورة العودة إلى مسار المفاوضات لتحقيق حل الدولتين الذي يراه الأردن خيارا يصب في مصالحه الأمنية والإستراتيجية العليا".
 
اما المحلل السياسي محمد ابو رمان ان فرأى ان التصريحات والتسريبات إلاعلامية الاسرائيلية تؤشر الى انقلاب إسرائيلي استراتيجي في الموقف من الأردن، لا مجرد "رد فعل" مؤقت، لافتا إلى ان "الانقلاب الإسرائيلي لم يأت من فراغ، بل يتأسس على تغير في القراءة الإستراتيجية الإسرائيلية لمصادر التهديد والمصالح الحيوية".
 
وقال "لم تعد إسرائيل تنظر إلى الدول العربية القومية كمصدر تهديد، وبصورة خاصة بعد حرب العراق، وأصبحت مصادر التهديد الرئيسة هي إيران والحركات الإسلامية خارجياً والقنبلة الديموغرافية الفلسطينية داخلياً (من هنا برز التأكيد على الاعتراف بيهودية الدولة).
 
ويترتب على ذلك الانقلاب، انعكاسات إستراتيجية عدة، في مقدمها العمل على تكريس قناعة دولية وغربية بأنّ الأردن هو دولة فلسطين القائمة على أرض الواقع، إذ يحتوي على أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين، مما يجعل من تغيير المعادلة السياسية الداخلية الأردنية مقدمة أساسية للتأكيد على الدعوى الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي، ويؤول إلى تخليص الكيان الصهيوني من أهم الملفات في مرحلة الحل النهائي، وهو ملف اللاجئين الفلسطينيين.
 
وقال ان ملامح هذا الانقلاب تكاد تكون واضحة منذ قرابة ثلاثة أعوام، لكن الجديد أننا أمام مرحلة متقدمة، أدت إليها (هنا) ثلاثة متغيرات:
 
الأول؛ أنّ الحديث الإسرائيلي عن "الحل الإقليمي" و"الدور الأمني الأردني" و"فشل حل الدولتين" لم يعد همساً، ولا خجولاً، بل رسمي، تتم مناقشته من قبل المسؤولين والاستراتيجيين هناك، بل وفي الكنيست، ويروّج له في دوائر القرار في واشنطن.
 
الثاني؛ تصريحات المسؤولين الأميركيين الأخيرة، وفي مقدمهم باراك أوباما، بخطأ المبالغة بالتفاؤل في فرص الحل النهائي والخضوع لضغوط الحكومة اليمينية الإسرائيلية، وليس العكس، كما كان يراهن مطبخ القرار في عمان الذي يدفع اليوم، وحيداً، كلفة الضغط على إدارة أوباما من أجل التسوية، من دون أن نحصد أي نتيجة إيجابية.
 
الثالث؛ وهو الأهم، الفراغ الاستراتيجي في المنطقة، وعدم القدرة على الوثوق بمحور الاعتدال العربي، باعتباره "حليفاً استراتيجياً"، في مواجهة الضغوط الدولية أو أي متغيرات كبرى تعيد بعثرة المعادلة الإقليمية، في الوقت الذي لم يعد يمتلك الأردن أوراقاً إقليمية وأدوات ضغط ونفوذا تساعده على تنويع سلة الخيارات وتوسيع هامش المناورة، وتتسم علاقته بخصوم الولايات المتحدة وإسرائيل، كذلك، بالتوتر.
المستقبل اللبنانية.