بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
السقوط ***
مسح راسه بباطن يده كانه يمسح هموم عمره المعشعشة في تلافيف دماغه، يكشط عفونة ماضيه المستوطنة في عتمة جحور ذاكرته. لقد بلغ من العمر ارذله. رنة الهاتف من ابنه في الخارج ذكرته بعيد ميلاده،فانتابته حالة ضيق شديدة...بدلاً من علك حبة شوكلاتة من النوع الفاخر المدمن عليها. تناول حبة مضادٍ قوي للكآبة .ازدردها بصعوبة بالغة.لا يريد ان يعود الى ماضيه الاسود من القطران،لا يريد ان يتذكر تاريخه المشين.ضاقت امنياته حتى اصبحت بحجم كفن ابيض خالٍ من الدنس،فقد افتقد البياض والطهارة منذ زمن.ايقن ان الايام خطفته من ذاته،وان الانغماس في ملذات الحياة وزينتها لم تكن سوى مقامرة خاسرة .الانسان لا يساوي قشرة بصله اذا تجرد من ضميره وباعه طعاماً للكلاب. آه ....ذهب بريق الذهب... والكرسي دوار ومتحرك لان له من العجلات اربعة،وعيون الحساد تشرئب نحوه،فيما الاصدقاء يحفرون تحته بصمت .... الكرسي مثل شباط ما عليه رباط،ولا يوجد عليه حزام امان.....يلفظ من عليه كسيارة القلاب التي"تكب" حمولتها....كرسي غدار ما له صديق كصديق السوء...كرسي جامح كحصان غير مدجن لا يستقر على ظهره احدُ الا الفترة الزمنية الفاصلة بين التحميل والتفريغ.اين يهرب ...لم يعد في العمر بقية ؟!. ا
استحوذ عليه شعور عصفور مقصوص الجناحين داخل قفص حديدي...جثة يسعى بتؤدهٍ الى قبره على رؤوس اصابعه،جنازة مؤجلة تنتظر عزرائيل لاعطاء الاشارة.... ما الحل ؟. يداه ملوثتان،فرجه دنس،ضميره يلتف حوله كاخطبوط بعشرات الايدي ؟!......تحسس مسدسه الذي لا يفارقه حتى في غرفة نومه...انهمرت مكالمات الجيران تسأل الزوجة المفجوعة عن سر الطلقة التي دوت عندهم....
الرجل و الشجرة !
*** وقف يرقب الشجرة في حديقته من طرف نافذة غرفته.يا الله، انا مثلها.... لم تعد قادرة على حمل نفسها حتى انها بالكاد تشيل اوراقها المصفرة. هبة ريح تطيح بها رغم انها مسورة بجدران مسلحة لتحميها من العواصف العاتية. ماذا ينفعها كل هذا...لقد تآكلت ؟!.
سقطت بعد ايام قليلة وحدها مثلما توقع. كانت صدمته مضاعفة. كم تمنى ان يموت قبلها...ذكريات كثيره له تحتها.سقوطها جاء اسرع من توقعاته.احتار في الاجابة عن سر السقوط. ...في مثل هذه الحالة لا بد من الاستعانة باهل الخبرة.عزا العارفون بعلم الاشجار ان سقوط الشجرة يعود الى ديدان الارض... لم يقتنع بالاجابة...جذورها قوية سليمة،وتربتها طيبة. اتجه الى منحىً آخر.
سأل اهل الله ممن فتح الله عليهم فتح العارفين من ذوي البصيرة الخارقة ،ومعرفة الخفايا الخفية من بواطن الامور.جاء الجواب حاسماً وقاطعاً.... انها الدودة اللعينة "حفارة الخشب"،تاكل الساق دون العبث بالقشرة الخارجية حتى لا يُقبض عليها بالجرم المشهود ،ويقوم اصحاب الشجرة برشها بمبيدات حشرية للتخلص منها قبل ان يستفحل الخراب و تاتي على البقية الباقية منها. هي النخبة الفاسدة المستبدة التي لا تنتمني للوطن الا شكلاً ـ اكلته لحماً ورمته عظماً ـ ثم تحلت بثمارها الحلوة،وتركتها حطباً للتدفئة في مواقدها والتلذذ بفرقعة حبات الكستناء عليها.
العقاب و القبرة وما بينهما !
