بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
الحاكم العربي فقد بريقه، إنحسرت هالته ،فعاد كباقي مخلوقات الله الى حجمه الطبيعي . خاصة بعدما فقدت وسائل الاعلام خاصته، خاصية النفخ لنفاذ مخزونها من التهليس،وانتهاء مدة صلاحيتها في التدليس. وسائل التواصل والاتصال ضّيقت الكرة الارضية حتى اصبحت اصغر من حارة في قرية صغيرة، واختزلت المسافات حتى بدت اقرب من خط مستقيم بين نقطتين في قاع فنجان،لذا فانك لا تحتاج لمهارات قارئة الفنجان، لتعرف ما يدور بين خطوط الطول والعرض،وتتعرف على المستقبل وما يخبئه الزمن الآتي من مفاجآت.عالم اليوم كتاب مفتوح،صفحاته مقروؤة لكل راغب معرفة.وثائق ويكيليكس هطلت كسحابة صيف غير متوقعة اغرقت الدنيا بمعلومات كانت تجري خلف الجدران،وبالرغم من حجمها الا ان اول الغيث قطرة من بحر الارشيفات المخبوءة في الاقبية المعتمة،التي لم يفرج عنها او التي سيجري تسريبها. درسها الاول ان لا احد يستطيع اخفاء دبيب نملة، يتكتم على رفة جناح بعوضة في عالم اصبح مزرعة لاجهزة التصنت وكاميرات التصوير.اما اولئك الذين اصيبوا بالدهشة من "ويكيليكس" نقول لهم : انها ليست سوى قشة في بيدر السياسة و الاعيبها القذرة.
بالتوازي مع تلك المعلومات، تسيل سيول عارمة من جميع الاتجاهات الى كل الجهات،ناهيك عن روافدها تفيض باخبار موثقة، لتغمر الحقول مثلما تغمر الماء حقول الارز، لدرجة ان اصبحت الصحراء القاحلة واحة اخبارية، فيما تطفو على سطوحها المتدفقة، اخبار مفبركة من صُنع الاجهزة الامنية، لكنها تبقى خاوية كعلب الببسي الفارغة ما تلبث ان تُلفظها على جوانبها،ليلتقطها الباحثون عن الخردة من اجل صناعة اقواس نصر كاذبه لزعماء يجري تلميعهم مع انهم اساؤوا لشعوبهم وخربوا اوطانهم.ما يُطمئن اهل الحق .ان الله الحق المُبين تعالى في عليائه، يحمي الحق ويُعليه : " فاما الزبد فيذهب جفاءً و اما ما ينفع الناس فيمكث في الارض" .
وسائل الاعلام العربية التي تقودها نماذج ممسوخة ضللت شعوبها باعتمادها الجعير كـ ـ توفيق عكاشة ـ والنهيق مثل ـ اديب عمرو ـ بتلفيق الاكاذيب على العوام،و نفخ الحاكم بزيادة حجمه حتى خف عقله، و كاد ان يطير ظناً انه سوبر مان عصره.الانكى قيامها على مدار الساعة،بتجهيل المواطن وتضليل الحاكم نفسه. اما اذا نصحت اهل الحل والربط بان ما تفعلونه "غلط"،يأتيك جواب الناعق الاعلامي في اليوم التالي : "الجمهور عايز كدة"،وكأن المواطنيين قطيع اغنام مصاب بنزعة الرضاء العمياء او مجموعة سكارى في قاعة طرب، تطلب اغنية راقصة لهز خصورها على ايقاعها. جورج بوش نجح بإنتخابات حرة نزيهة،لكنه صُنف في اعلام بلاده انه من محدودي الذكاء عقلياً،و الاقل حظاً في الوقار و الهيبة حسب ما اعلنه رئيس رابطة علماء النفس الامريكيين.لو حدث هذا في احدى البلاد العربية لشُنق الطبيب،بتهمة التآمر على راس الدولة.
لم يعد الحاكم العربي سوبرمان عصره، صانع المستحيلات المستحيلة، لان زمن التلفزيون الواحد،القناة الواحدة،الصحيفة الواحدة إنتهى للابد بمعنى ادق ـ لا تلميع بعد اليوم ـ.المواطن العربي انعتق من اسار الكلمة المبرمجة والخبر المطبوخ.صار الفضاء كله مُلك يمينه. بكبسة زر بات يعرف ما يدور حوله و حواليه . لهذا رمى خلف ظهره الاعلام الرسمي لانه لا يثق به،ولا يتعامل معه بالمطلق. ايام زمان كان مُكرهاً عليه " كالمضطر الى لحم الميتة"،بينما اليوم لو إلتقطها من باب الصدفة، فانه لا يُصدق حتى صدقها.اصبح سيد نفسه،مالك حريته،لان خياراته تعددت.فقبل ان ينهض من فراشه يجوب الدنيا بالريموت كنترول. ياخذ ما يُرضي ضميره ويؤمن فكرياً بصوابيته،في حين يزيح بـ "الكريك" اكوام الزبالة التي تكبها وسائل الاعلام العربية في طريقه .بهذه الطريقة ينهل المواطن العربي، ما يريد قبل ان ينهض وزراء الاعلام من نومهم ويفسدوا عليه يومه. الشبكة العنكبوتية فتحت ملفات الجميع وكشفت الجرائم الجنائية لا المالية و الادارية فحسب حتى انها نبشت ممارسات قادة الماضية،وهم داخل قبورهم.فالشبكة العنكبوتية هي / شبكة اخطبوطية ذات اذرع متعددة وطويلة تصل الى حيث تريد / ناهيك لما فيها من جاذبية علمية و اغراءات فكرية لطالبي المعرفة،بعيداً عن متابعات طلاب الدعارة البصرية .
