لعل التحدي امام حكومة سمير الرفاعي هو مواجهة التحديات الاقتصادية التي افرزتها جملة من العوامل الداخلية والخارجية التي أدت في مجملها الى حالة من عدم اليقين ببنود العجلة الاقتصادية.
ان حكومة الرفاعي ورثت عن الحكومة السابقة قانون موازنة 2010 ورغم التخفيضات الكبيرة على القانون في الانفاق بنسبة 10 بالمئة مقارنة مع عام 2009 إلا ان المعطيات اثرت على الواقع بوضوح وكذلك فان الفرضيات التي اعتمدت عليها الحكومة السابقة في إعداد موازنة 2010 اثرت بشكل كبير على ما يحدث فعليا في الاقتصاد الوطني الذي شهدت مؤشراته الرئيسية تباطؤا حادا ناتجا اساسا عن الازمة المالية العالمية التي امتدت آثارها لتطال جيوبا رئيسية في الاقتصاد الوطني مثل الصادرات والايرادات والمنح والتدفقات الاستثمارية والنمو والمديونية.
الحكومة الجديدة التي استلمت مهامها قبل شهرين استلمت الخزينة العامة للدولة بمؤشرات سلبية يصفها البعض بأنها مقلقة ومستوياتها باتت غير امنة وفيما يتعلق بالاستقرار المالي للاقتصاد لثلاثة ارباع عام 2009 حقق نموا 2.7 بالمئة مقابل 9.1 بالمئة للفترة نفسها من عام 2008 ووصلت معدلات البطالة العام الماضي الى 12.9 بالمئة مقابل 12.7 بالمئة عام 2008 في حين انخفض التضخم الى (-0.7) بالمئة في عام 2009 مقابل 13.7 بالمئة عام .2008
في حين وصل عجز الموازنة بعد المنح والمساعدات الى اعلى مستوى له على الاطلاق بعد ان قفز الى 1.445 مليار دينار العام الماضي أو ما نسبته 9 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي مقابل 692 مليون دينار او ما نسبته 4.6 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي في عام .2008
اما بخصوص المديونية فقد انتهت مسيراتها في عام 2009 بمخالفة صريحة لقانون الدين العام بعد ان تجاوزت 60.8 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وبعد ان وصلت الى ما مقداره 9.860 مليار دينار بعد ان كانت 8.551 مليار دينار او ما نسبته 56.8 من الناتج الاجمالي لعام .2008
فيما تراجعت المنح الخارجية الى 333 مليون دينار بعد ان سجلت في عام 2008 حوالي 718 مليون دينار إضافة الى تراجع الصادرات الوطنية 20 بالمئة في عام 2009 بعد ان كانت قد ارتفعت 40 بالمئة في عام .2009
حكومة الرفاعي التي بدأت عهدها المالي بإصدار اول ملحق بقيمة 304 ملايين دينار لصرف مستحقات المقاولين وبعض الالتزامات الاخرى كان قد جرى تأخير سدادها للعام الحالي من قبل الحكومة السابقة وجدت نفسها امام وضع مالي صعب ناتج عن تقديرات خاطئة لمؤشرات مالية جرى وضعها قي قانون موازنة 2010 لا تعكس طبيعة النشاط الاقتصادي الراهن.
اما وزارة المالية فقد وجدت نفسها في بداية هذا العام امام صرف مستحقات جديدة لقطاعات رئيسية لا يمكن تأجيلها بقيمة 160 مليون دينار وان قانون الموازنة 2010 لم يكن قد أجرى وضع مخصصات مالية لتلك النفقات الضرورية مثل دعم البلديات بقيمة 85 مليون دينار حيث تم إلغاء بند دعم البلديات من ضريبة المحروقات من دون ان يتم صرف نفقة لهذا القطاع.
وهذا الامر حصل مع كل من دعم الصندوق الوطني لدعم الحركة الشبابية وصندوق الثقافة ومستحقات توسعة المطار ودعم المجلس الاعلى للمعاقين والنفقات العامة وهي( 10.2.20.3.40) مليون دينار على التوالي.
وزارة المالية تجد نفسها حاليا مضطرة الى إصدار ملحق لموازنة 2010 الثاني في عهدها قبيل نهاية هذا الشهر بقيمة 160 مليون دينار لتغطية النفقات التي لم يتم إدراجها في موازنة 2010 والتي لا يمكن تأجيلها.
المفاجأة الاخرى التي واجهت وزارة المالية في موازنة 2010 تتعلق ببند المنح الخارجية التي قدرت ب¯¯ (330) مليون دينار لتتفاجأ الحكومة ان 170 مليون دينار من هذه الاموال هي منح منتظرة جرى رصدها في الموازنة من دون ان يكون لها اساس على اعتبار انها قادمة حيث تبين للجهات المسؤولة انه لم تكن هناك اتصالات مع الجهات المانحة لتلك المساعدات لتكون بذلك المساعدات الحقيقية التي ستحصل عليها الخزينة العام الحالي 160 مليون دينار.
