بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
( للمثقف النبيل والوطني الاصيل الدكتور قاسم العمرو )
للذين يلتهمون مضادات الكآبة لتخفيف احزانهم،ويرزحون تحت ضغوط القلق طوال اعمارهم '. خطرت في خاطري خاطرة كومضة برق اشعلت تفكيري،ثم دّوت كسلسلة انفجارات رعدية متلاحقة،ايقظت على دويها 'الخلايا النائمة' في جملتي العصبية.كيف نكون سعداء في عالم شقي؟!.كلنا يبحث عن السعادة،لكن احداً لم يمسك بها او يهتدِ اليها. المشكلة تكمن في الناس انفسهم حيث انهم يتعايشون مع الحياة،ولا يعيشونها. يطفون على سطحها ولا يغوصون في اعماقها.لذا من الصعوبة الامساك بالسعادة الدنيوية،وان وجدت بصورة عارضة،فان من يمسكها يعاود ركلها كما يركل لاعب محترف كرة قدم،ثم يركض خلفها ليركلها ثانياً وثالثاً وعاشراً.هكذا،تنتهي'اللعبة' دون الامساك بـ 'كرة السعادة'حيث تتفلت من ايدينا،كما يتسرب ماءُ من غربال.
اكثر الناس حظاً من يسجل هدفاً في مرماها.هؤلاء قلة ـ اقل من قليلة ـ ،بينما الآخرون، يمضون ايامهم على 'مدرجات الفرجة' للتصفيق فرحاً ساعة الفوز او النعيق لطماً عند الخسارة. انهم كاؤلئك الذي جاء ذكرهم في القرآن الكريم :' يتمتعون ويأكلون كما تأكل الانعام'،... يرعون كالاغنام ويتناكحون مثل القرود. الحياة الفاضلة مختلفة،لا كما يعيشها اشباه الدواب. هي السعي الدؤوب لايجاد خارطة طريق الى الله. فالحياة ليست احجية يصعب فك طلاسمها كما ذهب فلاسفة الكلام،ومهندسو التنظير،بل هدفها الرئيس عبادة الله الواحد الاحد،'وما خلقت الجن و الانس الا ليعبدون'. الخط المستقيم هو الاقرب مسافة بين نقطتين، بدهية هندسية. المتدبر في قرآءة القران يلاحظ ان 'الاستقامة' من الالفاظ المركزية فيه:' ان الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة'.
سيدنا محمد صلوات الله عليه،لخص الحصانة الحياتية للسائل عنها باربع كلمات : ' قل ربي الله واستقم'.بهذا النهج تكف الروح القلقة عن الثرثرة، تهدأ النفس الامارة بالسوء عن اللهاث خلف الدنيا،يرتاح الجسد من مطاردة سراب خادع.عندئذٍ يطئمن المؤمن ليلقى ربه راضياً مرضياً.وتلك هي السعادة الابقى.الانسان الصالح طاقة ايجابية عالية الاثر والتأثير،واسعة المدى،مهما دنا ترتيبه على السلم الاجتماعي،بينما الطالح يمثل طاقة سلبية سفلية،حتى لو جلس على راس السلم الاجتماعي لانه شخصية مطفأة .قارون امتلك ثروة خرافية،مفاتيح خزائنه لتنوء بالعصبة أُولي القوة. القذافي حمل نياشين غطت صدره، ولو طال به العمر لخاط سروالاً منها. قارون ـ رمز الثروةـ ومثال البطر و الاستعلاء، خسف به الله الارض. القذافي ـ رمزالسلطة ـ عنوان الاستبداد والقهر،'سيق كنعجة الى الذبح' وعلقه شعبه على خازوق لتأريخ ـ نهاية ظالم ـ .
السعادة بتعريفها المتداول في السوق الشعبي،سبب رئيس من اسباب الشقاء.فهي لا تاتي من مال،رتبة،سلطة،شهرة،سيارة او حتى طيارة كما يعتقد العامة. فقد ثبت بالدراسات البحثية المستفيضة،و الاحصاءات الرقمية، ان من يملكون كل شيء،هم اكثر الناس عرضة للكآبة.ما يؤكد هذه النظرية،ان نسبة الانتحار الاعلى عالمياً في السويد، رغم توفر كل اسباب الرفاه، لدرجة ان بعضهم ينتحر ترفاً وبعضهم مللاَ .
