بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
((( ليست الكتابة المميزة ان تكتب افضل من الآخرين،لكنك تتميز في ان تقول ما لم يجرؤ على قوله الآخرون،وتكسر التابو المُحرّم ـ ليس كل ما يُعرف يقال ـ بان تقول كل ما تعرف دون وجل،واضعاً نُصب عينيك مخافة الله تعالى " لا يحبُ اللهُ الجهرَ بالسوء من القول الا من ظُلم".
فالتستر على قول الحق جريمة كبيرة وكبيرة من الكبائر.واجب الوجوب قول ما لا يمكن قوله،مُجاهراً بالحق،مُجابهاً للباطل،مُتحدياً ظلم الظالم لزجره عن ظلمه، كفعل ايماني ووطني و انساني"،متخذاً قول سيدنا وقدوتنا محمد صلوات الله عليه هادياً وهداية : " اذا رايت امتي تهاب ان تقول للظالم ـ يا ظالم ـ فقد تَودّعَ منهم ".
اي تخلى الله عنها.فالحق احق ان يقال حتى لو طارت الرقبة،لان الدنيا لا تساوي في الميزان الآلهي جناح بعوضة ))).
بلا مواربة او مجاملة اننا نعيش مرحلة ظلامية مُظلمة ظالمة،فمن هو البطل الذي يتصدى لهذه القوى التي تجرجر البلاد الى عهود محاكم التفتيش،و ازمنة الاحكام العرفية الحجرية ، ورهبة جنرالاته ـ المنفوخين كبالونات ـ حيث كانوا يزجون الصحافيين بالسجن بتهم مخجلة تارة ومضحكة تارة اخرى، حتى ان احدهم كان يقيس المقالة بالمسطرة،وبعضهم يزن التحقيق بيده.اليوم يريدوننا ان نتقياً حليب امهاتنا،وندوس على قيمنا،ونتحول الى شهود زور على ما يجري من فظائع يشيب لها الولدان او نتغنى بامجاد موهومة مكذوبة.حبس الصحفي حبس للكلمة،مصادرة للراي،قطع تيار المعلومات عن منارة الصحافة التنويرية التي ترشد الناس الى المرافيء الآمنة، وتخبرهم عما يدور في الدهاليز المظلمة، وما يحاك في الخفاء ضدهم. الصحفي الملتزم اللا متسول وغير المرتزق مؤرخ وطني لما يدور من احداث في وطنه.
مُدوّن للتاريخ الاجتماعي اليومي. مرجعية لصدقية الخبر.حارس الذاكرة الوطنية لمنع العبث فيها او تزييفها.حامل مصباح ديوجين في وضح النهار لكشف المهازل التي تجري هنا وهناك."شايل" الهم الوطني على اكتافه لنقل معاناة الناس الى صاحب القرار كما هي على ارض الواقع بلا مكيجة او فلترة، لا كما تفعله الحاشية من تقارير عنوانها جميعاً : " كله تمام يا فندم ".
فبدلاً من تكريم الصحفي النبيل،وتسريع مهماته،وتقديم المعلومات التي تخدم مهنته، يجرى تطويق حركته،وتكبيل مهمته بقوانيين ثقيلة يعجز عن حملها جمل المحامل : المطبوعات والنشر،امن الدولة،مكافحة الارهاب،الجرائم الالكترونية، قانون العقوبات.
حبس الصحفي نسف لكل ادعاء بالاصلاح،دلالته الاولى خلق صحافة مدجنة. تصلح كمفارش للاكل،مسح لزجاج النوافذ،حماية للاثاث عند الطراشة،تلميع لاحذية المسؤولين الموحلة بالفساد.الاخطر دفع الصحافيين النخبويين لهجرة هذه المهنة بعد تسويرها بالعقوبات القاسية، و ارسال رسالة مبطنه لهم ان من عنده موهبة الكتابة الصحفية، فليمارسها في بيت خالته او على جدران الحمامات العامة كما يحدث في الانظمة الشمولية،اما اذا اراد الادلاء برايه فليعوي بما يرغب بالبراري المُقفرة او يبرز مواهبه الخطابية في جاروشة اعلاف حتى هو ذاته لا يسمع صوته.عقوبه الحبس ترويض للصحفي الخارج على منظومة القطيع كي يطأطأ راسه،و الا فيصار الى خلع انيابه حتى لا ينهش سمعة فاسدٍ،ونزع اظافره كي لا يخمش تاريخ مسؤول اعتدى على اموال الدوله،او انتهك حقوق الانسان. المحصلة اخلاء الساحة للمضبوعين والمطبعين،للمتكسبين والمتسولين،لضاربي الدف،وعازفي المزامير.
