بسام بدارين...القدس العربي :لا يمكن حتى الآن ورغم مضي الوقت وتسارع القرارات معرفة ما اذا كان التحاق الوزير الاسبق صالح القلاب بالفريق التنفيذي الجديد للحكومة يعبرعن مجرد شغف الرئيس سمير الرفاعي بتحشيد اوسع نخبة ممكنة من اصحاب 'الصوت المرتفع' حوله ام ان في المسألة ابعادا اعمق؟
ولا يمكن بعد تظهير حدود اللوحة التي يرسمها الرفاعي بقاعدة واحدة واضحة للعيان حتى الآن وهي 'استقطاب ' ثم توريط رموز التيار المحافظ جدا بالمرحلة والتجربة معرفة ما اذا كانت الخلفيات سياسية ومقصودة ام نتيجة لسياق تثبيت ارجل الحكومة الجديدة بحكم القرارات غير الشعبية التي قد تضطر لها؟
الوزارة الحالية تبدو بوضوح مفعمة بالمحافظين المخاصمين للتوجهات الليبرالية من رموز مدرسة التصدي 'لمؤامرة مفترضة' تحاك داخليا وخارجيا ضد البلاد ومصالحها وهويتها .
القلاب وهو الرئيس الجديد لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون التحق باللعبة مع نائبي الرئيس رجائي المعشر ونايف القاضي وقبل الجميع جلس في مقر المطبخ السياسي للرئاسة الكاتب الاسلامي المعتدل سميح المعايطة برفقة زميله عبد الله ابو رمان، وبعدهم اعاد الرفاعي بساعات قليلة انتاج طاقم مكتبه فابعد المدير العتيق لمكاتب الرؤساء يحي اسكندراني الى الامانه العامة لمجلس الوزراء ليجلس مكان المخضرم محمد الشريدة قبل اللجوء لشخص من خارج النادي التقليدي هو زهدي نزهة وتعيينه مديرا لمكتبه بعد استعارته من احدى مؤسسات الدولة المهمة .
الرابط بين هذا الفريق مكشوف تماما فجميعهم من رموز الخصام والاحتكاك بالجناح الليبرالي الذي كان مؤثرا في الحكم منذ عام 1999 وبعضهم صنف سابقا كمعارض لمشاريع الاصلاح والتغيير او كمشاغب حتى على توجهات ومشروعات الخط الملكي .
ما الذي يفعله الرفاعي بهذا التجميع للشخصيات المغرقة في محافظتها؟.. ولماذا يزرع رموزا من لون واحد بين جنبات الدرج الحكومي؟.. سؤالان طرحهما عضو بارز في البرلمان السابق وصديق لتجربة الرفاعي وهو يحاول التوصل الى استنتاج محدد يقرأ انحيازات المرحلة النخبوية وكلفتها الداخلية والخارجية خصوصا والرفاعي يتبع اسلوب التغير العاصف، فبعد الاستقرار باسابيع فقط بدا تغيير خارطة كبار موظفي الصف الثاني واقال الكثيرين وغير الملامح .
قريبا ستصل التغييرات لمواقع اخرى في جهاز الادارة العامة فوزير الداخلية نايف القاضي اقال دفعة حكام اداريين عين بعضهم فقط قبل اشهر ودون علمهم وعلى النار وجبة اقالات اخرى لحكام اداريين من كبار موظفي وزارة الداخلية وتغييرات في جهاز الاعلام ومؤسسات اخرى .
والحملة يتوقع ان تصل الى مناصب 'الامناء العامين' الذين يقودون عمليا جهاز الادارة الحكومي، واللافت ان الحاجة الملحة لرجل بمواصفات القلاب تطلبت تضحيته بمقعده الذي جلس عليه قبل ايام فقط في مجلس الاعيان لكي يدير مؤسسة التلفزيون .
وذلك لا يعني الا واحدا من سيناريوهين .. الاول الوصول لمستجدات استراتيجية غامضة تطلبت تجاهل كل الخيارات الاخرى والاستعانة بالقلاب حصريا كمنقذ محتمل لمؤسسة الاذاعة والتلفزيون.. والثاني عدم وجود استراتيجية اصلا من اي نوع لان القلاب اختير قبل نحو شهر فقط لعضوية مجلس الاعيان من قبل مطبخ ثلاثي وضع 'التركيبة'، بمعنى ان الرجل لم يكن مطروحا اصلا لموقع تنفيذي بل كان المطلوب ابعاده عن المواقع التنفيذية .