المؤمن بربه، المالك زمام نفسه مختلف،لا يرضى ان يكون نسخة كربونية عن غيره.لذلك يحسده المترفون على بساطته،سلامه الداخلي،تصالحه مع ذاته.ما يغيطهم فيه، نومه بلا مهدئات،مواجهته صخب الحياة من دون منشطات او منكرات.مبعث غيرتهم اشراقات روحه،فتوحات حضوره،تواصله الموصول بالله،نقاء سريرته،حبه اللا محدودة للناس،احترامه لذاته.السبب انه متصالح مع ذاته،متناغم مع ضميره،خطوطه الساخنة عامرة مع ربه،مفتوحة لا تنقطع مع خالقه في صحوه ونومه، يقظته وحلمه،صحته ومرضه،سراءه وضراءه.اروع ما عنده عقله الباطن، الابيض من ثلج عالق على صفصافة باسقة،كحمامة مكية تُسبح باسم الله على مدار الساعة.
المعادلة مقلوبة تماماً عند الخنازير، كروشهم مقابر للحوم الحيوانات ،و اكبادهم تشمعت من المنكرات،فيما عقولهم الباطنية سراديب مظلمة،برازخ مرعبة،زنازين لا تفتح ابوابها الا عند النوم لتخرج شياطينهم،تكبس على صدورهم،تكتم انفاسهم جزاء ما اقترفت ايديهم من فواحش فعل...تسفل قول،وقطع ارزاق الناس،وتدمير حياة الطلبة لحرمانهم و اهاليهم سعادة الحياة المستقرة . لا عتب عليهم. حرامية بمرتبة اللا شرف من الدرجة الاولى،يتشدقون ببطولات وهمية، و يبعون خلق الله طهارة ملوثة. قصورهم 'حجارة '،سياراتهم 'حديد' ، نقودهم 'اوراق' مكدسة في بنوك اجنبية،عقاراتهم قواشين في ادراج مظلمة.الحجارة كما تكون قصوراً عالية،تكون ارصفة موطوءة.الحديد مثلما يكون سيارات فاخرة، يكون سلالم تدوسها نعال زبائن المولات.الورق يكون عملة صعبة،كذلك يكون رولات نظافة في الحمامات.سعادتهم:حجارة،حديد،اوراق.مواد تُسّهل الحياة لكنها لا تصنع سعادة.لكي ترى الحياة بواقعية،انظرها بعين فاحصة،تجد ان المراهنة عليها سخافة. احلامها براقة خاطفة،لكن نهايتها جورة مظلمة و قطنة .
حياة سيدنا نوح نبي الله عليه السلام، عبرة لمن يعتبر.عاش الف سنة الا خمسين،وعندما حان موعد رحيله وصف رحلته بانه كرجلٍ مكث قليلاً في بيتٍ له بابان،دخل من باب وخرج من باب.بهذا المعنى قال اول رائد فضاء السوفياتي 'جاجارين' عندما اطل على الكرة الارضية من خارج قانون الجاذبية ؟!:ــ ' الارض ومن عليها من شعوب وما فيها من حروب،و ما فوقها من مدن عامرة بالسكان،وبحار عميقة،وسلاسل جبلية عالية ،وصحارى مترامية،وسهول بلا حدود،لم تعد في نظري اكثر من نقطة صغيرة في سماء واسعة مليئة بنجوم كبيرة،شموس كثيرة،مجرات ضخمة،ثقوب سوداء مرعبة ـ.سؤال نقذفه في وجه سدنة الظلم والظلام، اذا كانت الارض اصغر من راس دبوس بالنسبة للكون، فاين محلكم من الاعراب و اين موقعكم على الخارطة الكونية ايها السفلة ؟!.
دعوتنا ليست للتخلي عن الطموح المشروع و الاهداف النبيلة العظيمة،لكنها دعوة لنكون كابطال كمال الاجسام الذين يتعاركون مع الحديد لبناء اجسام متناسقة قوية،تراهم يرفعون الحديد باوزان محسوبه بالغرامات ،ينامون بقدر،ياكلون وجبات مقدرة بالسعرات.'كل شيء عنده بمقدار' صدق الله العظيم . خلل بسيط في المعادلة تكون نتائجه عكسية، اختصرها سيد الخلق عليه افضل الصلاة والسلام بقوله : ( إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا،فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ وَآتِ أَهْلَكَ، وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ).
