بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
((( قال المفكر العربي علي الوردي ذات وجع :ـ ويلُ للقراء من كاتب لا يقرأ ...نضيف على قول مفكرنا العبقري:وويلُ لـ ـ يميني ـ خلع 'جُبته' ليرتدي مسوح منصب رسمي بضعة اشهر ليغنم ما وصلت اليه يمينه من مكاسب وـ يساري ـ اذاب 'منجله و شاكوشه' في اتون الحكومة ليحصد كرسياً وزارياً وينعم بامتيازات كثيرة على حساب الطبقة المسحوقة ' البروليتاريا ' بعد ان كان على الحصيرة...طبعاً هذا شأنه و حقه ان يكون ما يكون لكن ليس من حقه ان يخرج على الامة بمخزونه التاريخي الزاخر بضروب الشعوذة و افانين التدجيل و الاعيب التضليل وفنون التطبيل ليعطي الناس دروسا في الطهارة الوظيفية فهذا ليس حقه لان الاولى ان يبدأ بتطهير نفسه ))) .
*** التشخيص السليم نصف العلاج بينما النصف الآخر لا يتأتى الا عند سبر اغوار المرض للحصول على وصفة علاجية شافية. الواقع العربي مزرٍ ومشوه،يجب الغوص فيه لا لإستخراج اللؤلؤ من قيعانه بل لتخليصه من علله وادرانه.هندسياً الخط المستقيم اقرب مسافة بين نقطتين،فمن استقامة التفكير اذن، الاعتراف باننا نعيش في مستنقع آسن من جهل وتخلف وأُمية.ربطة العنق،السيارة،الشهادة ليست مؤهلات ثقافية،ربما والعلم عند الله ان تكون عدة نصب واحتيال،وبالتالي لا تؤهل مثل هذه الاشكال من الدخول في الالفية الثالثة. الفية العملاقة التي لا مكان فيها للاقزام، ولا تذاكر ركوب في قطارها الا لاهل العلم و العمل.من هنا كان واقعنا المقلوب لا ينصلح الا بالانقلاب عليه و احداث ثورة شاملة على راس سلمها تغيير المناهج التعليمية فـ ( من الكتاب تبدأ إعادة البناء...بناء العقول وبناء القلوب ). وهدم ما هو قائم شكلاً وآيل للسقوط موضوعاً ثم تجريف المفاهيم الخاطئة والمُخلفات البالية لاعلاء بنيان دولة حديثة بمواصفات عصرية اما الاصلاحات الترقيعية،رقعة هنا ورقعة هناك هي فاشلة بامتياز.
في زمن الحوسبة،فان التعليم عندنا كارثي . لم يزل تلقيناً سطحياً يعتمد الحفظ الببغاوي لا البحث العلمي والنقل الحرفي لا إعمال العقل.فصاحب الذاكرة القوية يحصل على اعلى شهادة اكاديمية بِمَلَكَةِ الصم.شهادة تؤهله فك الخط ومعرفة الكتابة والحصول على وظيفة.ما يؤلم ان الكثير ممن يتبؤون مواقع حساسة يكتبون العربية بالطريقة الهيروغليفية...اخطاء املائية شنيعة،فظائع نحوية ،تراكيب لغوية بحاجة الى مجمع لغوي لفك طلاسمها. كلمات مرصوفة ومصفوفة الى جانب بعضها، تشبه الى حد كبير تبليط غرفة،اما الثقافة هي لعنة الامة، ليست شبه معدومة بل معدومة،فجُل المُشتغلين فيها والمهتمين بها،والمتحدثين عنها قلة قليلة يتسع لقلتها راس دبوس.الروائي نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل لم تزد مبيعات افضل رواياته على ثلاثة الآف نسخة بينما لعبة كرة قدم نهايتها مشاجرة وتراشق بكلمات بذيئة فالملعب يضيق بالمهووسين فيه.
الامة تعيش اشد حالاتها انحطاطاً سياسياً،فكرياً،ثقافياً.حصيلة الحالة امراضاً اجتماعية،وخرافات مضادة للعقل والحياة.فانت تصاب بالصدمة والخيبة من متعلمين لا تمنعهم شهاداتهم العليا من الايمان بخزعبلات مضحكة،فيما الاسوأ انهم يدافعون عن قضايا غير منطقية باستماتة.
