صحيفة العرّاب

فصل الأطفال في دور رعاية الأيتام استحقاق تنظيمي يصطدم باعتبارات اجتماعية

ببراءة الطفولة المعتادة لم يتوقف الطفل محمد (اسم مستعار) 5 سنوات، عن طرح تساؤلات عدة عن سبب وجوده في إحدى دور الرعاية الايوائية الحكومية، بعدما أودعه والده فيها بصورة مؤقتة الى حين إيجاد حالة توافقية مع والدته، التي دفعتها خلافات عائلية الى العودة الى منزل ذويها ورفضها رعاية ابنها.

 حالة محمد لا تعتبر استثنائية بين منتفعي دور الرعاية من حالات التفكك الأسري، الذين يشكلون نحو 80% من منتفعي الدور، بينما يشكل 20% منهم فئات مجهولي النسب ومعروفي النسب من جهة الأم والأيتام، بحسب تقارير دورية سابقة لوزارة التنمية الاجتماعية.
 
 وإقامة أطفال حالات التفكك الأسري في دور الرعاية، والتي قد تمتد لفترات طويلة أو لسنوات بحسب حاجتهم للرعاية، تستند الى قانون الأحداث النافذ، أو لنظام رعاية الطفولة الذي يمنح الوزير صلاحيات الايواء في دور الرعاية لمن هم بحاجة الى حماية ورعاية.
 
 بيد أن تباين حالات الأطفال واختلاف احتياجاتهم في حجم ونوع الرعاية في دور الأيتام، أفضى بحسب وزيرة التنمية الاجتماعية هالة بسيسو لطوف، إلى خلق حالة من عدم التجانس بين منتفعي دور الرعاية رغم تنوع البرامج الرعائية، مضيفة في تصريحات إلى "الغد" أن وزارة التنمية بصدد نقل دار رعاية الأطفال مادبا في غضون 45 يوما، واعتماد منهجية جديدة في الفصل بين الحالات وفقا للأنماط الأسرية.
 
وفيما تعتبر تجربة الفصل هي الأولى بين دور الرعاية الحكومية والأهلية، بينت لطوف "للغد" أن اعتبارات تشريعية بموجب نظام ترخيص وإدارة دور رعاية الأطفال الإيوائية لسنة 2009، صنفت دور رعاية الأطفال الإيوائية إلى 5 أنواع حين عالجت مختلف حالات الأطفال. 
 
وأوضحت لطوف، أن "معايير الفصل على ضوء النظام الجديد تعتمد المعيار الزمني بشقيه المؤقت أو الدائم"، مضيفة أن "الرعاية المؤقتة لا تزيد مدتها عن ثلاثة أشهر، فيما تمتد الرعاية الدائمة لسنوات تختص فيها البيوت الأسرية وبيوت اليافعين حتى سن 18 عاما".
 
وفي الوقت الذي اعتمد استقبال الحالات في دور الرعاية على الفئات العمرية، فإن لطوف تعتبر أن آلية الفصل الجديدة بموجب النظام بين الأطفال، ستعتمد أنماط الحالات الأسرية في فئات الأيتام والتفكك الأسري والمعنفين وغيرهم، إضافة الى صلاحيات الوزير بصفته المعني بإنفاذ النظام الجديد. 
 
 في السياق ذاته، اعتبرت لطوف أن "اعتبارات اجتماعية رعائية جوهرها عدم تجانس فئة الأطفال الأيتام وفئة الأطفال المفككين أسريا في الخصائص"، "تستدعي تطبيق نظام الفصل الجديد بما يحقق تلبية احتياجات من هم بحاجة الى الرعاية الدائمة، أو الأطفال المفككين ممن بحاجة إلى الرعاية المؤقتة"، ليصار الى عودتهم إلى عائلاتهم ودمجهم فيها.
 
ويصنف النظام الجديد الدور الايوائية الى "دار رعاية مؤقتة" للأطفال في الحالات الطارئة من المفككين أسريا، و"بيوت أسرية" تختص باستقبال من حرم من رعاية أسرته الأصلية أو الأسرة البديلة حتى سن 12 عاما، إلى جانب بيوت اليافعين للفئة العمرية بين 12 -18 عاما، إضافة الى الدار العلاجية المختصة بحالات عنف الأطفال ودار الأطفال ذوي الإعاقة.
 