لا ابالغ ان قلت منذ معركة بلاط الشهداء الفاصلة بين المسلمين والفرنجة في سهل بواتييه على مسافة (340) كم من باريس،والكلمة مطاردة،فمصير اصحاب الراي كان النفي او القتل او السجن.المفارقة الفاضحة ان المفرقعات تنفجر فوق رؤوسنا كل ليلة،وتُهرّب من كل المنافذ الى اطفالنا،المخدرات توزع في الشوارع، التزنر بالاسلحة اصبح موضة مثل ارتداء الجينز،احتلال الارصفة عادة وطنية،حمل القناوي والسواطير في السيارات رجولة و مرجلة.كل هذا و الادارة المترهلة نائمة. الكلمة الشريفة المقاتلة،طلقة الانارة،صرخة الاستفاقة ،مشرط إجتثات خُراج الفساد من جسد الدولة،صارت نشازاً مصيرها السجن ان تنفست.لذلك جرى التضييق على صاحبها حتى اكتملت الحلقة بشرعنة سجنها وكاتبها لانهما اشد وطأة على الفاسدين من الاحزاب والبرلمان وباقي المنابر التي ادار الشعب لها ظهره.
سؤال جارح لا بد من طرحه:هل هناك تعارض بين الحرية والاستقرار ؟
!. بالقطع لا،فالعلاقة بينهما تكاملية،فحيثما توجد الحرية توجد العدالة ويوجد الاستقرار. بالحرية والعدل معاً لا مكان للدولة العميقة.بهما تتحصن الدول العصرية الراقية من الاضطرابات العميقة،والتحولات الحادة،و بهما تخلق الدول جسوراً تواصلية لا استئصالية،تتعامل مع الناس بعقلية منطقية لا وحشية قمعية.تاخذ بايديهم بطرق انسانية لا شيطانية مثلما يحدث في الدول التي تعيش على احكام القبضة الامنية،وغبار الفلفل،دس الشطة في الاماكن الحساسة،الضرب بالعصا الكهربائية،الحبس في الزنازين الرطبة،التعليق من الارجل مع الفلقة، الازعاج في النوم،الاعتداءات على كرامة الرجال بطريقة مهينة يهتز لها عرش الله، فانهارت تلك الدول في سويعات باسرع ما توقعه اذكى المحللون السياسيون والعسكريون.فلماذا نشوه وجهنا الجميل باظافرنا؟!. وما هي المكاسب من وراء ارهاب اصحاب الاقلام النظيفة في امة لم يبق منها الا رمادها،و لن تعود الى غابر عهدها الا بصرخة عمر بن الخظاب : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ؟!.
ووصية عمر بن عبد العزيز لاحد الولاة عندما اشتكى الناس " حصن ولايتك بالعدل". تفسير القوانيين القاضي بسجن الصحفي ينسف كل ادعاء بالاصلاح.
يرجعنا الى زمن ليس زماننا،زمن الاحكام العُرفية البغيضة التي دمرت البلد وشلت التطور،وقتلت الابداع.اعجب العجب في الالفية الثالثة ان أُمة "اقرأ"، تقيم حد السجن على من يقرأ ويكتب بمداد ضميره.ا
ما وجه الاعوجاج كيف يستقيم ادعاء الحكومة "الثورية" اصدار قانون انتخاب عصري ولجم الكلمة ؟
!. كيف نُصّدق الحكومة انها بصدد انشاء فضائية مستقلة الراي لمنافسة الجزيرة، C.N.N، B.B.C ثم تحجر على العقول ؟ !
كيف تدعي انها تُحارب الفساد وهي تُرهب حملة مشاعل الكاشفة للفساد، وتكسر اقلام الذين يقلعون باقلامهم عيون الفاسدين ؟! انظروا ماذا قال بالامس غوبلز وزير الاعلام النازي في حكومة هتلر من كلمات لم تزل ترن في اذن التاريخ : "كلما سمعت كلمة مثقف اتحسس مسدسي"،ودققوا ما يُقال اليوم "كلما سمعت كلمة صحفي اعود الى قانون العقوبات وامن الدولة ومكافحة الارهاب".
