بسام بدارين - لا يمكن قراءة التعليق المتأخر للناطق الرسمي باسم الحكومة الاردنية على جملة غير لائقة وردت على لسان ممثل منظمة "هيومن رايتس ووتش" وهو يقرأ تقرير سحب الجنسيات الا في سياق (افلاس) المنطق الذي يتبعه بعض المسؤولين وهم يساهمون في اثارة الضجيج حول هذا الملف الشائك بعبارات لا مبرر لها وتفتقر للاقناع.
ولا يمكن منطقيا بناء اي تصور حول مصداقية الخطاب الرسمي باصطياد عبارة هنا او هناك وتحويلها الى قصة بحد ذاتها فمسألة سحب الجنسيات بصرف النظر عن مبرراتها الوطنية مقلقة للرأي العام المحلي، ولا تقال بخصوصها الحقائق كاملة وابطالها دوما خلف الستار ومستوى الاعتراض عليها من شخصيات اعلامية وسياسية محلية اكثر بكثير من اهتمام منظمات دولية او امريكية تعمل مع المشروع الصهيوني على حد تعبير المسؤول الاول الآن في عمان للتلفزيون صالح القلاب.
والضعف في رواية الحكومة للحدث برز مجددا عندما عاد الناطق الرسمي الدكتور نبيل الشريف بعد يومين من المؤتمر الصحافي لممثل المنظمة الامريكية كريستوف ويلكي لكي يسلط الضوء على عبارة قالها الاخير حول فريقي الوحدات والفيصلي باعتبارها دليلا على سعي المنظمة اياها لتعزيز الانقسام في صفوف المجتمع الاردني الواحد والموحد.
وكان ويلكي قد وجه سؤالا لا مبرر له لاحد الصحافيين حول ما اذا كان فيصلاويا او وحداتيا، فأثار ضجة متأخرة كان يمكن ان تثار يوم المؤتمر الصحافي.
قبل ذلك لم يقل الوزير الشريف الحقيقة كاملة للرأي العام عندما اعلن بأن الجنسيات لا تسحب الا بقرار من مجلس الوزراء فقد تحداه المستشار السابق في الديوان الملكي والكاتب البارز خالد محادين لاحقا بان يأتي ولو بحالة واحدة من الذين سحبت جنسياتهم بموجب تعليمات فك الارتباط مصادق عليها من قبل مجلس الوزراء.
يعني ذلك ببساطة ان مجلس الوزراء غائب عن هذا المحور وان كان يتحمل كلفته - شرح محادين - الذي دخل في دائرة السخونة والطرافة وهو يقدم للقراء معادلة حسابية بسيطة اعتمدت على ارقام "هيومن رايتس ووتش" قوامها ان سحب جنسيات نصف الشعب الاردني بنفس المعدل يحتاج 55555 عاما على الاقل حتى يتم تنظيف البلاد من نصف شعبها كما يريد بعض المسؤولين.
ووسط الوزراء والسياسيين وحتى الاعلاميين الذين ناقشوا الموضوع لم يعد سرا معرفة ان جنسيات ضحايا التعليمات تسحب من قبل موظفين صغار قياسا بالهرم الاداري وفي احسن الاحوال من قبل لجنة صغيرة مرجعيتها وزير الداخلية.
المواطن وليد مطر يؤكد ذلك وهو يضع "القدس العربي" بصورة الاستجواب والتحقيق المفصل الذي خضعت له زوجته امس الاول الثلاثاء من قل موظفين صغيرين في دائرة المتابعة والتفتيش المختصة بالموضوع عندما ذهبت الزوجة تطلب اصدار وثيقة من احدى الدوائر تخص وليدتها الجديدة.