بدورها، اعتبرت مسؤولة ملف الأحداث في المركز الوطني لحقوق الإنسان المحامية كريستين فضول، توجه وزارة التنمية نحو الفصل خطوة إيجابية لمنح كل فئة حاجتها من الرعاية، مضيفة أن فصل الأطفال يأتي ترجمة للمادة 31 من قانون الأحداث النافذ، وتقضي بحماية ورعاية الأطفال ممن هم بحاجة ورعاية بإيداعهم إلى دور رعاية أو أسرة بديلة، وهو "ما ينسحب على حالات التفكك الأسري التي يتم تحويلها بقرار من محكمة الأحداث نظرا لحاجتهم الى الرعاية"، وفقا لفضول.
 
بيد أن فضول تشير أيضا إلى أن الإجراءات الجديدة، تستدعي في الوقت ذاته تطبيق برامج ومنهجيات موجهة لكل فئة ومراعاة خصوصياتها، في الوقت الذي اشارت فيه الى "ضعف" البرامج الموجهة لملتحقي دور الرعاية.
 
وفيما يعاني الملتحقون بدور الرعاية من مختلف الفئات، من "صد اجتماعي" ومشاكل في إعادة الدمج سواء لعائلاتهم أو مع شرائح المجتمع بحسب مختصين، فإن مديرة قرى الأطفال SOS لينا مولا، اعتبرت أن فصل الأيتام في دور الرعاية يستند بالدرجة الأولى "لاحتياجات الأطفال ممن هم بحاجة إلى حماية ورعاية"، إضافة الى الحاجة الملحة لاستحداث برامج خاصة موجهة لكل فئة.
 
وأضافت مولا أن تطبيق الآليات الجديدة ينسجب على "تصنيف" نوع الدور والرعاية المقدمة، مشيرة إلى ان تصويب أوضاع الدور على ضوء النظام وتحويلها لنظام البيوت الأسرية، يتطلب توفير إمكانات مالية وكوادر بشرية قد تتجاوز فترة العامين التي حددها النظام الجديد لتصويب أوضاع دور الرعاية.
 
وبينت مولا، أن استحداث دور للرعاية المؤقتة يهدف بالأساس الى تقديم الحماية للطفل المفكك أسريا، ليصار الى إعادة دمجه في أسرته الأصلية، بينما "قد تطول فترة إقامة عدد من الأطفال في حالات أخرى ما يستدعي دمجهم مع الحالات الأخرى بكل الأحوال".
 
وفيما تطبق قرى الأطفال نظام البيوت الاسرية منذ تأسيسها، أضافت مولا أن آلية الفصل في إطارها النظري مطلب تنظيمي لكل دور الرعاية، إلا أنها شددت على ضرورة عدم تمييز الملتحقين بدور الرعاية من مجهولي النسب حتى على مستوى التسمية الفنية للدور.
 
ولفتت مولا الى أن كثيرا من حالات التفكك التي استقبلتها دور الرعاية سابقا "بصورة مؤقتة"، تحولت الى إقامة "دائمة" لأسباب عديدة، من بينها فقر الأسر أو هجرهم لأطفالهم، مشيرة الى أن الدعوة بعدم التمييز في دور الرعاية بين الحالات يأتي خشية لما وصفته بإلحاق" "وصمة المجتمع" بالمنتفعين حيث ما تزال "نظرة المجتمع قاصرة وتتجه نحو الاقصاء"، بحسب تعبيرها.
 
وتتفق الباحثة الاجتماعية هناء العتر مع سابقتها، في ضرورة عدم الفصل بين مجهولي النسب على وجه الخصوص والحالات الأخرى من أطفال دور الرعاية "خشية الوصمة المجتمعية".
 
 وأضافت العتر التي عملت لسنوات في مجال رعاية الأيتام في وزارة التنمية، أن خبرتها في العمل الاجتماعي أظهرت "امتداد" فترات إقامة الأطفال في الدور حتى من حالات التفكك الأسري، حيث وصل بعضها لنحو 10 سنوات، "ما يستدعي تكثيف العمل في برامج التأهيل والتربية والرعاية تماشيا مع الحالات"، بحسبها.
 
أما الطالب الجامعي سعد، الذي قضى سنوات طويلة في احدى دور الرعاية بعد وفاة والديه، فأشار لـ"الغد" إلى أن وصمة المجتمع تلحق بالمنتفعين من مختلف الفئات، مضيفا أن "الحاجة الى التغيير في أنظمة دور الرعاية يجب أن تشمل برامج التأهيل الموجهة للأطفال، إضافة إلى توفير كوادر مؤهلة تستطيع تلبية احتياجات الأطفال، بخلاف ما لمسه في الدار التي عاش فيها، بحسب قوله. 
 
وتستقبل دور الرعاية الايوائية الحكومية الأطفال من فئة مجهولي النسب وحالات التفكك الأسري والأيتام، بينما تختص دور الرعاية الأهلية والتطوعية باستقبال حالات التفكك الأسري والأيتام.الغد