بقلم الاعلامي ..بسام الياسين
ما ان انهت ” الرقاصة ” نواعم نجمة الملهى الليلي وصلتها الاولى في هز البطن حتى اجتاحت زبائن الليل نوبة هياج هستيرية،مرفوقة بموجة صراخ حادة :ـ ” عظمة على عظمة يا ست الكل… فل الفل…و انتِ زي الفل “. هياج هستيري ضرب الحضور يشي بان ” نواعم ” احسنت توظيف مناطق الاثارة في جسدها، فاثارت مكامن غرائز زبائنها السكارى،وحركت مشاعرهم الهاجعة،خاصة عندما هزت مناطق الصدر الزلزالية،وحركت صفائح الارداف المثيرة للشهوة…فمن المجحف انكار حقيقة ثابتة ان الرقص الشرقي ليس فناً يثير المخيال،ويرخي الاعصاب كالرقص التعبيري…الاوبرالي …الاكروباتي… البالية بل حركات عشوائية تستنهض الجنس اكثر مما تهذب النفس.
معروف عند المتخصصين في علم الجسد، ان الرقص فن يعبر عما يختلج في النفس من عواطف جياشة، بحركات جسدية متناغمة ، يحكمها قانون التوازن ويسودها الجمال. احياناً اخرى يهدف الرقص الى تفريغ مشاعر مكبوتة كرقصة زوربا اليوناني التي تحرر الراقص من قلقه وتوتره من خلال ضربه الارض بقدميه، ضربات مدروسة بايقاع منتظم، اما الرقص الشرقي فيعتمد اساسا على التعري، بمعنى انه لا يخرج عن دائرة الإثارة…. وما عليك الا ان تنظرة نظرة فاحصة لنزلاء الظلام من رواد الملاهي الليلية، لتكتشف انهم كلهم بلا استثناء ذوي سلوكيات فجة، و مكبوتون يعانون من التواءات عاطفية حادة،حيث ان ساعاتهم البيولوجية تسير عكس المرسوم الفطري لها، فقلبت نهارهم ليلاً وليلهم نهاراً كالغبي الذي ” يُصّيف في الاغوار ويُشتي في راس منيف “.
امام إعجاب المعجبين وعاصفة التصفيق من المحرومين عاطفياً.انحنت الرقاصة نواعم لزبائنها المترنحين انحناءة ملغومة،كشفت عن البقية الباقية من صدرها،ما اشعل عاصفة من التصفير اشد واعتى من الاولى…ولما هدأت العاصفة…اعتدلت وقذفت الجماهير بقبلة ملتهبة،سقطت على رؤوسهم كقنبلة انشطارية،فاوشكت القلوب ان تقفز من صدورها، والعيون من محاجرها ، خصوصاً بعد ان اخذت الخمرة مفعولها بالرؤوس وفعلت فعلها بالنفوس.
قدّم لها عازف العود كرسيه لتستريح قليلاً بعد طويل هز،ثم جاءها النادل بكوب ماء مثلج.رشفت منه عدة رشفات صغيرة و اعادته للنادل على عجل…جففت عرقها ثم تنهدت بدلع قائلة للجمهور المشدود اليها بعد ان التقطت انفاسها : ـ ” عايزين ايه في الوصلة التانية يا حبايبي “… ردد الزبائن على غير ما اتفاق :ـ { بدنا رقص حتى الصبح } بينما رواد الصفوف الخلفية اخذت بالهتاف خلف زبون دائم…{ اليوم / اليوم… ما في نوم }.اسبلت عيونها باستسلام انثوي، الامر الذي اجج الوضع اكثر وقالت وهي تشير الى قائد الفرقة الموسيقية…ما تزعلوش يا حبايب نواعم…حصل يا عيوني حصل…هز/ ايوه هز.. طلبكم امر… ما في نوم حتى الظهر .
