بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
(((( الى المعارضين الانقياء البعدين عن التقية السياسية،المنزهين عن الاغراض الشخصية. اولئك الذين لا يتسللون لواذاً للسفارة الصهيونية طلباً لودها، ولا يتلقون التوجيهات والشرهات من السفارات الاجنبية من فوق الطاولة او تحتها. لا اولئك الذين يبيعون الناس جعجعة ومقالات كاذبة للوصول الى اهدافهم الرخيصة. الوصوليون الذين يُشكل وصولهم خسارة الخسارة لانهم يمثلون ذروة الانتهازية ))) .
رسالة نصية !
*** غارة جوية روسية عنيفة قصفت حي ” ابو صياح” المولود في حضن الفقر والنابت في مستنقع القهر. بيت “ابو صياح” الجميل الدافيء، قديم في منطقة شعبية ذات تقاليد صارمة. حي في سجل تاريخه من الايثار والتضحية ما يفوق الصور الخيالية. اما بيته القابع في وسط الحي يطلق عليه بيت العائلة،لذلك كان له قداسة وغير قابل للبيع او الرهن . توارثه الاحفاد عن الاجداد،منذ ايام حكم “العصملي”. ما يميزه ويتميز به انه يحمل بصمة بيوت دمشق القديمة التي لا تُمحى.نافورة في الوسط جف ريقها بعد ان تحول نهر بردى الى مكرهة صحية.تنك الزريعة المتناثرة هنا وهناك ذابلة.الياسمينة المزروعة على البوابة ماتت كمداً على جارتها شجرة الليمون التي احرقتها شظية طائشة.
استمرت الغارة الروسية زهاء عشرين دقيقة، حسب توقيت الهاتف الخلوي العجوز،الذي يصاب احياناً بالحرن فلا يرسل و او يستقبل مثل دابة جار عليها صاحبها بالضرب والاحمال الثقيلة.ما كاد ” ابو صياح” ان يلتقط انفاسه اللاهثة،بعد ان ابتعدت الطائرات،و تلاشى هديرها في الافق البعيد لينطق ـ حمداً لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه…و يدعو ربه تضرعاً وخفية :ـ ربنا حوالينا ولا علينا. و اذا بالمدفعية الوطنية الرابضة على احد التلال المشرفة على الحي،تصب جام غضبها على الحي و اهله بلا رحمة كأنها تحمل ثاراً دفيناً من الحيً وضغينة على السكان.كانت الرماية عنيفة ومركزة تطبق نظرية الارض المحروقة…لا يريدون بشراً و لا حجراً على حجر.شعر ابو صياح بدنو اجله،و ان الارض زلزلت زلزلها،واقتربت الساعة،عندما انشق السقف وهبطت عليهم قذيفة لكنها لم تنفجر. انتابه شعور ميت نزل للتو الى قبره،فاستقبله نزلاء المقبرة بوجبة من عظام منخورة عفنة احتفاءً به. انتفض جسده كأن به صرع،فاستعاذ به ثم قرأ آية الكرسي ونفخ على يديه ومسح بهما وجهه.
تسّمر في الزاوية مع الاولاد،فيما غابت ام صياح عن الوعي رعبا.لحسن الحظ ان المدفعية وجهت إحداثياتها الى موقع آخر بوحشية اكثر فظاعة.استجمع قواه الخائرة، واحضر سطل ماء دلقه على وجه ام صياح،فتململت الا انها لم تنهض من غفوتها.اعاد سكب الماء البارد عليها مثنى و ثلات ورباع مع تلاوة ايات الشفاء حتى صحصحت قليللاً، وقالت بدهشة كأنها افاقت من موت سريري : ” ابن عمي ليش انا مبلولة “.رد عليها ابو صياح : ” بنت عمي…هاي من بركات المعتصم بالشيطان شيخ الطريقة الجديد بوتين” الذي حوّل البيوت الى توابيت،والحدائق الى ملاجيء. ابو صياح رغم الهلع الداخلي ظل رابط الجأش امام اسرته،لرفع معنويات الاطفال الذين يبكون بصمت على انفسهم وعلى امهم .
في ذروة هذه الحالة المزرية اصدر الهاتف المحمول نغمة قصيرة للاعلان عن وصول رسالة نصية. تعلقت نظرات الجميع بالهاتف المركون على طاولة متهالكة عاصرت عدة انقلابات عسكرية،هيمن فيها العسكر على الحياة السياسية،كما شهد كيف يتلاعبون بالدساتير بلا ضمير وطني،فلكل رئيس انقلابي دستوره الخاص الذي يُفصّله كما يشاء ثم يدرزه بالقطبة التي تعجبه،و اخيراً يضع ماركة السفارة الداعمة له على البطانة الداخلية .تسآءل افراد الاسرة والقلق يخيم عليهم باستثناء ام صياح الذاهلة جراء صدمة الرعب:ـ مَنْ يا تُرى يرسل رسالة نصية في هذه الساعة الحرجة،فالاقارب،الجيران، الاصدقاء كلهم بين لاجيء، مهاجر او تحت الانقاض ؟!. بيدٍ مرعوشة، ضغط ابو صياح سبابة التشهد على زر الرسائل الواردة.فكانت الرسالة المفاجأة : ـ ” حظاً اوفر لكم…موعدنا غداً / عزرائيل” !!!.
