بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
((( إحتضن الاردنيون ملايين الباحثين عن الحرية و الهاربين من عُنف الظُلام و قسوة ـ اولاد الحرام ـ….بلد فقير بموارده،غني باهله النشامى وفر لهم الملاذ والحماية… فتح شرايينه ليمدهم بإسباب الحياة. ما حدث بين ليلة وضحاها ان تغيرت المُعادلة و إنعكست الآية…المفارقة خروج بعض ابنائه المدافعين عن الحرية،المتصدين للفساد هائمين على وجوههم بحثاً عن ملاذ وطلباً للحماية في بلاد غريبة نائية خشية التنكيل بهم من لدن طغمة ـ سودّت وجه الوطن… سود الله وجهها ـ. الزميلة امل غباين هربت مع عائلتها الصغيرة في ليلة محلولكة العتمة بسرية تامة الى تركيا الامر الذي صدم المجتمع الاردني الذي…كذلك فعلها الزميل علاء الفزاع قبل سنوات ثلاث حين لجأ الى الى السويد مدفوعاً بذات الاسباب.ما يعني اننا نعيش وضعاً مأزوماً،شكلَّ ضغطاً هائلاً على خناق اهل الكلمة والمعلومة الموثقة التي تدين النخبة.
في ايام الاحكام العرفية ـ سيئة السمعة ـ على فيها من قمع مورست فيها ابشع الانتهاكات اللا انسانية، لم نر ما نراه اليوم من هروب اهل الصحافة…فالخائف في ساعات الشدة يهرب بجلده للحفاظ على سلامة راسه للنوم مطمئناً تحت سقف اعلى للحرية،ما يعني بالمفهوم المحالف انه لا يقبل بالسقف ” الواطي سوى واطي “… هروب علاء الفزاع و امل غباين من فزع وتهديد لم يقدرا على احتمالهما،رغم ان الاردن وطن حنون يلوذ به الآخرون ولا يفرط بابنائه…لكن افعال اهل النخبة من ظلم وانعدام نزاهة وقلة امانة دفعت الزميلين كُرها الى ما يكرهون في ترك احب بقاع الارض عنوة
لا اتكلم بلاغة بل عن دراية بعد ان طفح الكيل،فانا كالعديد من المظلومين شربت كأس ظلم حتى الثمالة، من يد ظالم مُعقد مهزوز يؤمن ان الناس قطعان ماشية في مزرعة ابيه مع انه وكسر الهاء لا يساوي ” نكلة صدئة”،يعتقد ان الحرية،الديمقراطية،العدالة الاجتماعية خروج على ولي الامر وشق عصا الطاعة،ويرى هذا الكذاب الاشر ان سرقة المال العام ونهب اراضي الدولة وباقي اشكال ” الموبقات ” فهلوة وشطارة. خلاصة الخلاصة ان فضيحتنا الكبرى تكمن في نخبتنا لانها نخبة غير منتجة بل عاقة و معوقة،فقد ثبت بملموس سلوكياتها انها لم تسمع بالقيم النبيلة ـ فاي غفران يمكن ان نغفر لها بعد ان شوهت صورة وطننا الذي لن نتخلى عن حبه حتى لو دخلنا الجنة او صُبت نار جهنم على رؤوسنا ))) .
*** القيم النبيلة موجودة لدى البشر كافة بالفطرة،لكنها تتباين من شخص لآخر فهي تتأثر بجملة من المؤثرات والمحفزات،كالاسرة،البيئة،الحاضنة الاجتماعية،العوامل الجينية…لكن الامانة تحديداُ وبالذات كقيمة انسانية عالية تتربع على راس القيم الانسانية حيث تعتبر مقياساً للحكم على المسؤول استقامة ام خيانة لان مسؤوليته تتعدى شخصه الى الحفاظ على المال العام،اعراض الناس،حياتهم،ممتلكاتهم.اللافت ان القيم الانسانية السامية ليس لها ادنى علاقة بالثقافة،مستوى التعليم،المكانة الاجتماعية،الرتبة، الفقر،الغنى. فقد تجد احدهم يتنعم في بحبوحة عيش وهو حرامي، بينما فقير حال مضرب المثل في عزة النفس والامانة،وتصادف شخصاً بسيطاً في قاع السلم الاجتماعي عفيفاً موفور الكرامة فيما يصدمك رئيسه او مديره بسلوكياته المشينة المنحطة…فكم من أُمي ـ لا يفك الخط ـ انتزع اعجابنا بمواقفه،وكم فُجعنا بمثقف متسلق متملق يدوس قيمه ويبيع تاريخه من اجل مكاسب دنيئة.
