صحيفة العرّاب

«شتوية التوجيهي» .. مسلسل أخطاء بدأ بأسئلة في الامتحانات وانتهى بالنتيجة

عانى امتحان شتوية التوجيهي من سوء حظ رافقه منذ اليوم الاول واستمر حتى ساعة اعلان النتائج بطريقة دراماتيكية لا يمكن توقعها.

 وشهدت "شتوية التوجيهي" اخطاء كارثية غير مسبوقة في تاريخ الامتحان ما ادى الى ارباك الطلبة ومضاعفة اجواء التوتر والقلق في محيطهم وسط سلبية الوزارة في التعاطي مع الاشكاليات التي برزت في طريق الامتحان منذ يومه الاول بطريقة كانت اقرب للاستعلائية منها الى الواقعية والموضوعية.
 
ويعد الخطأ الذي رافق اعلان نتائج التوجيهي امس "الكارثة" الثانية للوزارة بعد الكارثة الأولى التي حصلت في عام 2003 والتي سربت فيها أسئلة امتحان الرياضيات.
 
ومنذ اليوم الاول للامتحان تفجرت في وجه وزارة التربية والتعليم "فضيحة"الخطأ في سؤال العروض لمبحث اللغة العربية ، مرورا بامتحان الرياضيات ، وليس انتهاء بامتحان اللغة الانجليزية.
 
ولوحظ هذا العام منذ بداية امتحان الدورة الشتوية ورود الكثير من الشكاوى على بعض المباحث منها خاصة امتحان اللغة العربية من مادة العروض ، والفيزياء للفرع العلمي والرياضيات والانجليزي حيث ان غالبية الشكاوى كانت تتلخص حول وجود احد الاخطاء في احد فروع الاسئلة لا تتجاوز علاماته العلامة او العلامتين ، في حين ازدادت الشكاوى تجاه طبيعة الاسئلة من ناحية المستوى العام للاسئلة ومدى ملاءمتها لمستوى الطلبة وكذلك عدم كفاية الزمن المقرر للامتحان.
 
ويسجل لامتحانات "شتوية التوجيهي" تميزها في ضيق الوقت لكافة المباحث لكن الوزارة رفضت الاعتراف بذلك واعتبرت شكاوى الطلبة متكررة وشيئا طبيعيا في ظل الضغط النفسي والاجتماعي الذي يعيشه الطلبة.
 
وبررت الوزارة شكاوى ضيق الوقت بان الزمن المقرر لعقد الامتحان كاف لجميع المباحث حيث يتم حساب الوقت من قبل مختصين في القياس والتقويم وان فكرة زيادة الوقت المقرر للامتحان حسب المبحث لا يمكن الحديث بها لانها تراعي مستوى جميع الطلبة حيث يعطى كل سؤال الوقت الكافي للاجابة عنه مع مراعاة فترة التفكير في السؤال وان امر زيادة الوقت غير جائز لان الامتحان يقيس قدرات الطلبة كما انه يعتبر امتحانا تحصيليا بوقت محدد.
 
واوضحت الوزارة ان آلية احتساب الوقت المقرر لامتحان الثانوية تتم من خلال ادارة الامتحانات حيث تقوم بتشكيل لجنة واضعي الاسئلة الذين يعملون على تحليل المنهاج والكتاب المدرسي من خلال تحديد المهارات التي يجب ان تقاس ، وتحديد مستوى المهارات ، المعرفي والفهم منها ، والقدرات العقلية العليا والتطبيق والتحليل والمشكلة ثم الحل ثم تقوم اللجنة بمرحلة تصنيف جميع وحدات الكتاب وتتم بالتالي عملية اختيار الاسئلة التي يجب ان يكون منها 50 بالمئة ضمن مهارات المعرفة العقلية المتدنية والفهم ، و 30وبالمئة لمستوى التطبيق "تطبيق المعرفة" ، و 20وبالمئة لقياس المهارات العقلية العليا.
 
وجاء الخطأ في امتحان الرياضيات ليضع عنوانا بارزا حول الامتحان بشكلة العام عندما كشف اساتذة الرياضيات في المدارس والجامعات وجود خطأ ورد في السؤال السادس فرع (أ) لإمتحان مادة الرياضيات المستوى الثالث للعلمي وتبين أن الجواب في هذه الفقرة كان لا بد أن يخرج بقيمة عظمى مطلقة وليست عظمى محلية كما توصل إليه بعض الطلبة بناء على السؤال لان من المفروض في السؤال ان تكون فترة الحل مغلقة (من صفر لـ 10 ) ولم تكن هناك فترة في السؤال ما ادى الى الخروج بجواب غير منطقي وارباك في الاجابة لان القيمة يجب ان تكون عظمى مطلقة.
 
