بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
التلفزيون الاردني ليس فيه ما يشد او يستفز .لاجل هذا سقط من الذاكرة الجمعية،وشطبته الجماهير من المتابعة اليومية. ان لم تجد في التلفاز متعة،تسلية،فائدة،منفعه،فمن باب اولى رميه من اقرب نافذ الى اوسع حاوية، قبل ان يسبب لك جلطة. مقارنة بسيطة بين حكواتي ايام زمان الذي صار في ذمة الماضي،وتلفزيون الالفية الثالثة العصري. ان الحكواتي كان يعيش عصره.يحظي بجمهور عريض من المدمنيين على السهر معه الى ان يتثآب و يغلق فمه وحده . تلفزيوننا العتيد يقفز عنه المشاهد لانه يعيش خارج عصره. فالاعلام هذه الايام صناعة ثقلية يحتاج الى ميزانية ضخمة،والتلفزيون ميزانيته فراطة فارطة. في الحروب يسبق الاعلام السلاح والرجال الى ميادين القتال تمهيداً لاحتلال مناطق الاعداء بالكلمة قبل الرصاصة.فالسلطة السياسية و القيادة العسكرية تُعَول على الحرب الاعلامية النفسية في أي معركة، اكثر من القنابل العنقودية والصواريخ الموجهة.اعلامنا،يعيش طفولة مرضية،رغم سنوات عمره المديدة . للاسف لا زال يمص اصابعه،يحبو على اربعة،ولم يتحرر من الحفاظة، في زمن انفجارات المعرفة،وعلوم ما بعد التكنولوجيا.
الحكواتي كان لا ينافسه الا "صندوق العجايب" المحمول على ظهر صاحبه. يجوب به احياء المدن الشعبية،والقرى النائية. زبائنه جُلَّهم صبيان صغار مغرمين بالصور المتحركة.اما الحكواتي رواده جُلهم من الطبقة الوسطى المنتجة المفتونة بابي زيد الهلالي وعنترة العبسي باضلاعه الثلاثة: البطولة،الشعر،الحب الملحمي . تراجعت شعبية الحكواتي مع ظهور السينما الصامتة،ثم طمستها السينما "الناطقة". التلفزيون الاردني لم يختفِ كليةً بل اصبح كبقالة قديمة، بضاعتها منتهية الصلاحية، محاطة بعدد كبير من مولات ضخمة. تشتري منها ما تريد من،"نكاشة الاسنان" الى "مستلزمات الطيران". بقالة التلفزيون الاردني، بقيت على حالها، تبيع زبائنها العتاقى على الدفتر،"علكة معلوكة"، قضامة رطبة، جرابات مثقوبة،خيوط مصيص بدل رباطات الاحذية .وفي مواسم العطاء تغرقهم بدبس مكشوف وقطين له طعم الطين لا طعم التين .
تلفزيوننا اللامرئي،حينما تمر به مرور الكرام للانتقال الى فضائية اخرى.تصيبك نوبة كآبة ان لم تغمض عينيك بسرعة خاطفة،عكس ما ادعته المذيعة المصرية،المنتهية الصلاحية هالة سرحان، ذات نزوة اعلامية على احدى فضائية تجارية :" مش حتقدر تغمّض عِينيك".كم تمنيت ان تُطل صبيةُ جريئة من شاشتنا التي دخلت مرحلة "الكسوف الكلي"،وتعلنها بلا مواربة :عزيزي الاردني" انصحك لوجه الله،ان تلبس نظارة سوداء حتى لا تصاب بالعمى"
يا رب !
يا رب : نريدها مملكة قوية منيعة حصينة،عزيزة الجانب،بينما تريدها ـ نخبة قوى الدفع الخلفي ـ مزرعة بلا باب ولا بَواب. يا رب الارباب : نريدها عصية على ارباب السوابق السابقة الذين لهطوا الارض،و ما فوقها، وما تحتها. سرقوا اعمارنا،لم يتركوا لنا مساحة قبر. يا رب: نريدها آمنة مستقرة خطوطها مستقيمة كالصراط المستقيم ،و يريدونها معوجة زلقة،لا يستقر قرارها، كطريق طينية في ليلة ماطرة حتى لا تسير فوقها دابة، ولا تمشي عليها عجلة.