تراهم يسبغون على خرافات بائدة هالة من القداسة كانها نصوص مقدسة لا يجوز الاقتراب منها رغم ان الدين والعلم يحصنان حاملهما ويحضانه على التفكير...افلا تعقلون ... افلا تبصرون...افلا تتفكرون،ومع ذلك فان العقل العربي يصر في الالفية الثالثة على 'صنمية' الحاكم بامره مع ان سيدنا محمد صلوات الله عليه حطم الاصنام،و قبله سيدنا ابراهيم هشم رؤوسها.فمن المعيب ان ينتصر مثقف لنظام مستبد.،وكم فجعنا بقوائم عار تضيق باسماء الكُتاب و الاعلاميين يعتاشون على الكلمة الضالة المضلة.الابشع ان العقل العربي صنع تابوهات فرعية الى جانب تابو الحاكم :ـ القبيلة ، المذهب، الطائفة،تابوهات تناقض العقل باعتباره اداة كاشفة طوّافة في الزمان والمكان لازاحة الخزعبلات و استجلاء الحقائق.التمسك بالدين والتراث يعني بالضرورة اسقاط فتاوى فقهاء السلاطين واجتهادات العلماء المتزلفين و التوقف الفوري عن توظيف الدين لخدمة سلطة الحاكم،وتبرير جرائمه ونقائصه.بهذا نحمي نقاء عروبتنا وصفاء اسلامنا.
العولمة تسير بخطىً حثيثة من خلال كيانات ضخمة بينما يعود العرب الى عهد ملوك الطوائف لبناء كانتونات صغيرة ضمن دول رضيعة حليبها بالدين على فاتورة البنك الدولي،ويتهافتون على المحاصصة،والتعلق بالمذاهب والطوائف والقبيلة حتى الدين الواحد قسّموه الى سنة و شيعة، زيدية و ازيدية،موارنة و ارثوذوكس.وبدلاً من استلهام الوحدة الاوروبية في بناء كتلة عربية صلبة متماسكة،استهواهم النموذج اللبناني في اسوء حالاته فلكل حارة مختارها،فيما طرابيش الزعامة بالعشرات،تدافع كل طائفة عن طربوشها.في ظل هذا الوضع تلاشى مفهوم الدولة وغابت الامة.يحضرني قول تشومسكي المفكر الامريكي الذي منعته اسرائيل من دخول اراضيها عبر الاردن قبل اعوام لمهاجمته عنصرية الدولة العبرية في تعاملها مع الفلسطينيين : ' لكي تسيطر على شعب عليك فصله عن بعضه حتى يصبح اقليات صغيرة من اجل العبث فيه وتحريكه كيفما تشاء'.
اليمن،العراق،سوريا،ليبيا،دول تفتت حتى صارت الهوية الفرعية اهم من هوية الدولة،والمذهب هو الاصل بينما الدين استثناءً وهذا ما يحدث في العراق اليومو. من عجيب القول ما قاله المفكر العربي علي الوردي قبل عقود : ـ ' ان الانسان العراقي اقل الناس تمسكاً بالدين،و اكثرهم انغماساً في المذاهب.تراه مُلحداً من ناحية وطائفياً متشدداً من نا حية اخرى'.
منذ فجر الكون لم يخلف الفجر وعده بالظهور على الكرة الارضية ودحر الظلمة لكن العرب ظلوا استثناءً من هذه السُّنة الكونية يعيشون في عتمة القرون الوسطى . فبدلاً من التقدم خطوة للامام، تراهم يتراجعون الى وراء الوراء.يفتتحون غرف تعذيب 'خمس نجوم' للمعارضة بينما مدارسهم مستأجرة، يُضّيقون على العلماء لاجبارهم على الهجرة ثم يستعينوا بالخبرات الاجنبية.يحبسون شعوبهم في اقفاص كانها حيوانات متوحشة فيما يُطلقون ايدي النخب لسرقتها و التنكيل بها، فحشرت الشعوب المغلوبة على امرها في زواية ضيقة فلم تجد امامها الا ' خيار شمشون في هدم المعبد '. الانظمة العربية شكلت صدمة تاريخية عنيفة لشعوبها بعد ان وجدت نفسها على بلاطة.مستقبلها سراب و اوطانها خراب.
في الغرب عكسنا تماماً،قامت الحضارة على اعطاء الاولوية للعقل والعمل تحت مظلة برلمانات منتخبة،صحافة حرة متحررة من الرقابة القاتلة،فنجحت كلتاهما في المراقبة، المحاسبة و المساءلة، فبلغت القمة،وهبطنا للقاع بازدراء العقل وسيادة الدولة الريعية التي فرّخت الكسالى و الاتكاليين و الحرمية ،ناهيك عن صحافة محنطة تدار بالريموت كنترول من دهاليز معتمة من لدن اناس جهلة ورؤساء تحرير لم يقرأوا كتاباً في حياتهم،مجالس نواب مزورة تبصم بحوافرها،حكومات ذوات رؤوس متعددة تحرك خيوطها دول عميقة تقبع في في غرف مقفلة. النتيجة الحتمية كما وصفها حرفياً المفكر العربي د. جودة عبد الخالق :ـ ( ان الوطن العربي بمعيار الخريطة الاستراتيجية الدولية يعيش في حالة ' فراغ ' مطبقة ).
