حضر "الديجتال" بكامل بصماته مع ملفات اخرى ساخنة في النقاش الذي دار في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة مساء الاثنين الماضي وامسك بدفته الامين العام لحزب الجبهة الاردنية الموحدة امجد المجالي وضبط ايقاعه الوزير الاسبق عبد الحافظ الشخانبة, وختمه رئيس الجمعية سمير الحباشنة بالدعوة الى تشكيل فريق ملكي يراجع السياسات العامة للدولة على غرار لجان الميثاق الوطني.
الحضور من اعضاء الجمعية وضيوفها جاءوا ليستمعوا إلى حديث الوزير الاسبق المجالي حول قضايا الوضع الراهن في الاردن لكن ملفات الماضي تسللت الى ساحة الحوار بلا استئذان خصوصا ملف "الكازينو" الذي اعيد نبشه اعلاميا قبل اسبوع ليعود الى واجهة النقاشات الوطنية كملف دوار من حكومتين سابقتين كلف خزينة الدولة ثمنا باهظا.
في الندوة تحول الحديث الهامس وراء الكواليس الى طرح جريء مباشر اشار الى مكامن الوجع في الجسد الوطني وطال النقد عددا من المؤسسات الرسمية وكذلك المحاضر المجالي شخصيا ولكن الروح "الرياضية الوطنية" سادت الموقف.
الديجيتال مجددا
المجالي استبق محاضرته بمقدمة شاعرية قال فيها "اي حديث عن شأن وطني يجب ان يكون من منظور مصالح الوطن.. فنحن نعيش في رحاب وطن احتضننا واحتضناه.. اجزل عطاءه لنا وفاخر بنا الدنيا كما يفخر الاب بابنائه فالوطن كرمنا وكرامتنا"
وذهب المجالي الى الحديث عن التحديات التي يواجهها الاردن وابعادها فقال "انها تتمثل محليا ب¯ "مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية وامنية جاءت افرازا لاجندات خارجية ولفريق اغرقنا بمشاريع غريبة اعادت صياغة العقد الاجتماعي وعملت على تحجيم مجلس الوزراء والاجهزة الامنية والغاء دور الدولة في الرعاية الاجتماعية وفكفكة مؤسساتها"
وعاد بالذاكرة الى فترة وجوده في الحكومة مستعينا بشهادة سمير الحباشنة الذي زامله في المقعد الوزاري كوزير اسبق للداخلية فقال " عندما كنا في الحكومة تمسكنا بالمادة 45 من الدستور الاردني التي تشير الفقرة الاولى فيها ان (الولاية في الشأن الداخلي والخارجي لمجلس الوزراء) وكان لنا موقف لم يتغير في البرلمان والاعيان وتصدينا لاكبر مؤامرة استهدفت اضعاف هذا الوطن وهي تحويل الاردن من كيان سياسي الى كيان اقتصادي وفكفكة الارتباط مع المشروع النهضوي, وفي الوقت الذي كان هناك فريق يدفع باتجاه التعامل مع الدولة كشريك وليس كوطن, والمواطنة بالنسبة له لا تعني شيئا "
وهاجم المجالي "الخصخصة المطلقة" فقال" لسنا ضد الخصخصة ولكن هناك مؤسسات كبرى يفترض ان لا تخصخص مثل الفوسفات والبوتاس والاتصالات,ومن اشترى الاتصالات شركة حكومية رسمية فرنسية ليست من القطاع الخاص"
وتابع المجالي "مجمل هذه الظروف ادت الى تراجع دور الدولة وتهميش دور الحكومة وافقار المجتمع بالتزامن مع ازمة اخلاق (فساد) ادى الى اضعاف الدولة والحكومة عبر مشاريع وعطاءات مشبوهة"
اتفاقية الكازينو
وافرد المجالي في حديثه مساحة واسعة لاتفاقية الكازينو واصفا اياها بالجريمة التي تعدت على الدستور وسيادة الدولة مبينا بان "الكثير لا يعرف تفاصيلها وتشترك فيها حكومتان الاولى اجرت مفاوضات سرية والزمت الخزينة بما لا يتجاوز مليار واربعمائة مليون باتفاقية غير دستورية,والثانية ادعت انها جمدتها واشعرتنا انها كانت المنقذ الاعظم لكن دون أي إجراء واقعي"
واشار ان "الاتفاقية استندت الى قانوني (ويلز وانجلترا) وهذا مساس بالسيادة الوطنية ومن وقع الاتفاقية كان واجهة بالوكالة لشركة دولية وحصل على 100 دونم في البحر الميت و50 دونما في خلدا بعمان وتنازل عن الصفقة"
وكشف المجالي عن اتصالات مع وزير العدل الحالي ايمن عودة الذي كان وزيرا في الحكومة السابقة - وهو غير مشكوك بنزاهته حسب المجالي-للاستفسار عن وضع الاتفاقية الدستوري وكان رد الوزير "الاتفاقية كانت دستورية لكن كان من الافضل استشارة النواب"
ولكن المجالي عبر عن قناعته بعدم دستوريتها استنادا الى المادة 33 من الدستور, مستشهدا ببحث اجراه الدكتور محمد الحموري حول هذا الموضوع خلص فيه الى عدم دستورية الاتفاقية.
