بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
( الكتابة هي ان تنفذ الى الزوايا الخبيئة لتكشف اسرارها.تفك طلاسمها الملغزة بقشرة رقيقة من الاكاذيب المُبهرة بنكهات لذيذة ليسهل ابتلاعها.ان لم يكن حبر الكتابة مغموساً في شريان القلب،وطلقة تنويرية لتبديد الظلام لاجل تحرير الانسان من خوفه،فهي تقع في باب الاستعراض او الارتزاق/.... الكاتب).
" البطل الشعبي"
*** ليست مشكلتنا في قلة الموارد،ضعف الامكانيات،عدم الوعي بالمستقبل، او الخوف من ارتقاء سلم الرقي الى اعلى درجاته.مشكلتنا تتموضع في تعطيل عقولنا.خوفنا من المكاشفة عن المسكوت عنه.اخراج المخبوء من صدورنا للعلن،نشره على الملأ لتعريته من دون خوف .مشكلتنا في تفريطنا في الـ "نحن" الجماعية وتمركزنا حول الـ " انا" الفردية الى ان اصبح مجتمعنا مجتمع القلة النخبوية ومجموعة "الانوات" النرجسية. صار مختبراً تجريبياً لهم ،رغم افتقارهم لادنى مقومات القيادة و الادارة. لذلك أَّعملوا مشارطهم فينا.طبقوا تمارينهم الحية علينا كاننا ارانب تجارب.فعبثوا بمستقبلنا دونما دراية او خبرة .لم نسمع ان احدهم استلهم نظرية جديدة من التحدي والاستجابة،ليرتقي بالسياسية،يبتكر في الاقتصاد، ينهض بالمجتمع. لم يدخل أي منهم عوالم الخلق و الابداع،الاستشراف المستقبلي، بحكم استرخاءهم في مكاتب مكندشة.،فانقلبت الوظيفة من خدمة عامة، الى وجاهة شخصية.مشكلتنا الكبرى على مدى عقود ـ ان رجال الله ـ صَغَّروا كِبارنا،نفخوا صِغارنا.عندها اصبح مجتمعنا حضانة لتفريخ نُخبٍ بائسة،متهافتة.همها واهتمامها ترميم وجهها.مكيجة تاريخها للوصول الى مراكز متقدمة ليس الا...!. من هنا جاء افتقارنا للبطل الشعبي.ما خلا استثناءات قليلة من قمم شاهقة. اثنان،ثلاثة، اربعة ـ ان طارت خمسة ـ بينما البقية الباقية شعارها علبة كيوي وممسحة.
" المكنسة "
*** لو كنت عضواً في جائرة نوبل،لاستحدثت جائزة قيّمة لـ "الطهارة الوظيفية "،ورشحت لها الرئيس النيجيري المنتخب حديثاً محمد البخاري الذي حقق فوزاً ساحقاً على خصمه باكثرية شعبية لافتة. السبب خروج الرئيس البخاري على المألوف في الانتخابات. لم يطرح برنامجاً انتخابياً،لم يرش الشوارع بصوره كعارضات الازياء ، لم يركب ظهور ميكرفونات الجعجعة،وينثر الوعود المستحيلة فوق رؤوس العامة كما يفعل الانتهازيون في الانتخابات،لم يعلق يافطات تتارجح في الهواء لا علاقة لها بارض الواقع.كان شعاره الانتخابي بسيطاً غير مكلف." صورة مكنسة " في اشارة واضحة انه اذا فاز، سيعمل على كنس مؤسسات الدولة من الفاسدين .فعلاً فاز،وبدأ حملة الكناسة. اذا اكتفت نيجيريا بمكنسه،فاننا بحاجة الى " بلدوزر" وبعض الاليات الثقيلة لتجريف قلاع الفساد الحصينة عندنا .
"الافعى ومملكة النمل"
*** ذُهلت كما ذُهل الملايين،عندما شاهدت مقطع فيديو لمجاميع نمل تنقض على افعى عملاقة وتقتلها بسرعة خاطفة،لمجرد محاولتها الاقتراب من مملكته.لمع في ذاكرتي كيف بنى الشعب المصري الجائع الاهرامات، لينعم الفرعون بالخلود،وكيف تساقطوا حول قبره ليموتوا من دون ان يحظى احد منهم بشاهدة قبر توضع عند راسه لتدل على هويته.بقوا في العراء تنهشهم طيور جارحة،وتحط فوقهم اسراب ذباب قذرة. الاستكانة في مواجهة الطاغية هي السبب ذلك.خنوع الملايين من دون ان ينبس احدهم بكلمة : "لا للظلم...لا للقهر،لا للعبودية". فجاء المثل الشعبي "يا فرعون مين فرعنك...لانه ما في حدا يردك"؟.و لما راى شعبه كغثاء السيل : ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى.... ) .