يا رب ساديون يسعدون بكي المواطن بمكواة الضرائب،ويستعذبون رائحة شيه على لهب الاسعار،حتى عاد المواطن المسكين كـ " فزاعة " من قشٍ ، لا تهش صرصوراً يزحف نحوها،لا تَكش عصفوراً حط على راسها، او جحش نتش قش ساقها . يا رب نريده وطناً للحشد والرباط، ويريدونه محطة "ترانزيت" للاستيراد والتصدير لدولة اسرائيل !.
يا رب اجعل صدورهم تضيق حرجاً كخرم ابرة صدئة،مثلما جعلوا اعمارنا اضيق من ثقب نملة،وجحر ضب.يا رب ولا رب إلآك. اجعل لهم في كل خطوة عثرة،و ازرع لهم في كل طريق سريعٍ جورة،فقد استنزفونا مثلما استنزفوا مياهنا الجوفية،و كرعوها لاخر قطرة، كسكير محروم،يكرع دفعة واحدة "نصية خمرة"رديئة في زاوية معتمة.يا رب : لا تردنا عن بابك خائبين،و انت اكرم الاكرمين.فإنتقم لنا من هؤلاء المقبوحين الذين عجّزونا، لكنهم لا يَعْجِزونك.
هذيان !
مهما بلغ الانسان من القوة،واعتلى في الرتبة. تظل كينونته الشخصية،تركيبته الفسيولوجية ،تشكيلته النفسية،مداركه العقلية،عوامل حاسمة تتحكم في سلوكياته. الانسان بطبعه يسعى جهده للارتقاء بنفسه علمياً، رتبوياً،اقتصادياُ، اجتماعياً.هذه جِبلةً مجبول عليها الآدمي.الادعاء غير ذلك كذب بواح وتزوير. الفاشلون يلجؤون لانتحال شخصيات يحلمون بها .اسوأ تلك الشخصيات المصابة بعقدة الاضطهاد.اذ يقوم صاحبها بلعبة تعويضية لنقصه الشديد مدعياً تارة انه المهدي المنتظر، و اخرى انه المسيح المخلص، وغير هذا وذاك من رموز لها حضورها. نماذج كثيرة مصابة بعُقد اضطهادية،بدرجات متفاوتة،تصطدم بها في الجامعات،المساجد،المؤسسات الحكومية،الشركات الخاصة. منذ ايام التقيت صدفة بواحد من سلالة المضطهدين. أسَر لي من دون مقدمات عن قواه الخارقه، وقدراته العجيبة .قلت له: ما دام عندك يا ـ صديقي ـ هذه القدرة، لماذا لا تركل اسرائيل خارج خارطة الوطن العربي؟.عندها تحل مشكلة تاريخية مستعصية،وستدخل كمنتصر في زمن لم يعرف العرب فيه النصر، بوابة التاريخ مثل "ابو الفتوح السلطان الغازي محمد الفاتح" فاتح القسطنطية ؟!.اجاب انها سهلة،و اسهل من قضم سندويشة شاورما على جوع، لكنني بحاجة الى اشارة "من فوق" و اشار باصبعه الى فوق. سالته بلهفة : ماذا تعني بـ "فوق" ؟!، و امثالك لا ينتظرون فرمانات من فوق او تحت.رد غاضبا الزم حدودك،فالاوامر تاتي لامثالي مباشرة من الله.فما كان مني الا ان "استغفرت الله ثلاث مرات" ثم قطعت حديثي معه، ناصحا اياه بالذهاب الى " الفحيص" للعلاج،خاصة ان الطب النفسي يتقدم،ليلحق نفسه.غضب وتوعدني بشر مستطير،مهدداً انه يستطيع سحق خصومه بنفخة،مثلما يستطيع شفائهم بلمسة. ادار لي ظهره ومضى ثم ذاب في الزحام . مذاك لم ار وجهه!.حمدت الله على غيابه، لانني على يقين تام ،ان الطاقات السلبية مُعدية، وسريعة الانتشار كانفلونزا الخنازير.لذلك عملت بنصيحة السلف الصالح : ( الشباك الي بيجيك منه طاقة "سلبية" سده و استريح) .
