بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
((( اسئلة عويصة و اجوبة اعوص !! )))
*** نعيش اليوم تناقضات عميقة.تبريرات فجة.اسئلة عويصة. لماذا نحن في ذيل الامم ؟!.بالرجوع الى خمسين عام مضت. كانت الدول العربية تنظر الى المُثقفين كجائحة على امن الدولة.تعاملهم بقسوة اكثر من الحرامية الرسميين سراق اموال الدولة.تُذلهم اكثر من ذوي الاسبقيات الاجرامية…الاسوأ تغاضيها عن السلبيات المستفحلة بكل الوانها من رشوة وواسطة،وسكوتها عن محسوبيات فاضحة خارجة عن ابسط معايير النزاهة والكفاءة و الاحقية بالوظيفة. ومع كل الاجحاف بحقهم،هي لا تكتفي بهذا بل تفتك باهل العلم والمعرفة و الثقافة…ترى في الانقياء وباء يجب الحجر عليهم في زنازين معتمة، ومنعهم من العمل و السفر حتى تُذلهم وتعمل جاهدة على تجرديهم من حقهم في حياة شريفة…!.
المثقفون ، المبدعون ، الحزبيون ، المستقلون،اصحاب الاراء السياسية،الاحزاب الاسلامية،اهل المواقف الوطنية،القومية،الاسلامية،اليسارية المستقلة…طاقات مبدعة مبهرة عطلتها الدولة العربية الحديثة…اخرجتها خارج اللعبة السياسية ثم حظرت عليها العمل في اجهزة الدولة.فاحتلت الرداءة مكان الكفاءة و الحرمنة بدل الامانة في كل الاجهزة،الدوائر،المؤسسات،الوزارات.فمن البدهيات ان التخلف عنوانه تهريب الادمغة او تعطيلها وهذا ما كان ويكون وما هو كائن… في الفيزياء قانون يقول :ـ ان الطاقة في اي نظام معزول لا تفنى ولكن يمكن تحويلها…فعلاً ،فقد حولت الانظمة العربية القمعية الطاقات العظيمة الى طاقات مشلولة… حشرتها في صناديق مقفلة حتى لا تطلق اشعاعها فكانت النتائج وخيمة.
في الخمسين سنة الماضية ازدهرت صناعة الاستبداد، لم ترتفع سوى مداميك السجون.ارتقت فنون التعذيب،تضاعفت اعداد الارانب بينما انقرضت الاسود.النكتة السوداء ان عتاولة المسؤولين لم يعرف ان الارهاب هو حصيلة الشعور بالظلم الذي يُولدَّ النقص ويدفع الى الانتحار .عمَّ الخواء السياسي،الثقافي،الفكري،وحلت المشاجرات بدل الحوارات، انهارت القيم الايجابية،سادت ثقافة المناكفة،النميمة على زملاء العمل، الغش،الرشوة حتى وصلت ثقافة الغش الى الطلبة الصغار في المدارس،وبتشجيع من اهاليهم…ارتفعت المديونية بفضل الانشطار الفيروسي للفساد و اهله وفساد الضمائر حتى الملح الذي يقاوم الفساد افسدوه.الانكى عمليات التجريب من لدن مسؤولين غير اكفياء في مواقع حساسة،حملوا المسؤولية كجوائز ترضية او لتقاسيم جغرافية ومعزوفات جهوية،و سمفونيات اقطاعية عائلية،او وراثة يحملون قواشينها حكراً عليهم ومحظور على غيرهم الاقتراب.فاصحبت المغانم من حق الخاصة والفتات للعامة…!.
انقلبت الدونية عند عدد من المسؤولين الدونيين الى استعلاء، لدرجة ان بعضهم ظن ـ للوهلة الاولى ـ انه فوق النقد ومن جنس الملائكة.المضحك ان الملاك الفوقي ما ان يترك الوظيفة حتى يصاب بفصام حاد، فاما ان ينزوي عن الانظار او يفتتح بقالة سياسية لمناكفة الدولة… لكن الاسوأ ما استجد من ظاهرة تاثيم المخالفين الذين لا يسيرون على ” الصراط المستقيم ” صراطهم…ولا يسبحون بحمدهم!.سلبيات كارثية حلت جراء تحكم قلة بالوطن و اهله،فكانت النتيجة…لا ابداع،لا فن، لا رياضة، لا مسرح، لا ادب ” شعر او رواية “،لا سياسة…اكررها للمرة الالف ليس عندنا سياسة…عدا استثناءات فردية محدودة اما مقموعة او مطمورة…. سفيان الثوري التابعي الجليل والثوري ـ رحمه الله و ارضاه ـ حذر الامة من التعامل مع مسؤوليي الظُلام بفتواه الشهيرة في جملة واحدة : ـ ” من دقًّ لهم (دواة ) او برى لهم ( قلماً ) فهو شريكهم في كل دم سفكوه ” . اضيف عليه ومن سكت عليهم هو شريك لهم في كل حق سلبوه وظلم ظلموه.