الاردن يتراجع عاماً بعد عام على مؤشر الحرية الصحافية حتى اصبحنا في ذيل الامم ،بينما دولة جزر القمر سبقتنا باشواط بعيدة،و احتلت المركز الاول عربياً. فاين هم الاصلاحيون عندنا ؟.
دلوني على اصلاحي واحد ادلكم على الف مخرب.ارشدوني الى ملف واحد نجحت فيه الحكومات المتعاقبة ادلكم على الف ملف فاشل .نخلص ان الدرس من وراء حبس الصحفي ان الحكومة / الحكومات، لا تريد صحافة يقوم عليها صحافيون نزيهون محايدون شرفاء لا ينحنون للضغوط ولا يسيل لعابهم للعطايا،انما جوقة اعلامية تغني "اوبريت النفاق الوطني".لا تريد منابر تنويرية بل تريد منصات ثرثرة على الطريقة المصرية السائدة اليوم و المخزية.الحكومة لا تريد صحفياً جسوراً غيوراً على محارم وطنه بل تريده كالزوج الخنزير الذي يضبط غريباً في مخدع نومه،فبدلاً ان تثور حميته،ويرجم الزاني بالصرامي، يغلق "البرداية" خوفاً عليه من لفحة برد،و على زوجته من فضيحة امام الجيران،ثم يرجع قافلاً من حيث اتى حتى تكتمل فصول مسرحية الفاحشة. كل المؤشرات تشير من جانب الحكومة انه اذا نطق الصحافيون من الفرقة الغيورة على محارم وطنهم باعلى اصواتهم ضد الخراب القائم، فستنزل فيهم محنة كمحنة البرامكة ايام هارون الرشيد او مثل مذبحة المماليك في القلعة التي دبرها محمد علي باشا،لكنهم ان امعنوا في "غيهم" فلهم في صحافيين اليمن موعظة سيئة حيث قام الحوثيون بالتنكيل بالصحافيين وترهيب اسرهم.
فقد سجلت نقابة الصحافيين اليمانيين ووثقت العام الحالي 200 اعتداء على حرية الصحافة، قتل 10 صحافيون وسجن 14 آخرين و تعرض 9 منهم على الأقل للتعذيب الوحشي، عدا عن كثيرين غادروا البلاد،بينما فضّل بعضهم العودة الى قراهم للاحتماء بقبائلهم. ففي هذه الحالة فان العربان كلهم من دون استثناء في الهّم شرق. الدول العظيمة توأمت بين البندقية و الاعلام لانهما السلاحان الاهم في المعارك الخارجية والداخلية على السواء.اللافت على الدوام ان يسبق الاعلام الآلة العسكرية ويمهد لها اسباب النصر.هذان السلاحان من الاسلحة المقدسة الواجب رعايتهما وتحديثهما.
من منطلق القداسة لهذه المهنة المقدسة،لا احد يرضى بالفوضى الاعلامية، والتشهير بالابرياء من اجل الشهرة،و لا بلطجة الدخلاء على المهنة من متسولين ومبتزين وطلاب شهرة فضائحية.اما كرامة المواطن وخصوصيته الخاصة من التابوهات المحرمة الواجب عدم المساس بها او الاقتراب منها. من هنا لا احد يقف امام التشريعات العادلة الناظمة للمهنة، فالكل تحت القانون سواسية،شرط ان لا تمس بنوده حرية التعبير المكفولة في الاحكام الشرعية و القوانيين الوضعية،و المواثيق الدولية.
سيدنا محمد صلوات الله عليه لخص الموضوع برمته بكلمات موجزة على لسان الحق تعالى : " انا الله قدرت الخير والشر فطوبى لمن جعلت مفاتيح الخير بين يديه وويل لمن جعلت مفاتح الشر على يديه".
فيارب العباد لا العبيد نسألك مسألة المضطرين، بان تجعلنا مفاتيح خير مغاليق للشر،فأ كثر الناس سوءاً من لا يُرجى خيره و لا يؤمن شره.