وبوضوح لوحظ خلال اليومين الماضيين ان النقاش الذي جددته "هيومن رايتس ووتش" وصعدت به للواجهة لم تعلق عليه وزارة الداخلية فتصدى وزير الاتصال والاعلام للموضوع حيث افتقد الجسم الصحافي لتعليقات وزير الداخلية نايف القاضي المعتادة في مثل هذه الحالات، الامر الذي يوحي بان المعلومات قد تكون صحيحة حول مطالبة رئيس الوزراء سمير الرفاعي بالتخفيف من تعقيبات الداخلية على الموضوع وترك الامر للوزيرين الشريف والقلاب الذي اصبح بمثابة ناطق ثان باسم الحكومة عبر مقالته في صحيفة "الرأي".
وبوضوح ايضا اجواء القلق في اوساط الكثير من العائلات الاردنية هي السائدة الآن فالعشرات يبادرون للسؤال عما اذا كانوا سيتوقفون على محطة ادارة المتابعة والتفتيش يوما ما وهي حصريا المحطة التي تسحب فيها الجنسية بموجب تعليمات فك الارتباط التي يصر الخبراء على ان بعضها الاهم ما يزال سريا.
ويعتقد ان هذه الادارة عادت للتنشط مؤخرا بعد فترة كمون نتجت عن قرار سياسي رفيع بوقف سحب الجنسيات في شهر تموز (يوليو) الماضي اثر موجة الجدل الاولى حول الموضوع.
وحتى الآن لا يمكن معرفة نتائج تركيز الرئيس الرفاعي على هذه الادارة لتحسين صورتها فهو يفكر بزيارتها ومديرها الحالي ايمن المفلح احد المقربين جدا منه والكاتب الصحافي ياسر ابو هلالة اقترح تغيير اسمها ووزير الداخلية الاسبق عيد الفايز اقام لها مقرا خاصا وكبيرا في العاصمة قبل تحطيم واجهاتها الزجاجية بيده في احدى زياراته بهدف ازالة الحواجز بين المراجع والموظف.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" بدورها حصلت على ارقامها بخصوص حالات سحب الجنسية من السلطات الرسمية قبل ستة اشهر وتحديدا من ادارة الاحوال المدنية ووزارة الداخلية، وما قالته بالخصوص ليس جديدا فقد قالته الصحافة المحلية سابقا وعدة مرات وهذه المنظمة حسب تعبير احد السياسيين قد تكون "عميلة" للمشروع الصهيوني او موجهة من الخارج او مضللة لكنها تتحدث بكل الاحوال عن موضوع ينبغي ان يعالج ولاسباب وطنية اردنية، كما قال رئيس تحرير صحيفة "العرب اليوم" طاهر العدوان.
واللافت ان النقاشات التي اثارها تقرير المنظمة سالفة الذكر تحصل في ظل نقاش عام وحيوي صعد الى السطح مؤخرا على كل المستويات تحت عنوان قرار فك الارتباط نفسه وتفكيك العلاقة الاجتماعية بين الاردن واهل الضفة الغربية ومسألة الدور الاردني.
لكن اللافت ايضا ان المنظمة نفسها لم تحظ ولو بمقالة واحدة ضدها في الصحافة الوطنية باستثناء مقالة "الرأي" للقلاب ومن تصدى لها الفريق الاعلامي الناطق باسم الحكومة، وعلى العكس اهتمت ابرز الاقلام في البلاد بمساعدة المنظمة عبر الاعتراف بوجود مشكلة لا بد من تعريفها والتعامل بشفافية وحسم مع تقدير حجم الكارثة التي يتعرض لها اردني تسحب جنسيته فجأة دون المساس بخيار الاستقلال الفلسطيني.
وفي القائمة الاخيرة يمكن رصد العديد من الاسماء المهمة والكبيرة في الاعلام الاردني اضافة لمحادين والعدوان وابو هلالة مثل جميل النمري ومحمد ابو رمان خصوصا، وان الحكومة تبدو وكأنها فوجئت بتقرير المنظمة الامريكية وهو امر غير صحيح لان ممثلها الالماني ويلكي يشتغل بالموضوع وفي عمان ويقابل المسؤولين منذ ستة اشهر وبعلم السلطات وموافقتها