المواطن العربي المأزوم / المظلوم، اكتشف فيما اكتشف، انه كان يعيش في عالم وهمي كاذب مظلم ، وان دولته العربية المستقلة التي يرقص في عيد استقلالها، ويُطلق الالعاب النارية احتفالا بها، ليست مستقلة انما مُكبلة من اطرافها الاربعة.هي سجينة المديونية،الفسادها المالي ،الاداري، النخب المعوجة التي ترمي ثمرها خارج حوضها وفي بلاد غير بلادها.دول متخلفة،اصبحت خارج عصرها، لا ديمقراطية،لا حرية، لا تداول سلطة.عوامل كلها تنخر عظامها،حتى ان قرارها الوطني / القومي ليس بيدها،انما يُفرضُ عليها من خارج حدودها .كارثة وطنية / قومية لا مفر من الاعتراف بها، و انها قصمت ظهر العربي، افقدته الثقة بنفسه.
ما ذبحه من الوريد الى الوريد ان ـ دولته العربية ـ من الماء الى الماء،لم تكن منذ تأسيسها "دولة الشعب كل"،انما هي دولة القلة، النخبة،الحلقة الضيقة،دولة الحزب الواحد المستبد،دولة العائلة التي تحكم بجينات وراثية كأنه نص سماوي.لهذا عمدت هذه الدول الى تسوير ذاتها بالجدران المسلحة، الاسلاك الشائكة مثل لصوص الاراضي الحرجية كي لا يخترقها ويكشف افاعيلها التي تُغضب وجه الله سوى ازلامها.فظهرت تعريفات جديدة للمواطن: انه ليس لحامل جنسية وطنه بل من يدافع عنه،ونسي صاحب هذا القول ان يقول:ان الوطن ليس لمن يحافظ عليه ويحميه بل لمن يسرقه و يخونه ويُطَبّع مع عدوه.
قيادات فَصَلَتْ الدولة عن شعوبها بحرفية عالية، مثلما يفصل جزار محترف راس الذبيحة عن جسدها.فاصبحت القيادة عازلة ومعزولة.و بما ان السياسات الخارجية ليست بيدها،ذهب تركيزها الى الداخل،فدافعت عن نفسها ضد مواطنيها بشراسه، ونفذت مشاريعها على اشلاء شعبها بتخريب الوحدة الوطنية،التلاعب بالمذهبية،،العزف على اوتار الجهوية،تضخيم المناطقية،التغني بالعرقية،الطنطنة بالطائفية. هذا ما حدث ويحدث في اكثر الدول العربية،وعندما خرجت الامور عن مسارها اخذت تتباكى على ما اقترفت يديها.قبل هذه الافعال المنكرة،فتكت بالمعارضة و احزابها.حجّمت الشخصيات المستقلة البارزة.اغتالت النشطاء باحط الوسائل القذرة. كانت ولم تزل على عدواة مع الحرف،و خاضت معارك ضارية لتطويع الكلمة.
التذاكي يسقط امام الحقائق الكونية. القانون الطبيعي يؤكد: من المحال بقاء الحال على حاله،فالتغيير سُنة الحياة، وطبيعة الكون والديمومة لله وحده. الاستنتاج ان السياسة الراكدة التي لا تتطور هي كالماء الراكدة الآسنة تتعفن. كذلك الانظمة التي لا تتقدم للامام فانها لا تتاخر فحسب بل تسقط، "العلم المستقر كالجهل الساقط" .ما حدث ان بعض الدول العربية لم تسقط بل تهاوت كـ "بيوت رمل" شيّدها اطفال على شاطيء بحر مضطرب. المؤشرات التي تلوح في الافق، تؤشر ان "تسونامي ما" سياتي يوماً ما،ليجرف الجميع الا من اتقى الله وركب سفينة الاصلاح " سفينة الاتقياء الانقياء" ـ سفينة نوح العصرية ـ .