ولعل الاشكالية المثيرة للانتباة في ملف"شتوية التوجيهي"هي المتعلقة بآلية تصحيح المباحث وما يرافقها من مزاجية المصحح في التعامل مع الاجابات النموذجية عند مقارنتها باجابات الطالب .
 
تعتبر عملية التصحيح من اهم مراحل الامتحان واخطرها وهي قياس اداء .. ومن قمة اصدار الحكم على الاداء وهي امانة ومسؤولية معا غايتها التقدير العادل لاداء المشترك .
 
وبالرغم من ان الوزارة تقول ان عملية التصحيح تخضع الى 26 خطوة الا ان خبراء يشيرون الى اخطاء تحدث في هيكلة العملية برمتها من حيث ضغط العمل على المصحح .
 
واثار امتحان الانجليزي اشكالية في صفوف الطلبة عندما اشتكى عدد منهم من صعوبة وضيق وقت امتحان اللغة الإنجليزية المستوى الثالث لجهة أن بعض الأسئلة كانت تحتمل أكثر من جواب.
 
ولم يتوقف مسلسل الاخطاء في مشهد "شتوية التوجيهي" فقد جاءت الية اعلان النتائج هي الاخرى لتزيد من الضغوط النفسية على الطالب وذوية.
 
وبعد ثلاثة أسابيع طويلة من القلق ، والتوتر ، والضغط النفسي الشديد الذي يصاحب فترة اعلان نتائج التوجيهي من كل عام ، خرجت الوزارة بالية غير منطقية لاعلان النتائج بعد ان اشاعت توترا اضافيا على الطلبة وذويهم فيما يتعلق بموعد اعلان النتائج.
 
وتتباين الاراء حول أفضل الأنظمة التعليمية وأنجعها للتعامل مع التوجيهي بيد انها تجمع على أن الهالة التي تأخذها العملية برمتها تسبب حجما هائلا من الضغط النفسي والتوتر عند كل أطراف العملية التربوية بدءا من الطالب ومرورا بالأهل وانتهاء بالمعلم والوزارة ، ويجمعون على ضرورة تغييرها والتخفيف من حدة التوتر المصاحبة لها.
 
ولم يتردد الدكتور حسين الخزاعي استاذ علم النفس في التعبير عن امله بأن يعلن وزير التربية والتعليم وهو يعقد مؤتمره الصحفي لاعلان نتائج الامتحان ان يعلن ايضا عن السلبيات التي صاحبت تقديم هذا الامتحان والايجابيات التي حققها ، وهل استفادت الوزارة من كافة الملاحظات التي تناولتها وسائل الاعلام حول هذا الامتحان لتلافيها مستقبلا ، موضحا ان وزير التربية الدكتور ابراهيم بدران لا تنقصه الجرأة ليتحدث بشفافية عن مجريات الامتحان وخطط الوزارة المستقبلية لتذليل الصعوبات والسلبيات التي صاحبت العملية برمتها.
 
ودعا الدكتور سمير أبو مغلي أخصائي التربية وعلم النفس الى تغيير نظام امتحانات التوجيهي بأكمله فهو كما قال ل"الدستور" يتبنى ما طرحه وزير التعليم العالي الدكتور وليد المعاني في ضرورة تسهيل وتيسير هذا الامتحان وربما تطبيق نظام الامتحانات البريطاني الـ اة الذي يقوم على تقسيم المواد على أربعة فصول والمادة التي يقدمها الطالب لا يعود لتقديمها ثانية ، اضافة الى أن الطالب يقوم بدراسة المواد المتعلقة بالتخصص فقط ولا يقوم بدراسة الكثير من المواد الدراسية غير المرتبطة بالتخصص الذي ينوي الطالب دراسته في الجامعة.
 
واشار أبو مغلي الى الهالة الكبيرة التي تصاحب التوجيهي ونتائجه موضحا انه يتم اعلان حالة من الاستنفار عند الاعلان عن النتائج ويتم جمع كوادر وزارة التربية والتعليم اضافة الى الوزير في مؤتمر صحفي يضفي هالة من الجدية الزائدة تهدف بالدرجة الاولى الى اعطاء اهمية ومصداقية كبيرة للامتحان ونتائجه.
 
