بقلم الاعلامي ... بسام الياسين
" لمن لا يجدون قوت يومهم،و ارواح من ذهبوا ضحية غازات مدافيء بدائية،وقودها نعال مهترئة اهدي مقالتي"
صديقي الاثير" سلامة "،حلو المعشر،صافي النية،حاضر البديهة،سريع النكتة،لكنه ذو طبعِ وسواسي.اصحاب هذا الطبع يتميزون بالدقة،النظام،النظافة،احترام الوقت،الثبات على الافكار.صادقون لكنهم مزعجون.ثابتون على مواقفهم متصلبون في ارائهم ،متعصبون لمبادئهم،متشددون بما يؤمنون ." الغلطة معهم بكفرة".بعدها،لا غفران عندهم ولا توبة. رغم صرامة "سلامة" التنظيمية،الا انني استغربت تعليقه صورة بالمقلوب داخل برواز حديدي "مصدي".اضلاعه على شكل قضبان،تماثل نوافذ سجن الباستيل الشهير،وكأنه ينفذ فيهم حكم إعدام بالتعزير صادر عن محكمة ميدانية شعبية.لذلك اختار للصورة مكاناً لافتاً في الصالون ليس شغفاً بها،بل ليفضخ شخوصها. زيادة في الفضيحة،سلط عليها ضوءاً كاشفاً لتبقى في مرمى الضوء على مدار الساعة.صورة قديمة مهترأة الاطراف لا تساوي "انتيكة"، تعود لايام الابيض و الاسود،تظهر فيها الوجوه على حقيقتها،قبل تجميلها بالالوان،وستر عيوبها "بالفوتو شوب"،لكنها بالنسبة لـه، تحفة لا تُقدّر،و كنز لا يثمن .
تعليق الصورة بالمقلوب هو الشيء الوحيد النشاز في بيت"سلامة". صورة مناقضة لكل ما فيه من تنسيق. لوحات ليست ثمينة لكنها رائعة،الوان متناغمة،موسيقى هادئة تكاد تنبع من الجدران.ما يعني انه تعمّد تعليقها بهذا الوضع الانقلابي عن سابق قصد،قاصداً شد انتباه زواره اليها،وإرسال رسالة صارخة لهم:"شوفوا الزلم كيف رافعة ارجلها ". تحليلي الاولي ان رفع سيقانهم ،سببه حقد شخصي دفين عليهم او غِيرةٌ منهم.وهناك احتمال ضعيف، ان صراعات عائلية على الزعامة ، فانتقم منهم بهذه الطريقة الرمزية.
لفتُ انتباهه للخطأ.هز راسه قائلاً: بل هو الوضع الصحيح لهذه "الاشكال". ازداد استغرابي و ادركت ان المسألة اكبر مما اتصور،نظراً لاجابته الانفعالية،ونبرته الحادة .ازداد فضولي اكثر لمعرفة شخوصها.فاستئذنته بالاقتراب منها،لاكتشاف ملامح "الاشكال"بصورة جلية.انقلب استغرابي الى دهشة صاعقة.جُلهم شخصيات عامة تبوأت مراكز متقدمة.بعضهم ترأس مراكز حساسة.الصورة / المشهد تؤرخ لمرحلة زمنية تجمع خلطة متنوعة من مناضلين قدماء،وثوريين حملوا السلاح،و تزنروا بالقنابل،وتشكيلة اخرى من الوان المعارضة شيوعيين،قوميين،بعثيين،اسلاميين،مستقلين،مُتسلقين،قادة راي،سجناء سياسيين،مع إختراقات بضعة وصوليين، ومخبرين في طرف الصورة السفلي .
صورة جادة تنطق بان صفوفهم كانت ـ ايام الزمن الجميل ـ متراصة،ايديهم متشابكة،عيونهم شاخصة لمستقبل واعد.كلهم على قلب رجل واحد.زيادةً في التركيز،طوّق " سلامة " رؤوسهم المقلوبة بدوائر حمراء،ولما سألته عن سر الدائرة قال لي ضاحكاٌ: "هؤلاء ضحكوا علينا، باعوا المعارضة بكندرة،وقبضوا حقها وظيفة معتبرة على حسابنا،ثم صاروا حكوميين اكثر من الحكومة،وزادوا عليها لاثبات ولاءهم،والتبرؤ من ماضيهم ،بإدعائهم انهم من مواليد "الدوار الرابع"،تمت الولادة على يدي مستشار حكومي،و باشراف شخصية امنية لاعطائهم شهادة خلو من الامراض الحزبية،و الافكار السارية . اردف قائلاً :تصور ان رؤوسهم قاسية،سقطوا، من عَلٍ دون ان يُصاب احدهم بارتجاج دماغي،رغم صدمة السقوط الاخلاقي،وشدة الارتطام السياسي.مسافة فلكية بين ما كانوا عليه،وما آلوا اليه. نقلة موجعة لهم ومربكة لغيرهم .فالانحراف360 درجة عن المعتقد، والانقلاب على الفكر ليس سهلاُ. مجرد تغيير مخدة نوم يؤرق صاحبها،فكيف تغيير مبدأ،والقفز عليه الى نقيضه.هؤلاءـ صبأواـ / " تخلوا عن معتقداتهم ودانوا بدين الحكومة" / ، ثم اخذوا يدافعون عنها بفروسية صحابة رسول الله في فجر الاسلام، مع ان البون شاسع بين اؤلئك رضوان الله عليهم،وهؤلاء لعنة الله عليهم.