الفاسد افسد دنياه وآخرته بيديه،و للاسف اصبح الفاسدون الكثرة الكاثرة،فعمَّ الفساد في البر والبحر. لكن الفساد الاكبر حين تلاعب الانسان بجينات المذاهب،الاعراق، الاجناس،الاديان،ولم تسلم من عبثه جينات النباتات والحيوانات حتى انه تلاعب بجينات نفسه،و قام باكبر عملية تزوير خَلْقِي وتشويه خُلُقي في تاريخ البشرية.اجهض المحبة،خلخل التوازن البيئي.نتج عن لعبته الشيطانية،اشتعال حروب مدمرة بين اتباع اديان مختلفة،معارك مذهبية دامية بين ابناء ملة واحدة،مشاجرات و عدوات لاجل كرة مطاطية، اقليات مستهدفة بلا سبب،طوائف متباغضة لخلافات نشبت قبل الف عام.
الاديان المتسامحة غدت حواجز تفرقة. الاعراق ذات القواسم المشتركة،صارت منصات كراهية.الخراب الاكبر عمَّ حينما قامت الدولة بالتدخل في فكر مواطنها، قمعت رغبته في التعبير عن ذاته ضمن المعايير الانسانية،تعاملت معه كوحش لا يُأمن جانبه.حشرته في قفص الاحكام العرفية. بهدلته بقوانين الطوارىء.جرجرته للمحاكم بقانون المطبوعات، لجمت تطلعاته بقانون الصوت الواحد،زوّرت ارادته بالانتخابات ثم ادعت انها تعمل لمصلحتة.
الانكى، ماذا يعني ان يقهر فردُ فرداً مثله بل افضل منه، يبطش به لمجرد انه عُرفي في موقع سلطوي، يمسح مستقبله ليرضي غروره، رغم انه مستنقع حقارة و مستودعُ نذالة. ماذا يعني ان يخلق فاقد المعنى جفوة بين مواطن ووطنه؟!.رغم انه لا يحمل من الصفات الا الرجل الافعى ؟!.الله يمهل...هو ينزوي اليوم في زاوية رطبة، يلوك تاريخه كقطعة لحم نيئة زنخة لا يقدر على بلعها،لكنه و للعجب،دائم الحديث عن الطهارة،ولا يعرف ان بائعة الهوى هي الاكثر حديثاً عن الفضيلة .
شخصيات مضروبة معقدة،صنعت من مواطنها وحشاً آدمياً بتربيته على اسس قمعية من لدن مرضى. كان من نتائجها القاتلة،ان يقتل عاشق صديقته لاشباع شهوة،ابن يطعن اباه ليستعجل ثروة،طليق يدهس طليقته ظلماً،مسؤول يظلم غيره من اجل رتبه،زميل يشي بزميله لياخذ موقعه،اخ يقتل اخته على الشبهة،مدير ينهب مؤسسته من اجل حرمة،عدواة ابدية بين ابناء عشيرة واحدة لرئاسة بلدية نكرة،مستهتر يحرق غابة لاشعال مدفئة صدئة.مُروج مخدرات ينشر سمومه بين طلبة من عمر إبنه. بئست الحياة هذه...هي لعنة لا نعمة.
من اين تأتينا السعادة ؟!. وشعبنا مُبتلى،بالف عاهة وعاهة،و الف شلة وشلة.فلكَ الله ايها الوطن المُبتلى بعاهات مستديمة.' ويلي عليك،و حسرتي عليك' ماذا فعلوا فيك: لِمَ صرت لهم 'رقماً' سباعي الخانات. ارسلوا خيراتك بالبريد المستعجل الى'بلاد بره'،و تركوك لنا عظمة... حائط مبكى.نركض كـ'هاجر' تسعى بين الصفا والمروة،بحثاً عن رشفة ماءٍ،عن لقمة دونما جدوى. فاين حكمة الحكماء،عبقرية العباقرة، ان كانت معاجننا بلا خبزٍ،مواقدنا بلا جمر،محابرنا بلا حبر ام انها سياسة الحمقى؟!.