ذات اللحظة رنت في اذني جملة الثائر جمال الدين الافغاني،التي اطلقها عندما زار شبه القارة الهندية المستعمرة الانجليزية آنذاك، سكان جزيرة صغيرة،و راى بام عينيه ملايين الهنود تفيض كالانهار كل صباح الى الشوارع.قارن بين شبه القارة الهندية التي يتدافع فيها الناس كالنمل وشبه الجزيرة البريطانية الخالية من السكان فقال قولته الشهيرة : " لو بصق الهنود على بريطانيا لاغرقوها". تُرى ماذا كان سيقول لو زار اليوم الوطن العربي،وشاهد ملايين العربان الخانعة امام قلة من اليهود عددهم لا يزيد عن عدد سكان "حي شُبرا" بالقاهرة، واقل من سكان الاسكندرية ؟!. لا اشك لحظة انه سيصرخ :" لو "بال" العرب على اسرائيل،لقلبوا عاليها سافلها، كما يقلب اعصار تسونامي قارباً مطاطياً في عرض البحر".دعونا نحلم بما قاله الافغاني في الهنود وما كان سيقوله في العرب.ما انذلهم ،العالم كله يحقق احلامه،ويُجسد تطلعاته،ما عدا العرب الذين لا يحققون الا كوابيسهم المخيفة.
"سقوط نُخبتنا الساقطة"
من باب التعويض عن النقص،فقر الثقافة،تدني الوعي،تسقط "نخبتنا" في فخ التعالي الكاذب،قلب الحقائق،صناعة بطولات موهومة على الطريقة الدونكيشوتية،لخلق نوع من التوازن بين "الجواني" الهش التي تعيشه و "البراني" الذي يجب ان تكونه.عندما تقرأ لاحدهم او تسمع عزفه المنفرد على الربابة في مأتم او جاهة، وما قدمه من تضحيات للوطن تُصاب بالصدمة.تسمعه يوحي اليك من دون حياء انه "اخرج المواطن والوطن من بطن الحوت"،و انقذه من ورطة الموت.اي لولا دولته،معاليه،عطوفته،سعادته، لكان الوطن في خبر كان.هذا الصفيق يتجاهل ما قدمه الوطن له،ومن اين حصل على قائمة طويلة من الامتيازات،المميزات،الفيلات،المزارع،اسطول السيارات.هذا الرقيع ينسى انه لولا المنصب الذي اعتلاه، لم يكن اكثر من نكرة،وربما يعاني من احتقار زوجته ولعنة اولاده لقلة حيلته وقصر ذيله،وسيطارده المؤجر في المحاكم ويطرده من المنزل للشارع . فوق كل ذلك تجده يتباكى لان التاريخ لم ينصفه،وظلمه المؤرخون بتجاهلهم سيرة حياته.لذلك يلجأ الى حيلة نفسية من دون ان يعيها هو نفسه.في المجالس التي يجلس فيها،لا ينفك عن الاسراف في مدح ذاته، ويعلك كلامه كما ضاغطة الامانة العجوز تعلك ما في بطن حاوية.
كان الاجدر به ان يتناول قرص نعناع لتغيير رائحة كلماته الكريهة،من اجل تمريرها على من لا يعرفه.لكن الطامة ان كنت تعرفه،و الطامة الاكبر ان كنت تعرف سجل حياته ،تاريخه المهني. ستصاب حتماً بجلطة قلبية لحجم كذبه. ـ يا سبحان الله ـ بعد افول نجمه.صار يتحدث عن النزاهة،الرفق بالانسان وعدم معاملته كحيوان، ثم التبجح بالديمقراطية، اطلاق الحريات الحبيسة من اقفاصها. هذا العُرفي ابن العُرفي المعروف،لم يأت بحرف عن الاحكام العرفية التي كان ركناً ركيناً فيها، قطباً من اقطابها. تراه اليوم يتغنى كأنه الشاعر الثائر بابلو نيرودا او الطبيب المقاتل تشي غيفارا...هزلت ورب الكعبة .