وعليه يمكن القول ان اختيارات الرفاعي لا تبدو مفهمومة للكثيرين لكنها بكل ترجيح تنطوي على حكمة او سياق ما وتثير في الوقت نفسه التساؤلات عن خلفية ترتيب هذه الاصطفافات خصوصا في المناطق التي تفترض عدم وجود كيمياء من اي نوع بين الرئيس وبعض من اختارهم لمواقع تنفيذية في الصف الاول .
بعض الحائرين يحلو لهم الارتهان لاول تفسير يخطر في بال محلل سياسي ويقول بأن بصمات الرفاعي الاب المحنك تبدو واضحة في انحيازات الابن، والبعض الآخر يتصور ان الرفاعي الابن لكي ينجح ويواصل مشواره المدعوم ملكيا قرر مسبقا 'اسكات ' اصوات يمكن ان تشاغب عليه او تزعجه او تحاول عرقلته عبر وضعها ـ اي الاصوات - في عربة الحكومة نفسها .
بكل الاحوال ومهما كان سبب هذه الاستقطابات لا بد من ملاحظة ان الرفاعي الرئيس يمارس حقه الدستوري والاداري في اختيار كبار الموظفين وان - وهذا الاهم - نخبة من اهم من يحملون لقب 'الاب الروحي' لكل حملات الاعتراض خلال السنوات العشر الماضية اصبحوا هم الحكام واصحاب القرار التنفيذي الآن .
بين هؤلاء بعض اشرس خصوم اللغة الاصلاحية المعتادة ومنهم من 'زاود' حتى على المؤسسة نفسها في مسألة الهوية الوطنية واغلبهم تكرسوا كمناضلين محسوبين على اليمين فكريا وسياسيا في التصدي لمشروعات مفترضة تخطط لاقامة الوطن البديل وتميزوا دوما بالصلابة في الدفاع عن خيار 'الاردن دوما وليس اولا '.
المفارقة يمكن بسهولة اصطيادها هنا فحشد المحافظين الاقوياء في الحكم والقرار الان محير الى حد ما لانهم كانوا سيتصدرون المشهد في الهجوم على الاصلاحيين المتوحشين لو اتجهت حكومة ليبرالية لقرارات غير شعبية من طراز اصدار قوانين مؤقتة وفرض ضرائب جديدة والتفكير برفع الدعم عن سلع اساسية لتعويض عجز الموازنة.. هذه القرارات يتخذها رموز الادارة الان من التيار المحافظ وتبشر بها الاقلام المحسوبة عليهم مع فارق بسيط وهو عدم وجود اصوات مرتفعة تتصدى لهم او تعارضهم في مفارقة لا يمكن ان تكون الا اردنية بامتياز .
السؤال يصبح اذا كالتالي: هل تنصيب رموز هذا اللون المقدر وطنيا كحراس لتجربة الرفاعي وشركاء فيها يعبر عن انحياز مطلق قررته الدولة ومؤسساتها في اطار مشروع التصدي لقوى الخارج والداخل التي تخطط لحلول سياسية اقليمية على حساب الهوية الوطنية الاردنية؟..ام ان الهدف من 'تصفيط' هذا العدد من المحافظين صغير وعلى مستوى تجنب اقلاق تجربة الرفاعي؟.. السؤال الثالث والاخير: هل المقصود العكس تماما بمعنى اطلاع معارضي الاصلاح والتغيير والدور الاقليمي على 'الوضع من الداخل' ثم مطالبتهم بالحلول او بالتمرير؟
هذه التساؤلات تبقى عالقة برسم الاجابة الى ان يتسنى للرفاعي اظهار المبرر لهذا التحشيد في فريقه الجديد ومن لون واحد فقط رغم ان جواب الرجل على اول سؤال تلقاه كان: حكومتي ليست ليبرالية ولا محافظة بل اردنية