وهاجم المجالي المسؤولين الذين احالوا عطاءات لانفسهم او لزوجاتهم في عهد الحكومة السابقة دون ان يحاسبوا وقال " نحن سجلنا موقفا لرئيس الحكومة السابقة بالغاء العطاءات ولكنه سجل على نفسه ابقاء المسؤول مكانه دون تغيير"
وتابع المجالي"الفريق المتنفذ ما زال يسعى الى تحويل الاردن الى منطقة حرة تذوب في اطار هويات فرعية وبالتالي تصبح الغلبة للشريك الاستراتيجي والاغلبية الساحقة للشعب تصبح عمالا في خدمة هذا الشريك الاجنبي وهو استعمار من نوع جديدة, وهذا يؤكد ان ما يجري من سياسات لهذا الفريق ليست بمعزل عن سياسة دولية تهدف لفكفكة المنطقة العربية"
ملفات محلية
وتابع المجالي الحديث عن الملفات المحلية مشيرا الى موضوع اللامركزية فقال انها "صيغة جيدة تخرجنا من دائرة الانا والشخصنة ولكن تطبيقها يتطلب تغيير ذهنية وتأسيس وعلينا ان نتروى حتى لا يكون مصيرها كالمصطلحات الاخرى"
وفي ملف الاعلام طالب برفع سقف الحريات لانه يوجد في العالم غيرنا وهناك فضائيات تبث على مدار الساعة وليس المطلوب من الاعلام مهمة الدفاع بقدر ان يجمل صورة الموقف الاردني ويجعلها مؤثرة. داعيا الى الاستعانة بالكفاءات المهاجرة ورفع الاداء المهني وتعزيز الاستثمار في الاعلام.
وعلى صعيد التربية والتعليم اشار المجالي الى تراجع هذا الدور مشددا على ان تقوم المناهج بتدريس تاريخ الاردن ورموزه وتعزيز الهوية الوطنية. والمحافظة على الجامعات الرسمية من قطار الخصخصة واعادة الاعتبار للمعلم.
وفي مجال الامن الاقتصادي دعا المجالي الى الخروج من سياسة التوسع في الانفاق العام. وعدم الاستثمار من اجل الاستثمار والتركيز على التنمية الشاملة والابعاد الاجتماعية والالتزام بسياسة السوق المنضبطة. ورفع الضرائب على الشركات والالتزام بنص المادة 11 من الدستور بان تكون الضريبة تصاعدية والغاء الاعفاءات الضريبية وتشجيع المنافسة.
الملف الدولي
وبالوصول الى التحديات الدولية طالب المجالي باستعادة الدور الاردني الذي وصفه بالمفقود منذ 20 عاما واعادة النظر في العلاقة مع المحيط العربي على اساس مشروع نهضوي والخروج من الاصطفافات. وشدد على ضرورة الحفاظ على الدور الاردني في دعم قضية فلسطين وهذا يتطلب توازنا في العلاقات بين فتح وحماس. كما شدد على ضرورة تحديد الموقف من الممارسات الاسرائيلية بما فيها الحفريات تحت الاقصى ومحاولات التدخل في الشأن الاردني. والتعامل على قاعدة نحن مع السلام وليس الاستسلام.
محذرا من دعاوى مشبوهة بدأت تظهر في اسرائيل مثل يهودية الدولة العبرية التي تمس حق اللاجئين بالعودة وعرب 48 فهي دعوة لاسقاط الجنسية عنهم. ودعوة اراد مستشار نتنياهو للامن القومي الذي طالب باقامة دولة فلسطينية على التراب الاردني وهذا ينسجم مع كتاب نتنياهو (مكان تحت الشمس)."