اضاف " سلامة " وهو يرتجف، كانه يسير على غير هدى، في ساعة مبكرة فوق جليد العاصفة " هدى" حافي القدمين، بحثاً عن مأوى يعصمه من برد قارس،ويطعمه من جوع قاتل:"يا اخي افهمني" مشكلتنا ليست مع هؤلاء الناس،لان السياسة عندهم دعارة، لقبض ثمنها عندما تنضج التفاحة، وتسقط في احضانهم "مستوية". والتحزب تجارة لكسب "وظيفة مجزية". انظر اليهم...دقق في سحنة كل واحد فيهم،تجدها تشي بمكر ثعلب وجبن ارنب.ان واحدهم على استعداد ان يبيع امه في مناقصة علنية بسوق النخاسة من دون ان يذرف عليها دمعة.اللافت ان ثمن الواحد في ميزان الحكومة لا يتجاوز هبرة او عظمة مجرومة تحتاج لاسنان "كلب" قاطعة لنتش ما بقي عليها من لحمة. هؤلاء و اثقناهم ثقة عمياء، وتبين انهم غيرُ موثوقين،ولا اهل ثقة،رغم تدثرهم بمعاطف وطنية كاذبة،و اقنعة مزورة.صنف اخر من العاطلين عن الوطن،لا يقل ضِعَةً وضياعاَ عمن سبق ذكرهم،اولئك الذين يرتدون جلابيب اباءهم القديمة، لهبش ما تصله اياديهم من "غنائم محرزة" من مال الدولة...مالنا. لكنهم لا بارك الله فيهم، اثبتوا لنا بعد طويل مواطنة عقم وهمنا، ان مالنا... ما لنا فيه حق ،أي ما...لنا ـ مش لنا ـ،يعني بالاردني الفصيح، مالنا شيء في الوطن سوى التصفيق لإولي الامر،وانتخاب النواب،ودفع الضرائب ثم الشكوى لله و للبث المباشر.
قلت يا سلامة : ان لم تكن لك مشكلة مع هؤلاء، فاين هي المشكلة ؟!.رد بانفعال وبصق بلغماّ اسود من فرط التدخين في منديل ابيض:مشكلتنا مع الدولة التي دللت هؤلاء،مع ان واحدهم لا يساوي "نيرة" في سوق الحلال ايام عيد الاضحى ،لان لحومهم هرشة،عظامهم هشة .لكن دولتنا الكريمة اعطتهم اكبر من احجامهم،رغم انهم لا يختلفون عن ادنى الناس.نَعَّمتهم بسلب نعمة الناس المحتاجين.منحتهم هالة مشرقة مع ان وجوههم فاحمة .صرفت بالهبل على رفاهيتهم وحرمت مستحقي المعونة الوطنية من ضرورياتهم.
هل تدري ان ميزانيتنا المتهالكة منذ ثلاثة عقود،هي جيوب المواطنيين المثقوبة،بينما بعضنا يرتدي اكفاناً بلا جيوب.تراهم امواتاً كالاحياء يجوبون الشوارع،يعيشون بين ظهرانينا من دون ان نحس فيهم،بينما المتنعمون بالمال العام، بلغ بهم ترف العلاج خارج البلاد كلما اصابهم نزلة برد، في وقت يموت ـ غالبية الشعب ـ من شدة البرد،وزادوا برد الناس برداً عند تساقط الثلوج، بوقف دعم المحروقات عن الفقراء، فيما يزيدون رواتبهم بما يوازي رواتبنا الهزيلة التي نقتات عليها.مفارقة ما بعدها مفارقة،صرفوا الآف الدنانير لتجميل اسنانهم النخرة في ارقى العيادات الاوروبية،فقط ليحصلوا على ابتسامة هوليودية ساحرة،وشفطوا الدهون المتراكمة على اردافهم،والقوها في مجاري اوروبا،وعادوا ليعاودوا حقنها من جديد على حسابنا.فاتورة التجميل،الاقامة،الذهاب الاياب بالدرجة الاولى ناهيك عن الهدايا،قادرة على تغطية نقص عيادات مراكزنا الصحية ومستشفياتنا الخالية من الادوية الضرورية.