الوطن في الابجديات الدولية وشرائعها للجميع و فوق الجميع… وهو فوق كل خلاف واختلاف.لا نختلف عليه او معه ،رغم ما بيننا من اختلاف في الاراء والرؤى ، وتضاد في الاجتهاد والتقييم.فمن مسلمات الوعي ان الجميع يعمل على رفع مداميك الوطن مدماكاً فوق مدماك،بينما الانهيار الكلي او الجزئي يأتي حين ينقلب الوطن الى مؤسسات متناحرة،ومراكز قوى متصارعة .” فمناطحة الفيلة التي لا تعبأ بغير مصالحها،للاسف تدفع فاتورتها الحشائش الصغيرة المهروسة تحت اقدامها.
السياسة لعبة ذكية وخطرة في آن واحد.بمعنى انها علم ومعرفة وثقافة،و المام شامل بالداخل والخارج. وليست خطابة او مناكفة.ولا مكان في عصر التكنولوجيا والخلايا الجذعية وشرائح الكمبيوتر للهوبرة ولا لشخصيات انتهى دورها.ومن غير المعقول ولا يقبل به عقل ان تقرر نخب مضى زمانها قرارات لزمن غير زمانها.ان نخبنا فات قطارها رغم مكيجتها بعد ان بلغت من العمر ارذله،حتى ظهرت التجاعيد في خطوط تفكيرها لا في خطوط جباهها وحدها…الواقع العملي، يستدعي الرحمة بها ـ لا نطالب لا سمح الله برصاصة الرحمة ـ بل ايجاد منتجعات نقاهة لها ، لتقضي البقية الباقية من اعمارها بسلام.فالملعب السياسي واسع وكبير وهو بحاجة الى لياقة بدنية عالية،وطنية عميقة متجذرة تسمو على ما دونها و اخلاقيات عالية تتعالى عن سفاسف صغيرة.فالوظائف العليا عمل دؤوب وتضحية لا مكاسرة ايدي ولا منازلة على حلبة المصارعة.الملعب السياسي اقرب الى كرة القدم لا الى ملعب الجولف الذي يمضي فيه اللاعبون الخارجون من الخدمة اوقاتهم للتسلية وتنشيط دورة دمائهم البطيئة درءاً للتجلط و الامراض الخبيثة.ولهشاشة عظامهم يتعكزون على عكاكيز معدنية،ومحاطين بخدم لجمع الكرات وتقديم المشروبات الباردة والساخنة،واستدعاء الاسعاف لهم عند الضرورة.
الشعب الاردني يعيش هذه الايام على دوي قصف المدافع المتبادل بين النسور و الطراونة،و المعركة اياً كانت النتائج لا تصب في مصلحة البلد العليا انما هي شخصية بامتياز وتصفية حسابات معروفة لدى الكافة . فكل واحد منهما يسعى جاهداً لتسجيل نقاط في مرمى خصمه بدل التعاون لخدمة الصالح العام.خسارة كبرى حتى لو احرز احدهما النصر على خصمه، لان النتيجة خسارة للشعب الاردني كافة الذي تحمّل اكثر من طاقته اقتصادياً،سياسياً،اجتماعياً.ما يحدث حالياً تحديث لصراع معسكري الرفاعي / بدران التي تركت اثاراً سلبية يصعب حصرها على الموظفين والمؤسسات.
((( اوراق بنما و دعارة “جونيه” اللبنانية ))) !
*** الشك عند الفيلسوف ديكارت هو المرحلة الاولى لليقين المطلق. بدأ العبقري الفرنسي ديكارت بالشك في الحواس بالقول انها خادعة مضللة ثم شك في الحياة ذاتها بإعتبارها حُلماً عابراً لا جود له على ارض الحقيقة انما هي مجرد وهم،واخيراً ختم شكه في الشك بالعقل لانه يقود الى الظنون.إستخلص الفيلسوف من فرضياته الشكية الى ان الشك نوع من انواع الفكر.فطالما ان الانسان يشك فهو يفكر،وبما انه يفكر فهو موجود.عندها اطلق مقولته الشهيرة : ـ ” ما دمت اشك فانا افكر،وما دمت افكر فانا موجود “. نافياً بذلك ان حياة الانسان وهم،وحواسه لا تدرك واثبت انه مخلوق عاقل له عقل يعقل الامور و حواس يميز بها بين الخطأ من الصواب.