الدولة العربية الحديثة، لم تؤمن بحرية الاختلاف،لم تحترم حرمة النفس البشرية،لم تُقدّر إنسانية الانسان و كينونته الآدمية التي كرّمها الله .الاجهزة القمعية اذلت المواطن،حطمت احلامه.حولت زنازين المجرمين الى زنازين للمثقفين، لاهل الراي ، لاصحاب الفكر المستنير. ذاتها الاجهزة القمعية لم تحفل باخلاقيات مهنتها ولا مهنة غيرها،فقامت بتخليق شريحة موالية اشترت ذممها بالف طريقة وطريقة دنيئة.شريحة طفيلية لا تهتم الا بمصالحها حتى لو جرت البلاد الى التهلكة.مثالا لا حصراً،ما اوردته القنوات المحسوبة على النظام العراقي كلها على مدى الثلاثة ايام الماضية : ان النخب العراقية النافذة نهبت اموالا منذ عام 2003 الى عام 2014،حسب تقارير امريكية موثوقة، تغطي احتياجات ايطاليا والنمسا وسويسرا معاً.
المتابعون يذكرون قصة الطائرة التي ضُبطت في مطار بيروت وهي محملة بمليارات الدولارات العائدة لشخصيات عراقية،وقصة القائد العسكري الكبير الذي حمل معه عشرة مليارات دولار لشراء اسلحة حديثة فخرج ولم يعد. المظاهرات في العراق تخرج اليوم تحت درجة حرارة تزيد على الخمسين مئوية صارخة " اين الملايين يا حرامية ؟!". الشرارة / الصدمة التي الهبت الاجواء حين افتضاح سرقة "تريلون دولار"ـ "الف مليون دولار"ـ خلال ثمانِ سنوات ـ حقبة حكم نوري المالكي / حزب الدعوة ـ . نخبة لم تدفع العراق خطوة واحدة للامام رغم ما لديه من امكانيات هائلة لاحتلال مركزاً متقدما في التنمية و الاعمار بل احتل المركز الثاني في الفساد الدولي،مع انه يحتل الترتيب الثاني في الاحتياط النفطي العالمي،ويخترقه نهران من انهار الجنة،دجلة والفرات. ما يُدمي القلب ان الشعب المُبتلى بنخب فاسدة يعيش بين فقر و فقر مدقع،لا يجد ماء الشفة، وينام على العتمة.ما يعني ان النخبة السافلة صنعت عراقاً تحت الصفر،وحقق نبؤة جيمس بيكر بعودته للعصور الحجرية.
الاسئلة المعلقة بلا اجوبة حتى اللحظة : لماذا رضيت الشعوب العربية بالانظمة الظالمة؟!. لماذا سكتت عن الحاكم الديكتاتور الذي يتلاعب بالاموال والقرار ويستهتر بشعب باكمله ؟!. لماذا كل ما انعم الله به على الوطن يصب في جيب الحاكم بامره،والفتات لمن حوله والبقية الباقية من الفتات تذهب للشعب بعد الغربلة؟!.. و اصبح مقياس ولاء النخبة للزعيم التفنن في إذلال الناس من اخس الناس سلوكا وسيرة. حقيقة لا تقبل المساوامة،ان الظلمُ في أي دولة يُعجّل في هلاكها،بآثاره القاتلة ونتائجه المدمرة.ها هي دولنا العربية تدخل دائرة الدمار الشامل الواحدة تلو الاخرى، لانها لم تتحصن بالعدل، انما عاثت نخبها فساداً في الارض،فانزل الله عليها شر عقاب.
التغيير السلمي الحضاري ما نريده لكن "... الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما انفسهم". للوصول الى تداول السلطة، تعديل المسار،تصحيح الاعوجاج،محاربة الفساد باشكاله كافة،بحاجة الى تضحية.فالاوطان الحرة المستقلة لا تسعى على قدميها الى شعوب نائمة تستمني في فراشها بانتظار معجزة من السماء السابعة، حالها حال مراهق حالم يرسم في خياله صورة انثى خارقة الجمال، تدق بابه لترتمي في حضنه كي يقضي وطره منها،لكنه لا يكلف نفسه فتح باب غرفته لها خجلاً من ذويه رؤية هلاله الذي اكنتملت دائرته فصار بدرا، حيث لا يمكن حجبه بسرواله.فنام بحسرته لانه فرطّ بحلمه ولم يمسك اللحظة الحاسمة .
زعيم ديمقراطي !
زعيم عربي ديمقراطي حتى النخاع ،تُرفع له القبعات،تنحني له الهامات. قبل اتخاذ أي قرار يهم شعبه مهما دق حجمه او صغر وزنه،كان يجمع حوله :كبار مستشاريه،الحلقة الخاصة من معاونيه،افضل ما فيه انه لا يكتفي بافكار هؤلاء بل يستدعي اهل الاختصاص لطلب المشورة لكي يلم به من كافة اطرافه.هو حريص على مصلحة الامة.من هذا المنطلق يجمع الاراء كلها بلا استثناء،لا يسقط منها حرفاّ واحدا. يقرأها بروية وهدوء، يوازن بينها.يطرح الغث منها،ويحتفظ بالسمين في يديه. ثم يقوم بنفسه برميها كلها في حاوية او يحرقها لكي لا يبقى منها اثراً،فقد اعتاد الزعيم ان لا يسمع الا صوته، ولا ينفذ الا ما يدور في راسه....ايها العربان : صفقوا له حتى تبلى جلود ايديكم،واصفعوا وجوهكم لانكم تستحقون فوق ذلك دزينه من الشلاليت.