في مفاجأة لم تفاجيء صاحب الملهى، دخل مرشح { مستنوب } محاطاً بزمرة من مؤآزريه،لزيارة الملهى حسب نصيحة مستشاره للشؤون الليلة، فجماهير المواخير حسب رايه عندها قابلية قبول الاستهواء و تقبّل الاغواء كانها تحت تاثير التنويم المغناطيسي، خاصة في سويعات الليل الاخيرة حيث يفقد الجهاز المناعي للشخص ادنى قدرة على صد اي فكرة بما فيها الافكار الخسيسة بسب السهر والخمر. ففي هذا التوقيت تحديداً يكون العقل في حالة استقبال للمعلومات من دون تحليل او تفكير…و هي الفترة المفضلة لدى الاجهزة الامنية في العالم لانتزاع الاعترافات من الخطرين،فعندما تمنع المستجوب من النوم ،فانك تفقده كوابحه،ويصير مطواعاً بيديك كالعجينة .
رحب صاحب الملهى { بالمستنوب كأنه سيناتور امريكي } وقاده بنفسه الى طاولة امامية محاذية لمسرح الرقص.جلس الجميع باستثناء قائد الحملة ظل واقفا خلف { ولي نعمته } محيياً الحاضرين،و اشار على مايسترو الفرقة الموسيقية بالتوقف عن الدندنة ـ بناء على اتفاق مسبق معه ـ لالقاء كلمة موجزة ….فقال :ـ احبابي ارجوكم قليلاً من الوقت المستقطع، فانا لا ارغب ان افسد ليلتكم الليلاء بحرمانكم من متعة هز الخصر، والنقر على الدف، والضرب على الطبل…فقط اريد ان اعرّفكم على ابن الشعب البار،مرشحكم المستقبلي،المنفتح على همومكم و المتفتح على معاناتكم والمختلف بنظرته اليكم عن غيره من ادعياء المنجزات الكاذبه…. لقد حضر الليلة بلحمه وشحمه ليتقاسم معكم فرحة الجلسة التعارفية،وليبادلكم التحية بالتحية ويشارككم شرب نخب خدمة الامة. فاذا ما آزرتموه ومنحتموه الفرصة في الوصول الى العبدلي والجلوس تحت القبة…سترون المعجزة تنطح المعجزة…” وترى الناس سكارى وما هم بسكارى “….صاح احدهم من اقصى القاعة…كيف ياتي بالمعجزات وقد انقضى زمانها…نحن في زمن المعجزات التكنولوجية،وصاحبك غير قادر على تشذيب فردة من شاربه…فرد عليه بلا تردد :ـ اقصد معجزات الانجاز المُستقبلية.
غمز بعينيه الماكرتين بخبث للمستنوب المشغول بطقطقة المكسرات ” المازات “،ورشف الكاس تلو الكاس من منكر معبأ بزجاجات ماء للتضليل…فكرة عبقرية تعرف عليه من مسؤول كبير كان يمارس هذه اللعبة اذا ما رغب في الشراب بالاماكن العامة…احتساء ماء يشبه الماء لكنه ليس بماء…رد عليه المستنوب بغمزة امكر منها اشارة الموافقة،فرفع قائد الحملة وتيرة صوته قائلاً :ـ يسعدني ابلاغكم ان مشاريبكم الليلة على “حساب” سعادته و اشار بيده نحو {المستنوب} ، فذروة سعادة سعادته ان يراكم سعداء.
اعاهدكم ـ نيابة عن سيدي الجالس امامكم ـ لو جلس تحت القبة، سيفتتح لكم في كل حي ملهى، و يجعل لياليكم شراباً كي يدفن احزانكم في قاع كؤوسكم حتى يخلصكم من الكآبة التي ترزحون تحت ضغطها….اقول لكم بلا مبالغة :ـ ان في ذهن سعادته من الافكار ما يحول التراب بين ايديكم الى ذهب،ويجعل امراضكم الاجتماعية من فقر،بطالة،ولا عدالة في خبر كانَ. الاهم ان مقابر اجدادكم المستباحة من الاغنام،والتي اصبحت من الاهمال مكبات للنفايات،وتمارس فيها بالليالي المعتمة قبائح لا تقال، استحي من قولها فانه سيقلبها الى حدائق غناء مثل مقابر الانجليز و الاميركان وباقي الكفار في بلاد بره مع اننا اهل الجنة. فاجدادنا يستحقون مقابر لائقة لا مقابر مهملة من وزارتي الاوقاف والبلديات تمارس فيها كل الموبقات التي تغضب وجه الله.