بناء على ما بنى عليه ديكارت يستطيع اي واحد أُوتي عقلاً من التمييز بين الخبيث والطيب،الطالح والطالح،الفاسد والمستقيم. شخصياً لا اميل الى الاتهام وليس لديّ دليل يدين النخبة من ـ كبار المسؤوليين ـ لكنني تأ سيساً على نظرية الشك الفلسفية الديكارتية،ونظرية الشم عند كل من عنده حاسة شم، فانني من باب الشك المشروع كمواطن منتوف اشك ابتداءً ان :ـ الجمع بين السياسة ـ الوظيفة العليا ـ / والاستثمار على مخدة واحدة جريمة جنائية ؟!. هذا الشك يقودنا الى السؤال الاكُثر إلتباساً :ـ لماذا اهل السياسة في الوطن العربي هم اثرى الاثرياء ؟!.و من اين اتت النخب بقصور الف ليلة وليلة،اساطيل السيارات الثمينة،سلسلة العقارات المديدة،المزارع الغنّاء،المصاريف اليومية الخرافية المكشوفة منها والمستورة،مع اننا بلد فقير مدين يعيش على المساعدات والهبات وضرائب الكادحين ….ناهيك ان مياهنا شحيحة، وها نحن ننتظر على احر من الجمر ـ هذه الايام ـ بفارغ الصبر وصول منحة القمح الامريكية الى العقبة لصناعة رغيف خبزنا.
لسنا دولة نفطية بالقطع،لسنا هونج كونج مركز التجارة العالمية، لسنا نيويورك عاصمة المال الدولية.لسنا سنغافورة… و لسنا بكين….!. اذن هناك سر وراء هذه الاموال الظاهرة للعيان والمخبوءة خلف البحار ( اوف شور )….نحن لا ننشر غسيل الاخرين الوسخ لكن غسيلهم الوسخ فاحت رائحته،فلا هم غسلوه ولا هم عرضوه للشمس لهذا ضربته العفونة….بداهة ان كنت “تشم” فمن المستحيل ان تمر بجانب محطة تنقية من دون تستشعر وجودها.كذلك هم رؤوس الفساد معروفة روائحهم للعامة،فمهما بلغوا من التستر والتعمية فإنهم مكشوفون حتى لو لبسوا طواقي إخفاء.
النخب العربية لم تكتف بابواب الفساد المفتوحة لها على مصاريعها،بل استغلت الحروب في عراق وسوريا،و تاجرت بكل شيء حتى وصلت الى اعراض الصبايا اللاجئات السوريات في لبنان.ففضح الله عصابة المسؤولين الذين استغلوا فقر الفقيرات بدفعهن للبغاء بما يعرف بـ ” فضيحة جونية “.والقت شرطة الادآب اللبنانية على طبيب النسائية المجرم الذي اجهض حوالي 200 فتاة حملت سفاحاً في سوق النخاسة…هكذا هي النخب العربية تخرج من فضيحة الى فضيحة ؟!….فمن وثائق ويكيليس مروراً بفضيحة الدعارة في جونية حتى جاءت فضيحة ” اوراق بنما ” والحبل على الجرار .
معروف ومألوف ان المثالية غير موجودة الا في الاسطورة.هذا ما دفع احمد عبيدات قبل حوالي ثلاثة عقود لسؤال النخبة من اين لكم هذا ؟!. حينما كانت الذمم اشد نقاءً و المسؤولون اكثر حياءً… للاسف كانت مؤسسة الفساد على ضعفها اقوى منه،فآثر الانزواء… وعندما بلغ الفساد مداه ضج الناس، فاستخفت الحكومات بشكوكهم المشروعة كما استهانت بحواس شمهم وسفّهت عقولهم باساليب ملتوية من المكر والحيلة مدعية ان ما يراه الملايين ويشمونه من روائح ـ النخبة ـ مجرد شبهات وانطباعات خاطئة….لنرمي ما قاله عبيدات،و ديكارت و ما قاله ويقوله الناس خلف ظهورنا،لنسأل اهل الحل والربط :ـ هل صخرة النخبة الفاسدة اشد صلابة من ان تزحزحها الاجهزة الامنية،دوائر مكافحة الفساد،هيئات النزاهة ومجالس النواب المتعاقبة ؟! الواقع الواقعي والعملي يقول نعم،ولو كانت هذه المؤسسات قادرة على التصدي للفساد لما استشرى بهذه الطريقة الجهنمية.فمن واجب الدولة إيقاظ الناس بالصدمة ـ ولا اقول الحكومة لانها ضحية قوى و لوبيات اقوى منها،اضافة الى دخولها في معارك دونكيشوتية مع الطراونة ـ ثم وضع الحقائق امامهم فنحن على شفا خطوط الانهدام ،والحل لا يكون بطريقة تلبيس الطواقي بل بإصلاح حقيقي و جذري !.