بقلم الاعلامي ... بسام الياسين
كرويةُ هي الارضُ و مُتدحرجة…تحت عجلاتها يتساقط من عليهاـ طالت اقامته ام قصرت ـ حتى لو تشبت بصُلب ابيه وتعلق بجدار رحم امه. لا تفرح و لا تبتئس. هي الايامُ دولٌ… لك و عليك. تواضعك يرفعك فلا تشمخ بانفك مهما بلغت لانك ستتمدد يوماً في قبرك كخرقة بالية لا حول لك ولا قوة. جسدك الذي ياكل الاخضر واليابس في الدنيا،ستأكله الديدان فكما تُدين تُدان.محظوظ انت ان وجدت من يتّكّرم بدفنك و يهيل التراب على جثتك و الا ستبقى في العراء تتناوشها جوارح الطير وتنهشها الضواري الكواسر،هذا ان افلست من الامساك بطريدة حية و الا فانها ستعف عنها لانها لا تقرب الرديء من الطعام. لكن اياك ان تتصاغر فانت خليفة الله،هذا ان شفت روحك وتسامت اخلاقك عن الدنايا الدنيئة، فاصحاب الارواح العلية هم خاصة الله واهل الاخلاق هم كرام الناس و اقربهم مجلساً يوم القيامة من رسول الله الذي وصفه ربه في محكم كتابه “وانك لعلى خلق عظيم”.
ان الله طيبٌ يحب الطيبين ويبغض الخبيثين.لذلك تخلق باخلاق الطيبيين، ولتكون كذلك، كن غزالَ مسكٍ يركض بين الناس ريحه عطرة، وظله خفيف ، ولا تكن لحن نشاز يطن في ذاكرتهم مثل كسارة هرمة تطحن حجارة من صوان باسنان ناخرة، وذاكراك تذكر الناس بما يسوؤهم ويكدّر صفوهم… ولكي تكون انت انت، لا تقف في ـ منطقة اللا موقف ـ.ادلِ برأيك لرسم مستقبلك وعيالك و الاجيال القادمة، و لا تختبأ خلف اسماء مستعارة كأنك تخشى من افعال منكرة اقترفتها ذات صحوة او غفلة…الهامشيون وحدهم يمضون اعمارهم كاصفار تقف على يسار الارقام. تراهم يعيشون كالانعام بلا معنى،حدود فكرهم التفكير باحوال الرعي والمرعى. اؤلئك الذين وصفهم الروائي العبقري جورج اورويل :ـ ” وحدها الحمير لا تتعرض للافتراس لانها لا تتكلم ولا تدلي برأيها “!.
هذا وطنك، منذ ان هبط آدم من جنة الله الفوقية الى جنته التحتية، فصار جنة خلدك.ارضك غير قابلة للطي كخيمة تحملها على ظهرك…تقطع بها القفار الموحشة حيث لا ماء،لا كلأ،لا ناس…تنصب اوتادها اينما اناخ بك جملك.ان كنت حقاً من اهل الـ ( لا ) المقدسة،اغرس ساقيك في تراب وطنك حتى الركب.لا تنخلع منه لو خلعوك… قل ( لا ) لسماسرة الاوطان… لسراق اراضي خزينة الدولة… لمن لهفوا الامة…هم اكثر اهل الارض خُبثاً و نجاسة،فلا تخجل منهم لانهم لا يخجلون. ابليس عصى ربه مرة واحد فطرده من رحمته وحرمَّ عليه الجنة،بينما نخبتنا الطاغية بغت في البلاد واستبدت بالعباد الف الف مرة ولم تزل جاثمة على صدورنا فاي قانون هذا و اي شرعة هذه.
نخبة جرت البلد للهاوية وهي آية من آيات الفساد تبقى طليقة اليدين ومطلقة من القيد تعيث بالارض فسادا وخراباً وتتبغدد على الناس بالعنترة تارة والفهلوة تارة اخرى، في ظل تنامي مشكلات اخطر من خطرة تواجهنا من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة،ومديونية وصلت الى الحلقوم،وتزايد الجرائم الاقتصادية والاجتماعية و الادارية التي اصبحت طقساً يومياً،حيث ظهرت ظاهرة غلبة العقلية الغنائمية على النخبة من المتنفذين على الاستقامة السياسية و الاخلاقية. فمن يستطيع تفسير او تبرير ـ مثالاً لا حصراً ـ فعلة السلطتين التنفيذية والتشريعية بخرق القوانين و مجانبة العدالة،بالقفز عن ديوان الخدمة المدنية،والمجاهرة بالمحسوبية والواسطة وتقديم ابناء الذوات من خلال لهف حقوق البسطاء و اصحاب الاحقية في تعيينات حمولة زائدة من (109) موظفا في مجلس النواب في ” ضربة مقفي” كجوائز ترضية للمتنفذين. اليست هذه صورة واحدة مفزعة بل مرعبة تشي بشكل سافر عدم احترام الحكومة والنواب معاً العقل الجمعي للناس والاستهانة بوزن الراي العام الاردني؟!.
