بقلم الاعلامي .. بسام الياسين
(( اغبى الاغبياء من لا يغيرون آرآءهم،ولا يتغيرون رغم تغير كل من حولهم،كما انهم لا يُساهمون في التغيير مهما أُوتي واحدهم من مرتبة علمية او موقع وظيفي…تراهم يلوذون بالصمت على الاخطاء والخطايا خوفاً على مواقعهم او طمعا بترقية …سلبيون هم لان سياستهم تقوم على ان الصمت اسلم لانه سكة السلامة المعتمدة لديهم… { هؤلاء ان هم كالانعام بل اضل سبيلا } ))). .
*** خرج الحاكم بامره في خطاب عاجل للامة ـ بعد الاحداث المؤسفة ـ التي ذهب ضحيتها عدد من الشباب المطالبين بالخبز والحرية.بعضهم قضى نحبه بالرصاص الحي،وبعضهم الآخر لفظ انفاسه ضرباً بالهرواي التي نزلت على جماجمهم في اماكن قاتلة بعد ان حُشروا في زاوية ضيقة هرباً من قنابل الغاز المدمع الذي شل حركتهم.
قال ابو غضب والغضب يتطاير من عينيه الجاحظتين :ـ شعبي وقرة عيني…ايها الصابرون على البلاء صبر ايوب على بلواه،وصبر العربي المحكوم بالحديد والنار من اجهزة لا تخاف الله… اعرفكم ـ كما اعرف باطن كفي من التقارير السرية التي تردني صباح مساء عن عمق معاناتكم،وجميل صبركم . لن اقول لكم كما قال زين السافلين الذي سبقني الى المنفى :ـ ” الان فهمتكم”،ولا كما قال احمق العرب القذافي الذي مات رفشاّ بالنعال : ـ ” من انتم ” ؟!… اما انا فاقول لكم :ـ ما اروعكم، فكل واحد فيكم يحمل ايوباً في داخله حتى غدا مضرب المثل في احتمال الاذى والصبر على بلاوي فساد ـ شلة حسب الله ـ ،والجرائم الاقتصادية التي اقترفها غلمان التخطيط….هذا ما يسعدني ويسعد اجهزتي التي تُخيفكم وتخشاكم في آن واحد…ازاء هذه الاوضاع الحرجة لا املك الا ان اصرخ فيكم :ـ اصبروا و صابروا…فليس لكم ـ والله ـ الا الصبر و انا…و انا ليس بيدي حيلة الا قلة الحيلة….فسيدنا يونس جاءه الفرج بالتسبيح وهو في ظلمات ثلاث،فاكثروا من{ لا اله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين } لعل الله يخلصكم مما انتم فيه من كوابيس ثلاثية ترزحون تحتها :ـ اقتصاد مدمر،ومجتمع مفكك،وسياسة خرقاء.اسألوا الله فانه لا يُضّيع طالبه ولا يرد سائله.
عزوتي وسندي :ـ لقد ابتلاكم ربكم بي، فاصابكم فقر ونقص في الاموال والثمرات و ابتلاني بكم فاصابني مال كثير ورزق وفير،وهذا اختبار منه تعالى عز شأنه،واختيار لي من دون خلقه، فلا مناص من الاذعان الى مشيئته …و اي خروج على هذا الاعتقاد خروج على تعاليم السماء…لهذا احذركم الخروج على السلطان لانه كفر بواح تدخل النار اخروياً وجريمة سياسية تستوجب الاعدام دنيوياً…فلا تدفعوني للفتك بكم…فعضوا على جوعكم بالنواجذ،وامسكوا بقبضاتكم على جمر بؤسكم،وسيعوضكم الله في الآخرة ما حرمتكم منه انا في هذه الدنيا الفانية.
