صحيفة العرّاب

خبراء: الإجراءات الضريبية الجبائية تضعف الاقتصاد وتهدد بتعميق الركود

الإجراءات الحكومية المتعددة الرامية إلى رفد خزينة الدولة بالمزيد من الأموال، والهادفة إلى الحد من عجز الموازنة، تصب في مجملها في خانة الـ "جبائية"، بحسب خبراء ومتختصين يحذّرون من ذلك في ظل الأوضاع الاقتصادية المحلية الصعبة، ومعاناة المواطنين من ضعف القدرة الشرائية وتدني مستويات المعيشة وارتفاع كلف الحياة.

 ويحذر خبراء من النهج الذي تتبعه الحكومة ومن تبعاته المتمثلة في إطلاق موجة جديدة من ارتفاع الأسعار ومزيد من اضعاف القوة الشرائية وبالتالي تعميق حالة الركود التي تعاني منها الأسواق، من دون تحقيق الهدف المتمثل بتحفيز الاقتصاد الوطني.
 
وكانت الحكومة، ضمن مشروع القانون الجديد للضريبة الذي أقر مؤخرا كقانون مؤقت، أعلنت توجهها لفرض ضريبة خاصة على البنزين بأنواعه يحدد مقدارها من قبل مجلس الوزراء، بما لا يتجاوز 25% من سعر بيع مصفاة البترول أو شركات التوزيع. وأن تلتزم مصفاة البترول وشركات التوزيع بتحصيل هذه الضريبة وتوريدها بموجب تعليمات تصدر لهذه الغاية.
 
وتفرض الحكومة حاليا ضريبة مقدارها 4% على البنزين الخالي من الرصاص أوكتان 90 و 16% على البنزين أوكتان 95.
 
كما كانت مصادر مطلعة أشارت مؤخرا إلى توجه الحكومة لاتخاذ قرار يقضي بإلغاء إعفاء 13 سلعة أساسية من الضريبة العامة على المبيعات، وهو ما يشكل تراجعا عن قرار سابق لمجلس الوزراء بتاريخ 2/1/2008 بإعفاء 13 سلعة غذائية من دفع الضريبة العامة على المبيعات وهي الحليب، والأجبان، والحمص، والسكر، وزيت النخيل، والعدس، ودقيق الذرة، والأرز، والذرة الصفراء، والشعيرية، والحنطة، والشاي، والبن.
 
الخبير الاقتصادي مازن مرجي يرى في "التوجهات الاقتصادية الأخيرة ابتعادا عن المنطق الاقتصادي والاجتماعي"، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الأردن.
 
ويؤكد أن الإجراءات التي تنوي الحكومة اتخاذها "تخالف النهج المتوقع منها والمتمثل بالسعي لتخفيف العبء على ذوي الدخل المحدود والمتوسط" والذين يشكلون غالبية عظمى.
 
ويشير مرجي إلى أن "الأوامر الملكية" القاضية بمراعاة ظروف المواطنين وزيادة دخولهم والتخفيف عنهم، مؤكدا أن توجهات الحكومة "تناقض ما نصّت عليه التوجهات والإرادة الملكية".
 
ويلفت إلى عجز الحكومات المتعاقبة عن توفير المزيد من فرص العمل وعجزها عن تحقيق إنجاز واضح في مجالات تخفيف نسب الفقر والبطالة، ما نتج عنه تدنّي مستويات المعيشة وتراجع الدخول وتراجع قوة الدينار والقوة الشرائية، "ما يعني بالضرورة أن أي إجراءات جديدة تقضي بإعادة فرض ضرائب أو رسوم جمركية يناقض المصلحة العامة ويخدم شريحة محدودة جدا على حساب المجتمع".
 
ويتوقع مرجي أن يؤدي النهج الحكومي الحالي إلى "إطلاق موجة جديدة من غلاء الأسعار" من ناحية فرض مزيد من الضرائب، إضافة إلى الأثر النفسي والاستغلالي للقرارات المذكورة، والذي سيدفع التجار لرفع الأسعار بحجة رفع الضرائب. 
 
كما يتوقع مرجي أن تتعمق حالتا الكساد والركود في السوق المحلية "في ظل ضعف القدرات الشرائية ومعاناة الأسواق من الركود أصلا".
 
