قال مسؤولون سياسيون سابقون إن السياسات الحكومية خلال السنوات الأخيرة ذهبت نحو تهميش الطبقة الوسطى ومحاصرتها والدفع بها نحو الطبقات الأدنى، ما أدى إلى إقصائها عن المشاركة السياسية الفاعلة بل وابتعاد رؤية الإصلاح السياسي ذاتها عن أجندة الحكومات وفتور إرادتها في ذلك الاتجاه.
ويأتي هذا التهميش (الواعي أو اللاواعي)، وفق المسؤولين، رغم إدراك الحكومات لأهمية هذه الطبقة ودورها الحيوي في دعم أي نظام اجتماعي واقتصادي وسياسي ومساعدته في الحفاظ على الاستقرار؛ كون هذه الطبقة "صمام الأمان" للمجتمعات.
ويرى المسؤولون أنّ هذه الطبقة باتت في السنوات الأخيرة تتقلص؛ نتيجة السياسات الحكومية التي كانت دائما لصالح الطبقات الأكثر غنى على حساب الطبقات الأخرى، مؤكدين على أنّ تقلص هذه الطبقة ليس صحيا ويهدد أمن المجتمعات.
الحباشنة: الطبقة الوسطى مغيبة عن موضوع الإصلاح
ويرى وزير الداخلية الأسبق، سمير الحباشنة، أنّه في كل المجتمعات الحية الناجحة كانت الطبقة الوسطى هي مَن تقود الإصلاح السياسي والاقتصادي؛ فالطبقة الوسطى تحاكي مطالب الناس الأكثر عوزا، وتكون أقرب للشعور معهم، وهي في الوقت ذاته لديها من الوعي والثقافة ما يجعلها تتفهم مصالح الطبقة الأعلى وأهميتها الاقتصادية في المجتمع.
ويأتي هذا، وفق الحباشنة، كون الطبقة الوسطى تضم مجموعة من الفئات المهنية والحرفية وهذه الفئات عادة ما تكون عالية التعليم والثقافة، لكن مداخيلها متوسطة بين الأغنياء من كبار الملاك والصناعيين وأصحاب الأموال، والفئة الأكثر عوزا وفقرا.
ويؤكد الحباشنة "أنّ الطبقة الوسطى ما تزال مغيبة عن موضوع الإصلاح السياسي، فخطوة الإصلاح السياسي في العالم الثالث يجب أن يكون لها بعد رسمي متعلق بالإدارات التنفيذية".
ويقول إنه في العشرين سنة الأخيرة بدأ يتضح وجود الطبقة الوسطى في هذه الإدارات على أنه في الجانب الآخر.
كما يشير إلى أن الإصلاح السياسي حاليا فيه الكثير من التشوّه؛ إذ إنّ الإصلاح يجب أن يسير جنبا إلى جنب مع الإصلاح الاقتصادي.
ويقول إنّ هناك دعوات دائمة لإعادة إحياء الطبقة الوسطى إلا أنه على أرض الواقع لا يتم ذلك، وما تزال هناك طبقة محدودة تتفرد وتستحوذ على الجزء الأكبر من الثروة، والطبقة الوسطى مغيبة عن القرار السياسي والاقتصادي بل إنّ هذه القرارات تكون بخصوص هذه الطبقة.
ويدعو الحباشنة إلى ضرورة تحديد رؤية وسياسات من شأنها أن تحيي الطبقة الوسطى وتمكينها اقتصاديا واجتماعيا بحيث يكون هناك "بناء اقتصاد وطني يقوم على إحداث توازن".
ويشير إلى "أنّ الإصلاح يكون مع حرية السوق والرأسمالية المنتظمة وليس الرأسمالية المنفلتة".
حدادين: السياسات الحكومية تهمّش الطبقة الوسطى وتحاصرها
ويعتقد النائب السابق بسام حدادين بأن حجم الطبقة الوسطى في الأردن بدأ يتراجع بفعل التطورات الاقتصادية التي رافقت برنامج التحول الاقتصادي أواخر العام 1989، وهذا انعكس بالضرورة على ثقلها السياسي ودورها الاجتماعي والثقافي.