ماذا تريدون اكثر من جنة عرضها السموات والارض بعد موتكم ؟!. في الآخرة لحم طير مما تشتهون لا لحماً مجمداً كالكاتشوك بلا طعم ولا رائحة…و لا لحوم ابقار نافقة ودجاج فاسد،واسماك ملوثة مما تأكلون هذه الايام…هناك حور عين كاللؤلؤ المكنون،و ترائب اكعابا من الحسناوات الحسان اللواتي ليس فيهن نفخ او شفط،،ولا تضخيم او تكبير التي تمارسه دور التجميل…في الاخرة نساء رائعات بلا حمالات صدر ولا مشدات ارداف…وهناك انهار من خمر ليس فيها كحول حتى لا تذهب بالعقول،وعسل مصفى غير مغشوش، ولبن كامل الدسم بلا بودرة او نشا… لذلك ستتمنون الموت لتحظوا بملذات لا عين رات ولا اذن سمعت .
اهلي وبؤبؤ عيني :ـ لا تظنوا بي الظنون…فانا مُبتلى مثلكم بفائض الاموال…ذلك يعني اننا جميعاً مبتلون…انتم بالقلة و انا بالكثرة فالنتيجة واحدة.انتم تخوضون معركة الامعاء الخاوية لنقص في الثمرات،و انا اخوض معركة مع الدهنيات والغازات…معركتنا طويلة جزاكم الله خير الجزاء على صمودكم الاسطوري… و اثابني حُسن الختام على احتمالكم الذي لا تحمله الجبال الرواسي وتنوء بحمله البعران…لكل ما سلف اهنئكم على صبركم الايوبي عليَّ و اهنيء نفسي بصبري الفرعوني عليكم …سائلاً الله ان يفرغ علينا ـ انا وانتم ـ صبراً كالذي افرغه على ام موسى حين القوا وليدها في اليّم…المسالة مسألة وقت….وهذه الحياة القصيرة دار عبور،فاعبورها بسلام ، ولا تقيموا لها وزناً… فان موعدنا الجنة لي الفردوس الاعلى ولكم السفلى….!.
((( الجلاد والمجتمع ! )))
*** يرى الحاكم العربي ان المجتمع سيرك من دواب مدجنة ترقص باشارة من اصبعه وتغني بايماءة من طرف عينه…إيماءة اكثر من رمشة واقل من غمزة.في هذا السيرك الواقعي يلعب جلاد الحاكم دوراً محورياً في لعبة الحكم وترويض الناس.بمعنى ان سياسة الحكم تقوم على الاذلال. و تاتي ترقية الجلاد سريعة و الاغداق عليه بارصدة جزيلة،اما الاوسمة فحدث ولا حرج،فاذا ضاق بها صدره فيجري تعليقها على ظهره ليصبح مخيفاً في حضوره وغيابه.
لهذا كان الضرب بالكرابيج من حصة الخيول الصاهلة الصارخة بـ ( لا المعترضة ) على ما يجري حولها،و وكل مَنْ نطق بـ ( لا ) النافية و ( لا ) الناهية، والـ ( لا ) المضمرة وحتى الزائدة…فالحاكم الجالس على الدكة لا تطربه الا كلمة نعم سيدي الاذعانية…لانه يريد سيركاً ( اوادمه اوادم مستأنسة ) لجامها بيديه لا خيولاً برية تركض في براري الحرية تأنف السروج على ظهورها.