ويقول مرجي "السياسة المتبعة ستسبّب اضعاف القوة الشرائية بدلا من تشجيع الاستهلاك، وهذه ضربة إضافية لأي فرصة للاقتصاد ليتحرك بإيجابية".
 
ويضيف مرجي أن التوجه لاتخاذ الخطوات المشار إليها يتزامن مع تمرير قانون الضريبة الذي حمل شعار تقليص عدد الضرائب، "وهذا تناقض كبير بين الإجراء والتشريع الذي اعتقد أنه تم تمريره بصورة غير دستورية"؛ إذ إنه يخفض الضرائب على قطاعات رابحة مقابل رفعها على شرائح أضعف.
 
وكان مجلس الوزراء أقر نهاية العام الماضي قانون ضريبة الدخل لسنة 2009 بشكله النهائي بحسب وزير المالية محمد أبو حمور، وأن يطبق القانون الجديد اعتبارا من مطلع العام 2010؛ بهدف التوصل إلى الدخل الخاضع للضريبة.
 
الخبير الاقتصادي منير حمارنة يؤكد أن الإجراءات المتعلقة برفع الضرائب، وإضافة ضرائب جديدة "لا تحفز الاقتصاد"، قائلا "القدرة الشرائية في البلد تراجعت كثيرا خلال السنوات الماضية وواضح في الأسواق، باستثناء المواد الغذائية، أن هناك موجه هائلة من تخفيض الأسعار تصل إلى 80% ورغم التخفيضات هناك ركود وضعف في المبيعات"، ويشير إلى تخفيضات كبيرة في المولات على سلسلة من المواد التموينية والغذائية؛ بسبب ضعف القدرة الشرائية، نتيجة قلة السيولة بين أيدي الناس.
 
ويرى حمارنة أنه من أجل الخروج من الركود "علينا أن نطوّر الطلب المحلي"، مؤكدا أن السياسة المتبعة من شأنها أن تخفض الطلب الكلي و"من دون تحفيز هذا الطلب لن نخرج من الأزمة ولا من الركود".
 
ويحذر من أن زيادة الضرائب على المحروقات، وأي رفع في الضرائب على سلع أساسية سيؤدي إلى موجة غلاء كبيرة، في وقت بدأت تظهر فيه ارتفاعات على الأسعار وبدل الخدمات مثل النقل ناتجة عن زيادات في التكاليف، وذلك من دون أن تقابل هذا الارتفاع زيادات مماثلة في الدخل.
 
ويقول حمارنة "تخفيض مستوى معيشة الناس بحجة مواجهة أزمة الموازنة وغيرها في البلد، سياسة لا تساعد على تخفيز الاقتصاد بل المطلوب البحث عن أساليب تحفيز الطلب المحلي".
 
ويدعو إلى البحث عن "سياسة تجلب مزيدا من الاستثمار" وتعمل على توسيع قاعدته في مواقع أكثر إنتاجية للدخل وتوليدا لفرص العمل، "وتأجيل كلّ ما عدا ذلك نتيجة الظروف المالية الحالية".
 
وعودة إلى قانون الضريبة المؤقت يقول المحامي عبد الرحيم الحياري إن الأصل في التشريعات التي تفرض ضرائب أن تراعي حاجة الدولة إلى المال ومقدرة المكلفين على الدفع عملا بالمادة 111 من الدستور.
 
ويضيف "إلا أن هناك توجهات لرفع وزيادة الضرائب مؤخرا بصورة كبيرة خصوصا في ظل غياب مجلس الأمة"، مشيرا إلى إصدار الحكومة قوانين مؤقتة لضريبة الدخل، وآخر معدل لقانون الضريبة العامة على المبيعات بصورة مخالفة للدستور، شارحا أن الحكومة سبق وعرضت مشاريع القوانين على النواب وسحبتها قبل حل المجلس بسبب رفض بعض بنودها.
 
ويقول "إصدار تلك القوانين كقوانين مؤقتة خروج على الدستور الذي لا يجيز إصدار مثل هذه القوانين إلا في حالات اضطرارية وطارئة لا تحتمل التأخير، وهو أمر غير متوفر في فرض هذه القوانين المؤقتة"، فالحكومة تعد تشريعات ضريبية منذ سنوات ولم تخرجها إلى العلن إلا بعد حل مجلس النواب، متسائلا "أين كانت الحكومة خلال الفترة السابقة؟". الغد