ابن الحرام لا "تدزوه" !
هناك رجل نَذَرَ نفسه لخدمة عباد الله طواعية،انطلاقاً من عقيدة راسخة و ايمان عميق.،تفضّل الله عليه بروح الجهاد والبذل من اجل اعزاز كلمته."ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم و اموالهم بان لهم الجنة". و هناك رجل فاجر يمثل طاقة شريرة مُدمرة، تكفّل بايذاء الناس وظلمهم. ديدنه نفث الظلامية على من حوله،إنطلاقاً من تركيبته العدائية وعقده الطفولية ودونيته الموروثة.عندما تدرس شخصية الفاجر بحيادية.تكتشف ان سلوكياته منحرفة شائنة،لا تصدر الا عن شخص فضائحي مغرق في الفضائح،لدرجة ان سجله حافل بالنقائص،وتاريخه شاهد اثبات بالصوت والصورة على انه ناقص. هو مُسجل "خطر" في الدوائر الامنية لانه حرامي ابن حرامي من نوع ـ سوبر ديلوكس ـ ،ومصنف لدى معارفه المقربين انه من ذوي السراويل الرخوة منذ ايام الدراسة. لهذا فان حياته سلسلة متصلة من المخازي مع سبق الاصرار والترصد..قمة الخزي تفاخره في مجالسه،بانه "صَفَرَّ"عداد اخلاقه. ذخيرته في الحياة سقوطه القيمي فقد اعتاد على صيد الفضائح والمخازي . نهايته الفجائعية قريبة و كارثية كما تُشير المبشرات ـ قولوا آمين ـ .
تنكة الزبالة والمقالة !
"فان كوخ" رسام عبقري غريب الاطوار.مات جائعاً منتحراً.لم يبع في حياته سوى لوحة واحدة بمبلغ زهيد.ذات جوع رسم لوحة رائعة لحبة بطاطا، لكنه لم يجد مشترٍ لها ليسد جوعه.صُنفت لاحقاً من افضل اللوحات العالمية، و اصبحت اليوم لا تُقدر بثمن.اعتقد ان لم اكن مخطئاً انها عُلقت في متحف "اللوفر" الى جانب اعظم اللوحات.عندما استكمل لوحته. كتب على ورقة جانبية " ماذا سنرسم اكثر من ان ندع اللوحة تتكلم"؟!،ثم استل مسدسه خاتماً حياته بطلقة مزقت احشاءه. ان لم تكن اللوحة ناطقة تَسحرُ ناظرها،القطعة الموسيقية تُطربُ سامعها.المقالة تهز قارئها.تكون اللوحة الوان على خشب. والمعزوفة موسيقى بلطة كتكسير الحطب.مقالة بائسة كحبر مسفوح على واقع صلب.الاصل في اللوحة،المعزوفة ان تفيض دهشة،تنبض حياة،تنطق شاعرية. اما المقالة ان لم تشحنُ بالغضب فهي فارغة مثل بطارية العرب.ليس موقعها اللائق زاوية في صحيفة محترمة.ما يليق بها صفيحة للزبالة.المقالة التي تحترم نفسها، تكشف سوءات المجتمع،تُعري النخبة المارقة،تدق ناقوس الخطر،تؤشر على مكامن الخلل، تُعبِر عن الهَّم الانساني كله،بغض النظر عن الهوية والمعتقد،المقالة المحترمة تدافع عن حق الحيوان في العيش بسلام وحقه بالموت الرحيم.المقالة تشتعل بركان غضب عند قطع شجرة،تلوث الماء،تسمم الغذاء. تدافع عن اصغر حجر يحمل قيمة انسانية ،حضارية، وتاريخية. المقالة المحترمة ان يشعر من يخط حروفها،ان نفسه صافية راضية مرضية،كأنها تسربلت بنفحة ايمانية، ولامست روحه نفخة ربانية ،لا ان يُدبجها لمكافاة شهرية،و تدليس لاسترضاء السلطة.غير ذلك فالورقة التي ضيّعها كاتب على كتابة مقالة مثلومة،تذهب سدىً،لان لتلك الورقة عند غيره منافع شتى،خاصة في الحمامات العامة.