*** العقاب من كواسر الطير.ملك الفضاء،رمز الشجاعة لهذا احتلت صورته اعلام بعض الدول وهامات العسكر. احتل مكانة في قلب الرسول صلوات الله عليه،،لما له من خصال عديدة على راسها القوة والنبل فرفع راية العقاب، ثم اتخده صلاح الدين الايوبي شعاراً.العقاب طائر غير هيّاب يفترس الذئاب والثعالب كما يقول علماء الحيوان،ولفروسيته هو عف النفس لا يقرب الجيف كبعض الطير،ولا ياكل الا من صيد مخالبه حتى لو مات جوعاً. القبرة امرها مختلف ومنحرف بمقدار 360 درجة. تبني عشها في حقول الحنطة،وتضع بيضها في متناول عابرو السبيل،لذا تكون صيداً سهلاً للانسان،الماشية، الصبية،المخلوقات الطائرة الزاحفة. اذن ليس غريباً ان تدوسها الدواب وتقلب اعشاشها المحاريث،فتجعل عاليها سافلها،ناهيك عن الاولاد الذين يعبثون باعشاشها ويكسرون بيضها من باب الولدنة امتنا المجيدة الماجدة،خير الامم لم تزل تبني اعشاشها على دروب الامريكان،الصهاينة،الفرس،الروس.بعضهم يتحالف مع هذا ضد ذاك .آخرون مع ذاك ضد هذا.حالة الاستخذاء هذه تجبرها ان تكون مجبرة على تقديم فروض الطاعة للجميع،وتقدم خدماتها الارضية والمائية والجوية لمن يطلب التسهيلات حتى لضرب ارض عربية من ارض عربية. ضعف عسكري و افلاس سياسي بلغ ذروة الذروة . النكتة اللا مضحكة بسبب كثرة تكرارها حتى صارت مملة: عندما يدوس احدهم اعشاش الامة تركض لهيئة الامم المتحدة للزقزقة وان لم يسمعها احد، تبدأ بالنطنطة والولولة في مجلس الامن، لكن النكتة التي تقطر دما،انها لو شقت ثيابها وبانت عورتها لا احد لا احد لانه تخلت هي ذاتها.الفارق الوحيد بين الامة و القبرة ان الاخيرة افضل حالاً،فعندما تحس بالخطر تطير الى مكان آمن لتنفذ بجلدها اما امتنا المهيضة الجناح، فكيف لها ان تطير من جفرافيتها ؟!.
ابراهيم نافع !
*** ثمة عفن مقيم في الاعلام العربي، تمت برمجته منذ ايام الاحكام العرفية وقانون الطواري . الصحف شبه الرسمية هي دوائر خاصة لا يمكن التوظيف فيها الا بتوصية امنية،خاصة رؤساء التحرير.لا فرق ان كانوا مثقفين او اميين.حالهم حال رؤساء الجامعات في كل البلاد العربية. من هذا المنطلق جرى البحث عن الفاسدين وتشجيعهم على الفساد لاغراقهم في وحولها المتعفنة.من اجل "ربربت" رئيس التحرير يجري عادة تسليط الضوء عليه بعدسة مكبرة لنفخه وتلميعه حتى لو كان امعة او دودة لا ترى بالعين المجردة،لان اهم مهماته تأليه الحاكم،وفبركة انجازات موهومة له. الدوائر الامنية تعرف اكثر من غيرها ان " الامة بلا نقد امة عمياء" وهدفها بالدرجة الاولى التعمية لتضليل شعوبها.
لا تكتمل المعادلة الا بشقها الثاني لجم العقليات النقدية من اصحاب القامات العالية التي لها تاريخها الفكري،الثقافي،السياسي.نتيجة هذه المعادلة التفاعلية استيلاد امة بائسة قاصرة بعيدة عن التشاركية،فالامر كله بيد ولي الامر ـ اطال الله عمره ـ. لكل شيْ ثمنه اما خيانة الكلمة اشد كلفة.القابض عليها كالقابض على الجمرة،ومن يقبض ثمنها،فان لعنتها ستطارده كلعنة الفراعنة، ولو داخل قبرة.لعنة الكلمة قاتلة مثل سمية الافعى في البيات الشتوي، قد تتأخر لكنها مع اول خيط دفء ستلذغ من يفتري عليها.ا قانون رباني،لا احد يفلت من عقابه الدنيوي و الاخروي مهما ارتفع مقامه. ابراهيم نافع الذي تربع على عرش صحيفة الاهرام (25) عاما مطلوب لجهاز المراقبة و الكسب غير المشروع المصري حيث صدر قرار باحضار المتهم، بتهمة " تضخيم الثروة واستغلال النفوذ". صحيفة "اليوم السابع"، نقلت عن مصادر رسمية موثوقة ان المتهم يمتلك ملايين الجنيهات في حسابات سرية،وفيلات وشقق بالاسكندرية وشرم الشيخ والقاهرة،كما اشترى قطعاً من الاراضي في مواقع مهمة باثمان بخسة، سعر المتر بـ ( 15 ) جنيه،وقطع اخرى سجلها باسم نجله. ثروة اضخم من ضخمة لا تتناسب مع دخله.
صحافيون شرفاء يرون ان قائمة الفساد لا يجوز اختصارها بشخصية واحدة بل هناك الكثير من اسماء الفاسدين في المؤسسات الصحفية يجب ان تنضم للقائمة. نهاية فجائعية لرجل على حافة قبره.هرب من مصر بجلده في ليلة دامسة الظلام،خوفاً من الملاحقة القضائية. يعيش اليوم في دبي على كرسي متحرك،ولا يقوى على تحريك يده بعد ان كان المايسترو الذي يحرك بعصاه جيشاً من الصحافيين، باشارة من اصبعه تنطلق مقالات المرتزقة الصاروخية صوب الاهداف المطلوبة او تنخرس اقلام الطبالين.تُرى ماذا تنفعه الملايين، الاطيان،العقارات اذا تمرغ اسمه في الوحل وسمعته اصبحت ـ زي الطين ـ. ارثي لحال هؤلاء الذين تحولوا الى مطايا للركوب،وابكي حال امة فسد حبرها،واستنوق كُتابها.