((( فاقدو الهيبة والذمة !! )))
*** من بين ضلوعي نادني قلبي بصوت رجَّ سمعي وهز كياني :ـ انا قلبك… يا هذا… منذ نطفة البداية…صرخة الطلق من امك… الى شهقة الرحيل الى قبرك…احيا بك… اموت فيك…وجعك على وطنك الموجوع يُغلق شراييني،يسد منافذ الحياة امامي.إن ضاقت عليك الدنيا،فعليك بذكر الله ” الا بذكر الله تطمئن القلوب”. في افياء الدوحة الروحية راحة مطلقة لم تصل اليها العقاقير الكميائية المصنوعة في مختبرات تجارية.في ذكر الله العلي في عُلاه تسقط الغفلة.تصبح التسابيح همزة وصل بين العبد وخالقه…عندها تذوب عن كاهليك عوالق المادة، فيغمرك النور وتتضح امامك الرؤية في عز الظلمة لانك تنظر بنور الله، وترد النفس الى منبعها فتتبدل احوالها من نفس امارة بالسوء وطلب للثأر،وركض وراء السراب الى نفس تحمل صفات القديسين من محبة ،تسامح، ايثار،وزهد.
لا تجادل الأُميين السفسطائيين لان الحمق اعيا الاطباء عن إيجاد ترياق له…لا تحاور الببغاويين من اهل الكلام الفارغ من زبدة الكلام ” ما جادلت عالماً الا وغلبته وما جادلت جاهلاً الا وغلبني”،…فكيف اذا اجتمع الجهل وسوء الخلق في رجل واحد !. بهذا الطنيين تُهلكني وتهلك ذاتك. هناك طين نفخة من روح الله…وهناك طين معجون بماء الشياطين مطبوخة بنار جحيم فإحذرهم …كن انتَ انتْ…لا تكن غيرك…قل رب اجعلني من عبادك المكرمين المعجونيين بماء اليقين… لذلك احبب ناسك ودافع عن وطنك باقصى ما عندك …إقبض على حجارة وطنك بنواجذ الولاء وبيدين من وفاء وانتماء…فإن اصاب الوطن مكروه ـ لا قدّرَ الله ـ. انت لن تكون في غربة المنفى….انت تكون في مشنقة القتل الرحيم…المنفى ليس اختياراً…هو قهر مبين و اللجوء ليس حلماً انما اقتلاع للمشرشين… جبر مُذل…حبس بين مزدوجي قهر وجبر بلا كرامة …عزلة و ندامة. في المنفى ،في المهجر لا مكان لكريمٍ ولا مكانة .
هناك في غربة الروح والنفس والهوية،انت انسان معلق في الهواء… مخلوق تائه في صحراء من رمل وضياع لا اثر فيها لصمتك او وقع اقدامك .اغرس ساقيك في طين وطنك لا تنزعها لو نزعوك حتى لو اجتمعت عليك جند التتار والصليبيين ومن وراءهم الفرس والرومان..اثبت بارضك فان الله مع المؤمنيين .قليل من صبر و ارادة إذاك سترى المعجزة بام عينيك.. ستورق اغصانك…وتطرح ثمارك…كما زيتونة مباركة تطرح زيتها وزيتونها ” يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار.نور على نور”…فكن انت سوار النار الذي يحمي وطنك والنور في مشكاة العلم وقل على الدوام : رب احمِ وطني وزدني علماً.
انظر اليهم ـ نخب ـ مغلقة على ذواتها،مغلفة بالحقد قلوبها،ومصابة بجنون العظمة نفوسها. مؤشر الحقيقة توقف عندها مثل ” سواقين نص الليل” الذين ينقلون الخاطئات…ويتلاعبون بعدادات السيارات لاقتناص مزيد من الاجرة ثم ينامون النهار لانهم يكرهون شمسها..ويخافون ضوءها.هم واحد من اثنين نافخ في بوق او “كير” منفوخ فيه.شخصيات عميقة الهشاشة تتزين بالوراثة،تتجمل بالمناصب،تتقمص ادواراً خبيثة بما تحمله من شحنات سالبة . خراج متقيح يجب استئصاله.المكنوز في ـ صورهم الانيقة ـ غير المرموز في سلوكياتهم القذرة.انهم كاذبون على الدوام لانهم تربوا في حضن الخديعة.هم العبء الاكبر على الدولة والناس بمباذلهم المبتذلة،جشعهم الفائض عن الحاجة،سرقاتهم اللامحدودة. منذ زمن بعيد ضيّعوا البوصلة السياسية ثم ضيّعوا البوصلة الاخلاقية حتى بلغوا من الضياع ” ارزله ” ـ اضاعونا وضاعوا ـ وكانت النهاية الكارثية . ما زالوا هم هم مثلما كانوا يسترجلون على الدولة. هنا تكمن سر اللعبة والمعضلة…فضاعت البلد بين “حانا و مانا ” بعد ان نتفوا لحانا وسلخوا جلودنا.
انا قلبك… ارفق بي كطفلك …مهمتك ان لا تملأ المقالة دمعاً ووجعاً،ان لا تكون مقالتك كمقالة غيرك مثل كومة تبنٍ عفنة تعافها البهائم…لا ان تلطم وجنتيك لطماً كربلائياً،او تسقط مغشياً عليك كصوفي عند حالة التخشب…مهمتك ان تعيش حمى المعرفة،قلق الغيرة على الناس والخوف على الوطن، تفنيذ عبث الادعياء والسذج من الطارئين على الثقافة والكتابة والذين احتلوا مواقع بالمحسوبية والواسطة من دون مقومات الا العنترة والبلطجة… واجب الوجوب تسليط الضوء ليل نهار على سوءات النخبة لفضحها من دون ان تتراجع خطوة و الا سقطت في الهاوية مثلهم،وكنت واحداً منهم.فاتقِ اللهَ في نفسك ووطنك.