ويوضح أن التحولات الديمقراطية بعد العام 1989 اختطفت شريحة من هذه الطبقة ودمجتها بالعملية السياسية الداخلية لكن هذه النخب لم تكن تستند في نفوذها السياسي ودورها على الطبقة الوسطى بل التحقت بالطبقات العليا وقدمت خبرتها وثقافتها لخدمة تحالفها مع الطبقات العليا.
ويشير إلى أنّ السياسات الحكومية ومنذ برنامج التحول تذهب باتجاه تهميش هذه الطبقة ومحاصرتها، والدفع بها نحو الطبقات الأقل التي باتت تتسع أكثر من الشريحة المتوسطة.
ويقول إنّ أحد أهم مقاييس الاستقرار السياسي والاجتماعي والعدالة الاجتماعية هو حجم اتساع الطبقة الوسطى في المجتمعات؛ فهي الضمانة بحكم أنها منتجة ومن أكثر من جانب مهني ثقافي وفكري، وهي ضمانة لوحدة المجتمع ولحصانته من الاختراقات؛ كونها طبقة شريحة مثقفة ومتنورة ووطنية.
شتيوي: الطبقة الوسطى الجديدة تحمل لواء المشروع الإصلاحي
ويرى أستاذ علم الاجتماع، الدكتور موسى شتيوي، يرى أنّ "الفئات التي كانت تشكل العمود الفقري للطبقة الوسطى في الأردن في السبعينيات والثمانينيات لم تعد كذلك، وأن غالبيتها قد أصبحت في مصاف الطبقة العاملة أو الفقيرة من حيث عددها وقدراتها الاقتصادية".
وقال إنّ الطبقة الوسطى تكتسب اسمها وصفتها من كونها وسيطة بين رأس المال والعمل، وتلعب دور العازل بين الطبقتين الرئيسيتين في المجتمع.
ويقسم شتيوي الطبقة الوسطى في الأردن إلى ثلاث شرائح؛ الأولى الطبقة الوسطى التقليدية الصغيرة التي تتكون من أصحاب المحلات والتجار وأصحاب العمل وملاك الأراضي الصغار الذين يعيشون من هذه الأملاك، والطبقة الوسطى الجديدة التي تتكون من المديرين وأصحاب المهن المتميزة وأساتذة الجامعات والعاملين في الشركات، والثالثة الطبقة الوسطى البيروقراطية التي تتكون من فئة الإدارة الوسطى في القطاع العام المدني والعسكري والموظفين والمعلمين وغيرهم.
ويرى شتيوي أن انكماش القطاع العام في الأردن وتعاظم دور القطاع الخاص، قد دفع بأعداد كبيرة من أفراد الفئة الوسطى البيروقراطية إلى أدنى الهرم في الطبقة الوسطى، وأدى أيضا إلى تراجع في إمكاناتها المالية والمعيشية، حيث كانت هذه الطبقة الأكثر تضررا من هذه التحولات.
ويقول أما التخوف المرتبط بالدور التاريخي لإنجاز المشروع الإصلاحي الديمقراطي في المجتمع الأردني، فالجواب أن الطبقة الوسطى بمواصفاتها البنيوية لم يكن لديها يوم مشروع ديمقراطيا أو إصلاحيا، إن الشرائح الأكبر في الطبقة الوسطى في الأردن تاريخيا هي الفئة البيروقراطية، وفئة البرجوازية التقليدية والتجارية (الكومبرادور)، وهاتان الفئتان ليس لديهما مشروع إصلاحي أو ديمقراطي، فالفئة البيروقراطية مرتبطة بالقطاع العام ومستفيدة من غياب الديمقراطية، ففي ذلك تكمن مكانتها وسلطتها وهيمنتها، والديمقراطية تحد من كل ذلك وهي لا توافقها، أما الفئة التقليدية والتجارية فهي تعيش تحت كلّ الأنظمة السياسية، وهدفها الوحيد هو استمرار مصالحها، وفي الأردن فإن هذه الفئة تشكل العمود الفقري للتيارات المحافظة، وليس للتيارات الديمقراطية أو الإصلاحية.