الطالبه سارة مأمون عيسى وهي متفوقة حصلت على معدل %94 في نتائج "شتوية التوجيهي" قالت إن العملية برمتها "متعبة" و"تتسبب للطالب بضغط نفسي وتوتر شديدين" وتجعله يعيش فترة انتظار النتائج بأجواء انفعالية وقلق لا ينتهي الا بظهور النتيجة.
 
وطالبت بأن يتم تدارك الأخطاء التي وقعت في وضع الأسئلة أو في الاجابات النموذجية حتى لا يصبح الامر وكأنه عقوبة للطالب وأهله.
 
وقال والد الطالبة سارة وهو مهندس كهرباء يدرس في مدارس وزارة التربية لما يقرب من عشرين عاما انه رغم التطور التكنولوجي الكبير الذي طرأ على وسائل الاتصالات الا أن عملية نشر نتائج التوجيهي لا يبدو أنها استفادت كثيرا منها والتصحيح يأخذ ثلاثة أسابيع طويلة لا داعي لها لو أن وزارة التربية قامت بتوفير الأجواء المناسبة للمصححين - من دورات مياه نظيفة وتدفئة وتعويضات مالية مجزية - كي يتمكنوا من اكمال التصحيح في يوم واحد أو أكثر قليلا ومن ثم عرضها في أي وقت تصبح فيه جاهزة ليلا أو صباحا حتى لا يزيد التوتر والقلق الذي يتعرض له الطلبة والأهالي.
 
معاذ زكارنة طالب في التوجيهي شكا من الضغط النفسي الكبير الذي يصاحب الاعلان عن نتائج التوجيهي للطالب والأهل ، وقال انه بعد التأجيل لعدة مرات كنا في كل مرة نتوتر وترتفع درجة التأهب النفسي لنا وللأهل الى ظهور النتائج رسميا والتي لا تشكل نهاية المطاف بل تبدأ عملية توتر جديدة وضغط نفسي لا ينتهي الا بانتهاء النتائج تماما والدخول الى الجامعة.
 
وأيد زكارنة الأسلوب المتبع حاليا أي أسلوب الفصلين الدراسيين "لكونه يعطي الطالب فرصة ثانية للتحصيل الجيد في حالة ما كانت الفرصة الأولى غير مرضية مطالبا بالابقاء على هذا النظام في الوقت الحالي لأنه حسب رأيه يعتبر النظام الامثل والى أن يتم استحداث نظام آخر يشتمل على كل ايجابيات النظام الحالي ويزيد عليه من تخفيف حالة الاحتقان التي يتعرض لها الطالب والاهل".
 
ودعا الدكتور حسين الخزاعي الطلبة الى التعامل مع النتيجة بواقعية والبعد عن مظاهر المبالغة في الفرح لمن حالفه الحظ في النجاح والبعد عن كل السلوكيات التي تؤذي الاخرين وتزعجهم وخاصة اطلاق الاعيرة النارية او السرعة الجنونية مما يعرضهم للخطر وخاصة في ظل هذه الاجواء الماطرة ، ومراعاة مشاعر الزملاء والاقارب والجيران الذين لم يحقق ابناؤهم معدلات جيدة.
 
وقال نحن والحمد لله نعيش في اروع صور التكافل والتراحم بين افراد المجتمع ، اما الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في تحقيق المعدل المطلوب فانصحهم "بعدم المبالغة في الحزن والندم" حيث أن هذه النتيجة ليست نهاية المطاف ، فدورة الحياة لا تنتهي بالاخفاق في امتحان مشيرا الى ضرورة بذل المزيد من الجهد لتجنب الوقوع في الاخطاء وتجاوزها في الامتحان القادم.
 
ودعا في حديثه لـ"الدستور" جميع الاسر ان تأخذ في الاعتبار قدرات ابنائها ومستوى تحصيلهم العلمي قبل ان تطلب منهم تحقيق المعجزات ، وألا يتحول طالب التوجيهي في الاسرة الى موضوع"تنافسي"بين الاسر والاقارب والجيران وبالتالي نضع الابناء بين رحى الطاحونة"رحى القلق والخوف من عدم احراز المعدل الذي يرغب به الاهل ، وطاحونة القدرات العقلية والتحصيلية والتوتر الذي يتعرض لها أبناؤنا الطلبة عند تقديمهم للامتحان" ، وبهذه الحالة فان القلق والخوف والمبالغة من الابناء في تقديم الامتحان بشكل ممتاز سيكون سيد الموقف وبالتالي لا تكون النتيجة دائما مرضية. الدستور