" انا والكلب "
*** ليلة البارحة شدني نباح كلب حزين.عواء متقطع قبل آذان الفجر،مزق استار الظلام، قَطّع نياط القلب.تمنيت ان اعرف لغته.تُرى هل يعاني من جوع،وجع،برد،ظلم،وحدة،عشق،فقدان عزيز؟!. مرت بذاكرتي امثال،حكايا،صفات كثيرة عن الكلب،لكن اكثرها علوقاً "لطيفة من لطائف الحسن البصري رحمه الله" التي انصف فيها الكلب اذكر منها : " انه لا يزال جائعاً، وذلك من آداب الصالحين . و إذا حضر الأكل وقف ينظر من بُعد وذلك من أخلاق المساكين،و يرضى من الدنيا بأدنى يسير،وذلك من إشارات المتواضعين.و لا ينام من الليل إلا قليلا وذلك من صفات المحسنين.و اذا مات لا يترك ميراثاً، وذلك من اخلاق الزاهدين". ما يعني بالقطع ان
الكلاب مخلوقات من مخلوقات الله مثلنا تماماً، متعددة الاجناس.تقدم خدمات جليلة،منها كلاب للصيد،كلاب للعواء،كلاب للحراسة،كلاب لشم ما تحت الركام من احياء،كلاب لكشف المخبوء من المخدرات،كلاب للدهس،كلاب للحس،كلاب تعيش في ارقي الفيلات،كلاب تعيش في الحاويات،كلاب تعمل كمخبرين للشرطة ـ قص اثر ـ، كلاب تسهر على القطعان اذا نام الرعيان،كلاب لا يعرف جلدها الماء الا في الشتاء،كلاب تستحم يومياً بالماء الدافيء و الشامبو.كلاب تعيش فوق مستوى البشر.وبشر يعيشون دون عيشة الكلاب : " في ظل هذا التقسيم لا يسعنا الا ان نقول: " ولله في خلقه شؤون ".
شجرة تتحدى موتها !
*** ربع قرن وهي تطعمه ثمرها.تُظلله بافيائها،تعطيه عطر انفاسها، تكرر انفاسه الفاسدة، وتعيدها اليه كَرَةًّ اخرى نقية خالية من أي شائبة.ربع قرن ـ عِشرَةَ عُمر ـ وهي تلازمه لم تبرح مكانها. كانت حارسة له في غيابه. تغطي بوابه بيته،لم تفشِ اسراره.لم تحنث بعهودها الى ان فاجئها المرض. فيروس مجهري لا يُرى بالعين فتك بها. ذبلت اوراقها،جفت اغصانها.لم ينتظر كثيراً.احضر منشاراّ كهربائيا،ثم بدأ بلا رحمة تقطّيعها قطعاً صغيرة وهو يغني على انين اوجاعها.خلال دقائق معدودة، صارت الشجرة كومة حطب،لم يحترم تاريخها ولم يتذكر تضحياتها بل ذهب الى اقصى مدى في انكار جميلها. اتت عواصف الشتاء الثلجية ـ هدى و اخواتها ـ، راح يلقمها للنار قطعة قطعة،ويشوي على اضلاعها الكستناء حتى اتى عليها.لم يقف عند هذا الحد بل تطاول اكثر حينما نثر رمادها مع ريح عاتية صرصر في الاركان الاربعة. المفاحأة المذهلة كانت قبل ايام مع بداية الانقلاب الربيعي.الشجرة الذبيحة تحدت موتها.اطلقت غصناً اخضر قوياً،لتجدد سيرتها الاولى. ما فعلته كان درساً بليغاً ،لتقول لمن يخون العهد : انا اكرم منك،و ارادة الحياة عندى اقوى من منشارك،وعود ثقابك .
طفو النخبة وعتلة ارخميدس !
*** العالم الفيزيائي ارخميدس مكتشف قانون الطفو والعتلة،وصفه العلماء انه واحد من اعظم ثلاثة في علوم الرياضيات.قال ذات مرة "اعطوني ـ نقطة ارتكازـ لإحرك لكم الارض".بغض النظر عن ما قاله سواء كان واقعيا او خيالاً علمياً. بعد ان نخر الفاسدون عظم المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية ولم تبق بُقعة خالية من الفساد و اهله آخرها ما يدور من شبهات في الصحافة،حارسة القيم،وخط الدفاع الاول عن الوطن والمواطن اقول لكم :"اعطوني مساحة سجادة صلاة طاهرة،خالية من نجاسة النخبة ،لاصلي ركعتي شكر لله على ما بقي عندنا من طهارة في هذه المساحة الضيقة !!! ".
ابو ريحة !
*** توجست خيفةً من هاتفه الليلي المفاجيء في ساعة متاخرة.بعد التحايا والسؤال عن الصحة و الاولاد،سألني ان كنت على استعدادٍ لمساعدته.فاجبته ان الناس عادة ما تلجأ اليك للمساعدة.فالكل يعرف ان ـ يدك طويلة ـ و لك القدرة على فعل ما تريد بحكم تاريخك "النظيف".ضحك كانه لم يضحك مثلها في حياته،وهذا ما زاد في قلقي واستغرابي .قال ساختصر عليك الموضوع:اريد مساعدتك في كتابة "سيرة حياتي"،و لك ما تشاء.اجبته يسعدني ذلك،لكنني مشغول جداً هذه الايام.رد بنزق عنترة العبسي ليضفي على صوته مهابة وقوة كالمعتاد عادة عند اهل السلطة لتكون طلباتهم اوامر : وما يشغلك عني؟! قلت له ببروة مستفزة :انني مشغول عنك ـ يا سيدي ـ في كتابة السيرة الذاتية لحذائي.......!!!.