أدخلت الحكومة الأردنية جملة تعديلات أواسط العام 2009 على نظام التوقيف القضائي، وضعت خلالها ضوابط على الصلاحيات المعطاة للمدعي العام في التوقيف القضائي، لكنها لم تضع أية ضوابط على التوقيف الإداري ما فتح بابا من الانتقادات الحقوقية.
المفوض العام في المركز الوطني لحقوق الإنسان محي الدين توق، يرى أن على الحكومة أن تدخل التعديلات على التوقيف الإداري أولى من القضائي، "خاصة وأنه إبقاءه يعرض الأردن لجملة انتقادات دولية".
تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان الأخير "التوقيف الإداري صلاحيات قضائية بأيدي تنفيذية" دعا الحكومة إلى بسط الرقابة القضائية على قرارات التوقيف الإداري وصلاحيات الحكام الإداريين الضبطية. كذلك إلى ضرورة احترام القرارات الصادرة عن السلطة القضائية بالبراءة أو عدم المسؤولية أو بإخلاء سبيل الموقوف.
وكف يد الحاكم الإداري عن إجراءات التحقيق التي تقوم بها الشرطة، واحدة من مطالبات المؤسسات الحقوقية، فلا يسمح بالاستمرار بحجز الأشخاص والتحقيق معهم لمدد طويلة بالاستناد لمذكرات التوقيف الصادرة عن الحكام الإداريين.
حوادث فردية
خسر مهند 34 عاما عمله في البناء، بعد أن تم إيقافه لأكثر من مرة إداريا على تهم وجدها الحاكم الإداري تشكل خطر على المجتمع. هذه التهم من جانبه لمهند يراها بأنها أدنى من البساطة، إذ أن تشاجر مع زملاء له، والمشاجرات لا تستدعي إيقافه خاصة وأن لم يصب أحدا بأذى في تلك المشاجرات.
حسام 40 عاما، أوقف إداريا على قضية شجار في أحد الأحياء، ولا ذنب له بالشجار، تفاجئ بيوم طلب مراجعة الحاكم الإداري في منطقته، وما أن ذهب حتى تفاجئ بإيقافه إداريا وتحويله إلى مركز إصلاح جويدة لمدة أسبوعين.
محمد أبو صفية، فوجئ هو الآخر من تحويل ابنه 14 عاما إلى الحاكم الإداري والأخير أقر بوضع قيد أمني عليه، بحجة أنه تسبب بشجار في مدرسته. ويقول والده أن ابنه تعرض للاعتقال لأكثر من مرة بسبب القيد المسجل بحقه.
ارتفاع أعداد الموقوفين إدارياً
المركز الوطني لحقوق الإنسان كشف في تقرير أصدره أوائل العام الجاري، عن ارتفاع أعداد الموقوفين إداريا في العام 2009 إلى 16 ألفا و50 موقوفا فيما وصل عددهم في العام 2008 إلى 14 ألفا و46 موقوفا إدارياً مطالبا التقرير بإلغاء قانون منع الجرائم للعام 1954 أو إجراء تعديلات عليه.
نسرين زريقات رئيسة وحدة العدالة الجنائية في المركز، توقعّت في حديثها لعمان نت عن احتمالية ازدياد أعداد الموقوفين إداريا هذا العام طالما بقي القانون ساري المفعول.
سبق تقرير المركز بعام واحد، تقرير المنظمة الدولية "هيومن رايتس ووتش"، التي طالبت الحكومة الأردنية بوقف العمل بذات القانون، معتبرة أنه انتهاك باسم القانون وفيه صودرت حرية الآلاف من المواطنين.
واعتبر تقرير المنظمة الدولية أن استمرار التوقيف الإداري يقوض من سيادة القانون في الأردن. متهمة المنظمة مسؤولين في وزارة الداخلية بـاستخدام القانون المذكور لسجن الخصوم الشخصيين لهم، وفي احتجاز الأشخاص من أجل الضغط لتسليم شخص مطلوب للعدالة، وفي احتجاز الأشخاص لمجرد خروجهم على الأعراف المحلية".
ومن المقرر أن يخاطب المركز الوطني لحقوق الإنسان الحكومة عن طريق إصدار مشروع قانون معدل لقانون منع الجرائم "إذا اتخذت الحكومة موقفا صارما تجاه إلغاء هذا القانون"، على ما قاله محي الدين توق المفوض العام في المركز، عقب إعلانه عن التقرير.
شخص واحد من كل خمسة أشخاص في السجون الأردنية يخضع للاحتجاز الإداري، كنتيجة لتراكم القيود الأمنية، وفق منظمة "مراقبة حقوق الإنسان".
يسمح قانون منع الجرائم لسنة 1954 للمحافظين باتخاذ إجراءات بحق الأشخاص الذين "على وشك ارتكاب أي جرم أو المساعدة على ارتكابه"، ومن "اعتاد" اللصوصية أو إيواء اللصوص أو المساعدة على إخفاء الأموال المسروقة، أو كل من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة "خطراً على الناس". ويتبين من أحكام للمحاكم ومقابلات أجرتها المنظمة أن المحافظين يلجأون في أغلب الأحيان إلى التذرع بهذه الفقرة الأخيرة من القانون، وفقا لتقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان.
فيما يوصي تقرير المركز الوطني، بحصر صلاحيات التوقيف بالجرائم الخطيرة (الجنايات) تحت إشراف السلطة القضائية بما يتوافق وقانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، كما أوصى بوضع حد أعلى للكفالة المالية وعدم المبالغة بقيمة الكفالة المطلوبة لأنها تشكل عبئاً على الموقوفين وذويهم.
أثناء ذلك، كشفت وزارة العدل عن إعدادها لسجل عدلي إلكتروني مبني على أحكام قضائية مبرمة بدلا من الاعتماد على السوابق لدى الجهات الأمنية، من اجل التنفيذ السليم لأحكام القانون غير أنه لم يطبق فعليا حتى هذه اللحظة.
ويطبق الأمن العام "القيد الأمني" كإجراء تمهيدي للتوقيف الإداري، بهدف حماية المجتمع ممن "يشكلون خطرا عليه أو تهديدا لأمنه"، وهم عادة ممن سبق أن ارتكبوا سلوكا مخالفا للقوانين.
ويلازم القيد الأمني صاحبه لسنوات كسجل تتراكمي لا تلغى فيه القيود. وبناء على القيد الأمني يحق للأمن العام استدعاء أي من أصحاب القيود عند التحقيق في كل قضية تقع في المنطقة التي يقطن بها.
ورغم وقف العمل بالقوانين العرفية في الأردن منذ العام 1989 إلا أن المحافظين استعانوا بأحكام قانون منع الجرائم لعام 1954 لتطبيق "القيد الأمني" الذي يهدف إلى "حماية المجتمع من الخطيرين أمنيا". عمان نت