ماذا يفعل صحفي شفاف كدمعة،وضاءُّ مثل شمعة،طاهر كماء زمزم،حساس كأكمام وردة غير بسط الحقائق امام العامة ،وتسليط الضوء على بؤر العفونة ومساعدة صاحب القرار على اتخاذ قراره ؟…هل الوادع هذا يمكن ان يمثل اعتداءً على دولة هو يحبها و يدافع عنها باستماتة ؟!. بدهي ان الصحفي الشريف يهب حياته كلها لخدمة الناس وقضايا وطنه… تراه يتفاني لدرء المظالم ودفع الظلم عن مجتمعه،يحرق نفسه لا لجمع المال او البحث عن السلطة بل لإسعاد غيره، فيما تشتري الحكومة ساقطاً انتهازياً يبيع الناس قيماً زائفة ومقالات انشائية مكانها الصحيح اللائق بها الحمامات العامة… الاول يشقى للحصول على لقمة والثاني راكم ثروة في فترة قياسية اكبر من ثروة تاجر ورث التجارة عن ابيه وجده او وارث ورث عقارات استراتيجية ….لذلك فان الصدقية في الكتابة اصبحت مغامرة تنطوي على مخاطرة كبرى.فمن المعروف لاعمى البصر والبصيرة ان الصحافة الكاشفة الجسورة هي مستقبل الامة،لا الكتابة التضليلية التي حظي كتبتها برعاية ودلال الحكومات المتعاقبة…لذلك فان لم تغير الحكومة نهج سياستها نحو الصحافة،وترتفع الضغوط عن المخلصين من اهلها فلن يتغير شيء لان الاقلام الشجاعة الاقتحامية لا المرعوبة،المخلصة لا المستأجرة هي مرآة الاصلاح ومستقبل الامة.
فاي ذريعة تتذرع بها الحكومة او ـ كذبة مفبركة ـ لتبرير سجن بقعة ضوء في زنزانة رطبة…خلع شتلة ورد من ارضها وزرع شوكة عوضاً عنها شوكة…غلق فم ينبوع عذبٍ يسقي العطاش من اجل تحويله الى مستنقع آسن يطلق بعوض الملاريا…قصقصة اجنحة حمامة تُسّبحُ ربها باسماء الله الحسنى في الوقت تربرب فيه غراباً ينعق فوق خرائب مهدمة.
القراءة الموضوعية تقول لا لهذه الترهات كلها…مطاردة الصحافيين تنكره القوانيين المرعية،تحاربه شريعتنا الاسلامية السمحة،تُجرّمه شرعة الامم المتحدة… ما حدث مع الزميلين علاء الفزاع و امل غباين يدحض الادعاءات المتهافتة للنخبة وما تطلقه من اتهامات باطلة بحق الشريحة النظيفة من اهل الصحافة …فالنخب بداهة لا تؤمن الا بمصالحها الضيقة ” الفردية والعائلية ” ،…تُهّرب الاموال…تتهرب من الضرائب…تُسخر الوظيفة العامة لخدمة اهدافها….تدوس على الصغار لتعتلي على اكتافهم،فيضطرون للهرب طلباً للامن والحماية…ايام الاحكام العرفية لا احد كان يطمئن على نفسه في الشارع،في المقهى،في الجامعة،في المسجد،في العمل حتى في مخدع الزوجية،فماذا تبدل في زمن ” الديمقراطية “.السؤال الصفعة لماذا هربت امل غباين لواذاً ذات ظلمة الى تركيا…لماذا هرب علي الفزاع الى آخر الدنيا ؟!.
اطلاق لقب ” صاحبة الجلالة ” على الصحافة الحرة جاء لما تقوم به من ادوار تعجز عنها الحكومات، لا ترتقي لها المجالس النيابية،دونها الاحزاب مجتمعة من درء للمخاطر،فضح للمسؤوليين والسياسيين على تجاوزاتهم وسرقاتهم،رفع الظلم عن من لا صوت لهم، بناء راي عام قوي في اوقات الازمات الحادة.لذلك اصبحت حرية الصحافة وسلامة الصحفي على راس اولويات الدول التقدمية لتحقيق التنمية المستدامة.لا عجب اذن، ان تطالب هذه الدول باعتماد لجنة غير حكومية لحماية الصحافيين داخل الامم المتحدة لكن الدول القمعية المعتمدة على سياسة فرم الاصابع،قطع الالسنة،الحشر في الزنازين الضيقة،التضييق على لقمة الشرفاء من اهل الكلمة ،الافراط في القوة ضد اصحاب الراي الاخر، اسقطت هذا الاقتراح حتى لا تفضح الصحافة انتهاكاتها،ولا تكشف سرقات وممارسات اهل النفوذ المخجلة .
الاردن محاصر من الاركان الاربعة حتى السماء تبددت سحبها الماطرة بظلم الظالمين من نُخبها،لكن الحصار الاشد ما تقوم به ذات النخبة من جرائم ادارية واقتصادية ومالية و اخطاء وخطايا فادحة وفاضحة…عوامل ساهمت في توتير الجبهة الداخلية وتأجيجها…فاعمى البصيرة ومن في اذنيه وقر يظن انها ساكنة ساكتة مستقرة بينما الدلائل كلها تشي بانها قلقة متوترة تغلي على مرجل حطبه افاعيل النخبة الذي تعجز الشياطين عن فعلها او إفتعالتها… فالاستقرار لن ياتي الينا الا بازاحة هذه النخبة العاقة المعوقة ومحاكمتها باثر رجعي لاسترداد حقوق الشعب و اموال الدولة.