اما المفاجأة الثالثة التي شهدها قانون موازنة 2010 هي فيما يتعلق ببند الايرادات المحلية التي قدر انها ستحقق ارتفاعا مقداره 252 مليون دينار او ما نسبته 6 بالمئة فانه من المعروف جيدا ان الايرادات المحلية خاصة فيما يتعلق بإيرادات ضريبة الدخل والتي هي محصلة للنشاط الاقتصادي لعام 2009 فان الوضع في هذه الضريبة يدلل بوضوح على انها ستتراجع بنسبة 30 بالمئة باعتبار ان ارباح الشركات ستنخفض بهذه النسبة كحد ادنى.
اما ضريبة المبيعات ونتيجة انزلاق التضخم للسالب فان النمو المقدر بنسبة 15.6 بالمئة يصبح مستحيلا, لذلك فانه وعلى ضوء عملية إعادة النظر في تقديرات بعض بنود الايرادات مستندة الى تراجع حصيلة ضريبة الدخل على ارباح الشركات المساهمة العامة والبنوك في عام 2009 والبالغة تكلفتها 50 مليون دينار إضافة الى الاثر المالي الذي اوجده القرار الحكومي بتمديد التخفيض على رسوم نقل ملكية الاراضي والشقق السكنية وخدمات الايواء في الفنادق والبالغة قيمتها 40 مليون دينار فان بعض النقص الحاصل في مجمل الايرادات الحاصلة سيزيد على 90 مليون دينار.
وإذا ما اضفنا هذا النقص والنفقات الجديدة والبالغة قيمتها 160 مليون دينار وهبوط المساعدات 170 مليون دينار فان عجز الموازنة الحقيقي للعام 2010 سيرتفع من 685 مليون دينار الى 1.105 مليار دينار وهو العجز الحقيقي الفعلي لموازنة .2010
كل ذلك سيدفع الحكومة الى اتخاذ جملة من الاجراءات لتخفيض العجز الكبير في جانب النفقات التي من ابرزها حث الوزارات والدوائر الحكومية لتخفيض نفقاتها الجارية والرأسمالية العام الحالي بهدف تفادي مخاطر زيادة العجز وضمان الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي وجاذبية البيئة الاستثمارية في المملكة.
كما سيتطلب من الوزارات والمؤسسات عدم تجاوز المخصصات المرصودة في الموازنة وعدم ترتيب أي التزامات بخلاف المبالغ المخصصة وقيامها بإعادة ترتيب اولويات انفاقها ضمن السقوف المالية المخصصة لكل منها.
وستسعى الحكومة الى الاسراع في دمج او إلغاء المؤسسات الحكومية ذات المهام المتشابهة في عملها وعدم استحداث أي مؤسسات جديدة.
كما ستعمل الحكومة على التريث في إحالة العطاءات للمشاريع الجديدة والحد من إجراء الاوامر التغييرية على المشاريع الرأسمالية إلا للحالات الضرورية شريطة توفر المخصصات في الموازنة والحصول على الموافقات المسبقة.
هذه الخطوات والاجراءات التي ستعمل الحكومة على تنفيذها جاءت كمحصلة لعملية المراجعة التي اجرتها على قانون موازنة 2010 خاصة فيما يتعلق ببند النفقات الجارية والمقدرة بحوالي 4.500 مليار دينار التي من المرجح ان ترتفع الى 4.660 مليار دينار والايرادات المحلية المقدرة بحوالي 4.445 مليار دينار التي من المتوقع ان تتراجع الى 4.355 مليار دينار والمنح الخارجية المقدرة بحوالي 330 مليون دينار التي من المتوقع ان تتراجع الى 160 مليون دينار والعجز بعد المنح الخارجية من الناتج المحلي الاجمالي والمحدد بحوالي 685 مليون دينار الذي من المتوقع وبعد إجراء المراجعة ان يرتفع الى 1.105 مليار دينار بزيادة مقدارها 420 مليون دينار عما هو متوقع في موازنة .2010
وعلى ضوء المعطيات الحالية فان الحكومة ستعمل على إلغاء الاعفاءات التي تم منحها لعدد كبير من المواد الاساسية كما ستعيد النظر في الاعفاءات المتخذة من قبل مجلس الوزراء وغير المحددة بمبلغ او مدة.
وبعد كل ذلك فان النفقات المقدرة في موازنة 2010 ومقارنتها مع موازنة 2009 قد انخفضت حيث تراجعت النفقات الجارية من 4.827 مليار في عام 2009 الى 4.500 مليار دينار في عام 2010 كما ستتراجع النفقات الرأسمالية من 1.633 مليار تم إنفاقها في عام 2009 الى 960 مليون دينار تم رصدها لانفاقها خلال العام الحالي حيث بلغ مجموع نفقات العام الماضي 6.460 مليار فيما تم تخصيص 5.460 مليار نفقات عامة للعام .2010
ولتحقيق ذلك فان الفرضيات التي ستطبقها الحكومة هي ضبط النفقات لا سيما المصاريف التشغيلية ووقف شراء المركبات نهائيا باستثناء الاجهزة الامنية ووزارة الصحة ووقف شراء الاثاث وقفا تاما باستثناء وزارتي التربية والصحة وعدم رصد أية مخصصات لمشاريع رأسمالية جديدة باستثناء المرتبطة منها بالمنح والمساعدات الخارجية بموجب الاتفاقيات الدولية واقتصار زيادة الرواتب والاجور على الزيادة السنوية الطبيعية فقط. العرب اليوم