المشكلة ان الدولة زرعت في عقول نفر من المرتزقة انها: "دولة الغنيمة" حتى صار كل مغامر يطمع فيها بهبشة،مع انها مفلسة و مديونة. انا "سلامة" المواطن الكحيان: اتحدى الحكومة،ديوان المحاسبة،مكافحة الفساد،مجلس النواب،المعارضة،العدالة، القانون ،تطبيق قانون من اين لك هذا ؟. على شريحة صغيرة من الحرامية،وسترى العجائب السبعين لا السبعة. سيدي: الصف الاول مثقل بالاثام والمال الحرام . الغريب المستغرب ان تستغرب،بعد هذا الانحدار في القطاع العام،وغربة المواطن في وطنه. ان الوظيفة "الدسمة" تُصرف كجائزة ترضية لمن لا يستحقها من "اولاد النخبة"، و المنصب الرفيع اصبح دابة مدجنة،وهدية تُهدى كالخيل المطهمة،لمن يرغب ان يعتلي ظهرها،رغم ان المُهدى اليه احوج الناس لمن يركبه ويقوده،لقصر نظره السياسي و فقره الاداري و ضعفه القيادي.
اعطيك مثلاً واقعياً،مدير يدير "مؤسسة كبيرة"، يتمرجل على من حوله ليغطي ضعفه ويستر عُقده،لكنه يعجز عن ضبط سلوكيات "عائلته الصغيرة".كيف تركب هذه المعادلة اللامتوازنة.اليست هي الاخرى صورة مقلوبة، فضيحة مجلجلة؟!. باختصار احوالنا شوربة.نخبتنا مبهدلة.سبب البهدلة ان بلدنا تحول الى لعبة "للمتحولين" ممن انقلبوا على ذواتهم،ثم قادوا غزوة الانفال على الوطن، لجمع ما تيسر لهم من غنائم،وما تطوله اياديهم من اموال.
انت صغير عليها !
كفى عرطاً.اخرج من هذه اللعبة. "إني لك من الناصحين".لعبة اكبر من مقاسك.لا تلعب دوراً لا يليق بك.لعبه النفوذ،السلطة،متانة الشخصية،القيادة، مواصفات لا تنطبق عليك وعلى اشكالك. خدعة لا تنطلي علينا،بل على البلهاء امثالك. انت مأزوم من قمة رأسك حتى قاع نعلك.لا اخجل حين اقول لك من ناصيتك حتى ذيلك. مهزوم انت لو تقنّعت بالف قناع . انت شخصية مهزوزة ضحلة. ثيابك الفضفاضة المستعارة،لا تجعل منك غيرك،لكنها قطعاً ستعرقلك ،لانها ليست لك. من الاخر : " ستجيب آخرتك". ارجع الى رشدك قبل ان يستغنوا عنك، يضعوا ارجلهم بظهرك، يدفشوك حينما ينتهي امرك. يدلقوا ماءً "مصقعاً" على قفاك.لا تحسّبن نفسك فريد عصرك .الكل سيكسر الف جرةٍ خلفك.عندها ستدرك انك ـ كنت تطارد خيط دخان ـ،وسترجع الى بيتك يا ولدي ـ مكسور الوجدان ـ وستعرفُ انك لم تكُ الا احدَ الخصيان.الوظيفة، لم تدم لاحد من قبلك." لو دامت لغيرك،ما وصلت اليك"!. انصحك لوجه الله تعالى، لا ابغي منك جملاً ولا بيضة،ان تكسر على انفك بصلة ،لعل حاسة الشم تستفيق عندك.تشم ما حولك،بعد ان توقف شمك، وتصحو من اغفاءتك...او لعلها تستفز نخوتك :" قال فاخرج منها فانك رجيم وان عليك اللعنة الى يوم الدين"...صدق الله العظيم.
قبل الطبع !
*** ان كنت تظن انك داهية عصرك،فيلسوف زمانك،تأتي بما لم تستطعه الاوائلُ، او تحسب نفسك انك سياسي بارع،محاور لامع،اقتصادي ساحر، يُحوّل الخسائر الى غنائم في مدينة كلها بهائم.فاعلم انك بهيمة البهائم.