ويؤكد أنّ حامل لواء المشروع الإصلاحي هو الطبقة الوسطى الجديدة، لكن قدرة هذه الفئة والطبقة بشكل عام على إنجاز المشروع الإصلاحي تشوبها مصاعب غير اقتصادية كالانقسام الأفقي القائم على التنوع السكاني للمجتمع.
ويشير إلى أن التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع الأردني أدت إلى إعادة تموضع طبقي جديد، وهو الذي سوف يشكل ملامح المجتمع الأردني مستقبلا.
ويقول إنه رغم أن هذه التحليلات ليست مبنية على دراسات علمية، إلا أنها تدقّ ناقوس الخطر الذي يمكن أن ينتج عن اختفاء الطبقة الوسطى أو تراجع مكانتها في المجتمع؛ وذلك لسببين الأول أن ذلك يعتبر مؤشرا على زيادة التمايز الطبقي، وتعميق الهوة بين الطبقات الاجتماعية، وأننا نسير نحو طبقتين إما عليا وإما فقيرة. والثاني، أنه باختفاء الطبقة الوسطى، فإن دورها التاريخي في إنجاز المشروع الليبرالي الديمقراطي سوف يغيب، وبالتالي سوف نحرم من فرصة التحول نحو الديمقراطية التي من المفترض أن تنجزها الطبقة الوسطى.
الزعبي: إرادة الإصلاح السياسي غائبة
الخبير الاقتصادي ووزير الزراعة الأسبق، عاكف الزعبي، يرى أنّ إرساء نظام سياسي ديمقراطي لا بد أن يحترم الحريات المدنية والسياسية ويؤدي إلى تمثيل نيابي وانتخاب ممثلين للناس للمشاركة في صناعة القرار، إضافة إلى وجود منظمات المجتمع المدني التي في مقدمتها الأحزاب السياسية، مبيّنا أنّ الإصلاح السياسي بحاجة إلى خريطة طريق.
ويرى أنّ هناك معوقات للإصلاح السياسي تتعلق بمصالح الدولة، وقد تكون مبررة نوعا ما، لكن من الضروري التحدث عن الإدارة الوطنية المحلية التي لغاية الآن لا توجد بوادر تؤشر على أنّ إرادة الإصلاح السياسي تأخذ طريقها الصحيح وبالقوة المطلوبة.
ويعتقد الزعبي أنّ ضعف الحكومات وترددها في تنفيذ إرداة مؤسسة العرش هي أهم المشاكل والقيود على تنفيذ الإصلاح، وهذا الحال نعيشه منذ فترة غير قصيرة وربما منذ عودة الحياة النيابية في 1989.
وقال إنه "لا توجد طبقة وسطى لدينا فهناك فئة ميسورة من متوسطي الحال سواء من حيث الدخل أو من حيث الثقافة، وهم يشكلون جزءا لا يستهان به من النخب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن هذه الفئات لم تستطع أن تبلور نفسها بصورة رؤية واضحة أو مشاريع سياسية وثقافية واجتماعية حتى يكون لها دور مؤثر يناسب حجمها الكمي في المجتمع".
وبيّن "أن أهم القيود التي تقلل من حركة هذه الفئة هو القيد الاقتصادي ثم القيد السياسي الذي يحول بينها وبين مشاركتها الفاعلة".
وأكد بأن "هذه الفئة من متوسطي الحال أداؤها تراجع منذ فترة قصيرة بما لا يمكنها من أداء دورها، وأنّ ظهور نخب جديدة في المجتمع الأردني اقتصادية وسياسية واختلاط السياسة بالاقتصاد أعاق هذه الفئة من أن تأخذ دورها، وهي ما تزال تحاول أن تأخذ دورا وإن كان غير منظم".الغد