لذلك تكالبت عليه الكلاب المسعورة،تنهش اراضيه قطعة قطعة،وكأن الوطن العربي بقعة جغرافية خالية من السكان،اما من الناحية الانتاجية يعيش العربان في القرن التاسع عشر ومن الناحية الاستهلاكية يعيشون في القرن الواحد والعشرين لا يساهمون في الحضارة الانسانية الا بتصدير المواد الاولية ).
لا يجب ان يلوم العرب غير انفسهم.فقد وقفوا مع الغرب ضد انفسهم.اعطوه اكثر من المطلوب منهم.رغم ذلك وصفهم بيل كلينتون ذات حقد مستهزءاً :ـ ' الغرب يتقن صناعة رقائق الكمبيوتر اكثر مما يتقن العرب طهي رقائق البطاطا '.
باع العربان تاريخهم ، وقدموا الجغرافيا للقوات الغازية لتدمير دولهم رغم اعلان بوش انها حرب صليبية مدعياً حينها ان الرب امره بها للتعجيل بظهور المسيح.لم يتعلم الحمقى الدرس من هذا الاحمق،حتى.جاء اوباما الذي هللوا لسواد وجهه،وفرحوا باسم ابيه حسين حاملا القشة التي اناخت البعير العربي فقال اثناء خطبة الوداع في عقر دارنا :ـ ' ليس للعرب ان يلوموا سوى انفسهم،في حين كال المديح لايران باعتبارها دولة حضارية ذات قاعدة عملية وتعليمية صلبة،ولم يذكر القضية الفلسطينية بكلمة واحدة الا انه تباهي باحقاق العدل كأنه حقق معجزة:ـ ' اسالوا اسامة بن لادن' ـ .فاذا كان قتل الشيخ اسامة انجازاً تاريخياُ للرئيس الخسيس وجيوشه العظيمة فلماذا يخافون ويخفون جثته ؟!.
هبوط اسعار النفط ،الحروب البينية العربية،تخلي امريكا عن حلفائها بطريقة مذلة،تجميد القضية الفلسطينية،استدارة البيت الابيض من الرياض الى طهران.ضربات قاسية دفعت الامير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي طرح رؤية (2030 ) للاعتماد على الذات في خطوة تاخرت عقوداً طويلة .خطوة الهبت المخيال الشعبي.مفسر الرؤى محمد الخزيم،كشف عن رؤيا ( احدهم ) انه شاهد في المنام ان الامير امر بذبح آلآف الاغنام وتوزيعها على الناس.فسرها الخزيم انها مبشرة وفيها خير كثير،موظفاً الدين لخدمة الرؤيا ومستشهداً بحديث الرسول صلوات الله عليه :ـ ' في آخر الزمان خير ما لرجل غنم يتتبع بها الجبال'.يعني ان الرؤيا توحي بان خيراً قادماً او شيئاً متعلقاً بالرواتب وتوزيع الارباح سيعم البلاد والعباد.فالانتصار قادم من هذا الرجل ـ الامير ـ او ولاة الامر لعامة الشعب....!!!!!.
على الواجهة الاخرى لمع مقتدى الصدر بعد ان حشد الالوف ضد الفساد والمطالبة بالاصلاح التي وصلت الى اعتاب المنطقة الخضراء وهزت اركان مجلسي الوزراء والنواب.نجاحات محدودة في زمن الانهيارات الكبرى التي تعيشها الامة الهبت خيال البسطاء ايضاً في العراق الفقير الممزق،فامطروه بالمديح وكالوا له الثناء،و اسبغوا عليه من الذكاء ما لم يحظ بمثله انشتاين.فكل نأمة تصدر عنه مهما دقت وكل حركة مهما صغرت هي محسوبة بميزان العبقرية،وربما بوحي من السماء.وقد بلغ ببعض المهووسين به، الغارقين في الجهل التمسح بالسيد مقتضى الصدر، والتبرك بموطأ اقدامه ووصلت المغالاة والمبالغة الى طلب قضاء الحاجات منه،وذبح النذور تحت نعليه بحجة انه الباب الواصل الى الله،ما يدل ان الخرافة لم تزل سارية المفعول،وعبادة الاصنام قائمة بين العربان.
لتجاوز التخلف الاقتصادي،السياسي،الثقافي،العلمي،و انهاء التمزق القومي العربي بين الدول العربية،والانقسامات داخل الدولة الواحدة،والتحرر من التبعية الاجنبية على حكماء الامة الذين يمثلون عنوان شخصيتها،ضميرها الحي، فكرها المستقبلي من مفكرين،مثقفين،علماء،فنانين البدء ببناء مشروع حضاري على اسس جديدة،يكون حجر زاويته تحديث مناهج التعليم لمواكبة العصر والتحرر من الخزعبلات التي تتدوالها العامة كانها حقائق مسلمة،ثم تأهيل المعلم ليتوآم مع التكنولوجيا المتسارعة ليستعيد حقه ومكانته في مجتمعه الذي دأب على ضربه،وتكريم النُخب الفاسدة المعرقلة لقيم التجديد.مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة فمن يعلق الجرس ؟ّ!.