لنا في الخليفة المنصور الملقب بالسفاح مثالاً لا ينطفيء مع تقادم الزمن .فقد نكلَّ بالامام ابي حنيفة النعمان وجلده لرفضه التعاون معه والانصياع لاوامره.كذلك بالصحابي الجليل سيدنا مالك بن انس خادم الرسول واحد رواة الحديث الموثوقين حيث جلده هو الاخرعارياً امام الناس مكشوف العورة اذلالاً له،وتشهيراً به فقط لتذكيره الخليفة بان يتقي الله ويسوس الناس بكتاب الله وسنة رسوله. اما القصة الاكثر فظاعة ما فعله بابن المقفع اعظم ادباء عصره…
جريرة هذه الاديب المثقف انه لم يستطع السكوت على فساد حاشية الخليفة القذرة فارسل له كتاباً صغيراً بعنوان ” رسالة الصحابة ” يُعتبر من عيون البلاغة والسياسة ناصحا المنصور بحسن اختيار البطانة،وتقوى الله في سياسية الرعية…ما فعله ابن المقفع هو ما يجب ان يفعله اي مثقف في اي زمان ومكان من موقع المسؤولية الثقافية و الاخلاقية والدينية هذا ان لم يكن المثقف زنديقاً يعمل في فلك السلطة… ما حدث بدل تكريم ابن المقفع اوعز الخليفة لاحد كبار اعوانه بتقطيع اطرافه بعد اشعال النار في تنور ضخم والقاءها قطعة قطعة امام عينيه وهو يشم احتراق لحمه.من رحمة الله على الاديب انه مات من شدة الالم و الصدمة….المصيبة ان الخليفة بعد الحادثة المروعة، اعتلى المنبر وتكلم عن فوائد الشورى ” الديمقراطية” .مبشراً مريديه بالجنة ومن يشق عصا الطاعة بوادي سقر ” ترمي بشرر كالقصىر”. اللافت ان الخليفة الديمقراطي اورث ابنه المهدي رعية كالاغنام لا تستطيع رفع راسها…الاهم كم منصور سفاح في الوطن العربي.
((( المسرح الوطني الايمائي )))
*** رقص زين على إيقاع موسيقى جنائزية…اغنية تاتي من طرف القاعة لمغنٍ اخرس جالس في زاوية ذات اضاءة معتمة كانه جثتة متعفنة، لا يتحرك فيه سوى عضلة لسانه،لكنها حركة بلا صوت او معنى…الحفلة في عز الصيف الا ان الصالة باردة كانها ليلة من ليالي تشرين الصقيعية ليس فيها حطب ولا مدفئة…الصالة مكتظة بجمهور لا يدري لماذا اتى…بعضهم ظن انها زفة لـ “عريس ميت”،وبعضهم ظن انها حفلة تأبين لـ “حي ميت” …!.
اكثرهم ذكاءً عجوز لا يفك الخط قال لمجاوره العجوز:ـ لا احد يدري ما يُطبخ في القاعة،اما انا فعندي الخبر اليقين … باختصار انها بروفة لمرجان انتخابي … انبل الرجال فيها هم السحيجة،و افضل الكلام الثرثرة لدرجة ان كوادر عمال الوطن على امتداد المملكة تعجز عن كنس القاعة مما تساقط من افواه الخطباء بعد مغادرة القاعة من شعارات زائفة،وادعاءات باطلة.فالقاعة المسلحة بالجديد والاسمنت كادت ان تسقط على رؤوس جالسيها من الاكاذيب التي نثروها بلا حساب.
هكذا هي الكلمة الحرة تعيش كوابيسها المؤلمة منذ ان قتل العربان سيدنا العاشق ـ عاشق اللغة العربية ـ الخليفة الرابع ـ كرم الله وجهه ـ إمام البلاغة وصاحب الفصاحة علي بن ابي طالب…برحيله الدامي حتى يومنا ماتت الكلمة وسقطت الحكمة. مذاك لم تقم للعرب قائمة…صحافة ميتة…كُتّاب رديئون…اقلام جافة كحامليها مدادها مسحوب من محطة تنقية …مهرجون يعتلون منصات المجالس النيابية يبصمون بالعشرة …شاشات فضائية ملونة تضخ سمومها القاتلة و ينهل روادها من مناهل قذرة بينما الشعوب عطشى للحقيقة كما هي عطشى لرشفة ماء بعد ان تصحر العالم العربي ماءً وحرية.لا عجب انه زمن الانسداد التاريخي ، الفكري ، الانساني.
سؤال ضاغط يفرض نفسه على العربان من باب العصف الذهني ليس الا، هل مرَّ عليهم زمن اسوأ من هذا الزمان ؟!.