((( حكاية المعارض السياسي )))
*** ابتداءً المعارض الحقيقي لا المُزيف هو الشخص الذي يقف وفي وجه الطغيان مضحياً بنفسه للدفاع عن المستضعفين في الارض، طعماً برضا الله وتزلفاً اليه .لا طمعاً بجزرة السلطة ولا خشية لسعات عصيها او ظلمة زنازينها.هو يرفض ان يكون الا نفسه .عكس المعارض المزيف الساعي للزعبرة للحصول على مصلحة او شرهة . حدث امام اعيننا وشاهدنا مئات الصور الفاقعة من هؤلاء واولئك. اناس ماتوا لهم الرحمة ظلوا قابضين على جمرة المعارضة وبعضهم احياء ذاقوا الامرين ومازالوا صابرين متصابرين. و راينا على الضفة الاخرى من “اكلوا الجزرة” فسقطوا شعبياً و اخلاقياً،و باؤوا بغضب من الله ولعنة الناس لانهم طلقوا مبادئهم وقيمهم،وقبضوا ثمنها ثمناً بخساً او منصباً.
في العصور الظلامية كان المعارض مجرماً سياسياً،عدواً للشعب حتى لو كان يدافع عن الشعب.عقوبته الحرمان من شرب الماء ـ اكسير الحياة ـ حتى يجف جسده ثم يجري حرقه.بعدها ينكلون باهله.فالحاكم لا يحتمل كلمة لا، ولا يطيق ان يرى في مملكة حكمه السعيد معارضاً…من باب اولى، لا يطيق صبراً ان يرى معارضاً،فكيف الامر مع المعارضة. المعارضة في نظر الحاكم بامره / ولي النعمة، جريمة لا تغتفر، كبيرة من الكبائر الكبرى الا بجز رؤوس اصحابها. على طريقة الحكم في العالم الثالث،ولإلباس هذه الجريمة اللا شرعية شرعية.قام علماء السلطان بالباسها جلباباً شرعياً، و فبركوا لها نصوصاً دينية.
مبرراتها ان الحاكم ظل الله على الارض، ولا يجوز الخروج عليه.فمجرد التفكير بهذا الاثم العظيم يعتبر خروجأ من الملة ولا يشم صاحبها ريح الجنة. ” ريشليو ” الفرنسي الخسيس صاحب الفتوى الاخس في التاريخ البشري.افتى بمعاقبة المعارض / المجرم السياسي قبل مثوله امام القضاء و محاكمته حتى ولو محاكمة صورية.فتوى تلقفتها الانظمة القمعية ـ كلها بالمناسبة قمعية ـ …. اما جهاز الجيستابو الالماني الذراع المخابراتي للسفاح هتلر،اتخذها شعاراً لأعدام المناوئين لسياسة الفوهرر قبل وصولهم قاعات المحاكم.لذلك تم تغيير القانون الالماني لحماية افراد الجستابو من المُساءلة القانونية،ولمساعدتهم في حرية الحركة لاقتراف جرائمهم الابشع من بشعة.
التجرد المطلق من الانسانية،التحلل من القوانيين في معاملة المعارضيين السياسيين، دفعت العلامة العبقري المتوهج علماً وفكراً الفرنسي ” مونتسكيو”،بالمطالبة بفصل السلطات الثلاث لمنع تغول السلطة التنفيذية و الاجهزة الامنية على السلطة القضائية بخاصة والتشريعية بعامة. قال تعليقاً على فتوى الفاجر ” ريتشليو”، المطالب بمسح المعارضة من الحياة السياسية، قولته المشهورة التي لم تزل ترن في اذن التاريخ : ـ لو نزلت العبودية على الارض لما تكلمت غير هذه اللغة القذرة. بدوري اقول قولي و امري الى الله ان العرب ابرع في اصدار الفتاوى وفنون التعذيب. ففقهاء السلطان افتوا بجواز زيارة السادات لاسرائيل،و افتوا بجواز طلب مساعدة الجيوش الاجنبية لتدمير العواصم العربية التاريخية.فتاوى فتحت ابواب جهنم على الامة،اما في فنون التعذيب فقد سبق العربان تيمور لنك وجنده في خوزقة المساجين،وتحطيم حياة المعارضين،ولو وضعت افعال الجنرال توفيق الجزائري ” محمد مدين” في كفة و افاعيل وحوش التعذيب في الارض بكفة اخرى لرجحت كفة توفيق.
آخر فنون التعذيب ما اقترفته الاجهزة الامنية المصرية في التنكيل بالطالب الايطالي جوليو ريجيني في القاهرة وتعذيبه حتى الموت. في هذا المقام لا اجد وصفاً ابلغ مما تناقلته وسائل اعلام عالمية موثوقة عن الجريمة الفضيحة :ـ ((( جثة ريجيني كان بها سبعة ضلوع مكسورة، بالإضافة لعلامات صعق بالكهرباء في عضوه الذكري…إصابات داخلية في مختلف أنحاء جسمه.نزيف في المخ. الجثة حملت كذلك علامات جروح قطعية بآلة حادة- يشتبه بأنها شفرة حلاقة- و سحجات وكدمات.و على ما يبدو إن الشاب ريجيني تعرض لاعتداء بعصي…لكم بالايدي …ركل بالاحذية. وزير الداخلية الإيطالي أنجلينو ألفانو علق على جريمة قتل ريجيني :ـ ما جرى أظهر لنا شيئاً لا إنسانياً … شيئاً حيوانيا لا يصدق من فرط وحشيته ))) .
. هل بعد هذه الوحشية كلام ؟!. فماذا تنتظر من دولة تحكم على صبي عمره ثلاث سنوات بالسجن المؤبد. اليست هذه اسوأ واسخف دولة قمعية في الدنيا ظهرت على مسرح السياسة، لاينافسها الا الاحمق الامبراطور الديكتاتور كاليغولا الذي عيّن حصانه نائباً في البرلمان...