وقال ان "الاختلاف الفلسطيني وغياب النظام العربي الرسمي ايقظ احلام امبراطورية لدول محورية وفي ظل ذلك اخذت سياسات اسرائيل منحى متشددا تمثل بالتحول الى اقصى اليمين المتطرف وافرزت حكومة نتنياهو التي بدأت مسيرتها بتصعيد العدوان والتوسع بالمستعمرات وهدم المنازل في القدس والاستمرار في الحفر تحت الاقصى وهذا تحديدا يمس معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية مباشرة لانه بموجب الاتفاقية (الاردن يرعى الاماكن المقدسة) والمس بالجزء كالمس بالكل"
وتابع المجالي "بعد ان اعتقدنا ان معاهدات السلام والمعاهدات الدولية ستؤتي اكلها جاء اعصار الازمة العالمية وغير الموقف ونحن ما زلنا نقول ان وضعنا سليم وهذه اهانة لذكاء الاردنيين فكيف يتأثر كل من يتعامل الاردن معهم ونحن لا نتأثر?"
وقال "امام هذه التحديات اصبح من الواضح ان المرحلة القادمة صعبة وعصيبة ولا يجب ان نستهين بها وعلينا ان نرتب امورنا. ومن هنا كانت دعوة الملك عبد الله الثاني للمراجعة الشاملة ونرى كحزب ان المسؤولية تفرض علينا ان يكون لنا رأي. وقد قدمناه"
سؤال وجواب
ودار خلال الندوة حوار متعدد الاتجاهات اجاب المجالي فيه على ملاحظات الحضور واستفساراتهم ومن بينها الانتقادات المباشرة لتجربته ولتجربة الحزب. فمن جانبه نقل الوزير الاسبق د. عادل الشريدة على لسان خطيب المسجد الاقصى عكرمة صبري في محاضرة شارك فيها بمدينة اربد الاسبوع الماضي قوله"بان اليهود بنوا في القدس الشرقية كنسا اكبر من المسجد الاقصى وله قبة بيضاء كبيرة وسيتم الاحتفال بافتتاحه بتاريخ 16 آذار المقبل ومن المتوقع ان يكون منطلقا لهم نحو الاقصى "ودعا الشريدة الى موقف شعبي ضد هذا التوجه تضامنا مع العرب في اراضي 1948 الذين يتوجهون يوميا في حافلات الى الاقصى ويبقون فيه حتى صلاة العشاء" فأيده المجالي في ذلك وذهب الى ابعد من الموقف الشعبي بالقول" لنحدد موقفنا حتى لو كان ذلك يتضمن اعادة النظر في معاهدة السلام"
وفي رد على انتقاد لاذع وجهه احد الحضور مفاده "لماذا لم تستقل عندما كنت وزيرا وتكشف للرأي العام عن مؤامرة الديجتال?"قال المجالي "نحن اجبرنا الآخر على الاستقالة فلماذا نستقيل?" وآزره زميله في المقعد الوزاري وزير الشؤون البرلمانية الاسبق نايف الحديد فقال "نحن لم ننسحب من المسؤولية بل اجبرنا الطرف الآخر على الاستقالة"
وطالب عضو الجمعية نجاتي الشخشير المجالي بمزيد من الشفافية في الافصاح عن اسماء المسؤولين الفاسدين والفريق ذي النفوذ? ما المقصود بهم? خاصة ان الجبهة الاردنية الموحدة حزب جماهيري فرد المجالي" لم آت هنا لاطرح اسماء واهاجم اشخاصا بل نهجا ونجحت انا وسمير الحباشنة وآخرون بالتصدي له"
وفي رد على سؤال للزميل حامد العبادي من وكالة الانباء الاردنية بترا حول مصير عوائد التخاصية قال المجالي "لم تكف لسد المديونية لان الموازنة تتوسع بشكل غير مبرر بالانفاق العام ويجب وقف هذا التوسع, ويجب اعادة ربط المؤسسات المفككة بالمؤسسات الام لان موازنتها كبيرة"
واضاف د.عبد الحافظ الشخانبة قبل ان يعلن انتهاء الندوة ويحيل الحديث الى رئيس الجمعية سمير الحباشنة "ان قانون الخصخصة يقول انه يجب استثمار ما لا يقل عن 60% من عوائد الخصخصة في اصول (استثمارات) جديدة او سداد ديون بخصومات مجدية".
الحباشنة من جانبه قال "ان جلالة الملك عبد الله الثاني في الذكرى العاشرة لتسلم سلطاته الدستورية اطلق الدعوة الى وقفة مراجعة شاملة. ونحن في الجمعية بادرنا بمناقشات داخلية وكتبنا الى صاحب الامر ورقة متكاملة"
وناشد الحباشنة الملك قائلا" نلتمس من جلالة الملك تشكيل فريق عمل ملكي ولجان للمتابعة والمراجعة على غرار لجان الاردن اولا والميثاق الوطني". العرب اليوم