معجزة المعجزات في قدوتي وتاج راسي ـ{ مرشحكم المستقبلي } ـ قدرته على التصدي للجبهات الهوائية القطبية القادمة من سيبريا وغيرها من دول الصقيع والموجات الثلجية، بوضع حواجز اسمنتية في وجهها، وقلبها الى جبهات دافئة بتسخينها،وذلك باستيراد جبهات استوائية موازية لها للاستغناء عن النفط و اهله،وسيعمل على وقف التسمم الغذائي بضرب تجار المواد الفاسدة بيد من فولاذ لا من حديد حتى يقطعها من شروشها بضربة واحدة.ناهيكم انه سيعمل على وقف الاسهالات الناتجة عن المياه الملوثة بتحلية مياه البحر.فوق ما سلف سيعمل على استئصال الورم الخبيث المتمثل بالفاسدين المتنفذين الكبار وهدم قلاعهم المحصنة التي لا يجرؤ على الاقتراب منها احد…ودقي يا مزيكا ” لحن القائمة الديمقراطية” التي يراسها سيدي..و اوصيكم به خيراً ان لا تنتخبوا من القائمة غيره،فالتنافس بين اعضائها على اشده.
هنا قاطعه المخمورون بالصراخ من هنا وهناك : ـ اسكت… يا مسيلمة …بلاش هشت علينا…بكفي عرط و صناعة معجزات فاضية… بدنا نواعم…بدنا نواعم…. ثم انطلق الجميع في ترنيمة واحدة يرددون { يا مترشح علينا …روح قول لامك …الشعب كله بذمك }…وفي حركة غير متوقعة نهض المترشح الهمام تغطي وجهه غلالة من حمرة بسبب اسرافه في احتساء خمرة كالماءِ لكنها ليست ماءً بل تشبه الماءَ قائلاً بتأتأة: ـ ابناء دائرتي انتو ونواعم على راسي… وهل هناك اغلى منكم ومن نواعم عندي..ثم صعد الى ” البست ” بخطوات متثاقلة ونثر على راسها حزمة من الاوراق النقدية مردداً : ” لعيونكم وعيون نواعم ترخص المصاري الي اجت بالحرام “. وتحت تأثير الخدر والنشوة خلع جاكيت بدلته وربطة عنقة وقذفهما الى قائد حملته، وراح يتمايل محاولاً شد نواعم للرقص معه الا انها تمنعت،وغضبت لفعلته التي تنم عن ” ولدنة فاضحة “وراحت تُتمتم ” شو هل البهدلة…ليلة زي قاع الكيلة ” وغادرت الصالة.
ثارت ثائرة الزبائن،وطالبوا صاحب الملهى بسحب المستنوب و اعادة نواعم و الا اهانوه ومن معه،بينما كانت جهود اعضاء الفرقة الموسيقية تحاول اقناع المستنوب بالعودة الى طاولته.ولما فشلت كافة المحاولات ، انهالت عليه مكتات السجائر،وصحون الفواكه،وعلب المشروبات الغازية من كل زوايا الملهى حتى ان احدهم ضربة بحجر ارجيلة، كادت ان تفلق راسه لولا ان تلقاه عازف الكمان بكمانه،لكن اشد القذائف ايلاماً كانت قذيفتين موجهتين اليه من شاب جامعي يعمل نادلاً بعد ان اغلقت في وجهه ابواب العمل فاضطر للعمل في هذا المكان الموبوء حتى لا يتكفف الناس بعد انتظار دوره في ديوان الخدمة المدنية دام سنوات عديدة من دون جدوى…و غالباً ما يقف في منطقة شبه معتمة من الصالة تحاشياً ان يراه معارفه قدر الامكان.
لم يعرف احد ماهية القذيفتين اللتين كادتا ان تطيحا باسنان المترشح،بسبب خفوت اضواء الملهى مع ان اثارهما كانتا واضحتين على سحنته… سحجات زرقاء،خدوش غائرة،خلخلة في احد الاسنان الامامية….الا ان بعض الزبائن الجالسين في الزاوية القريبة من الشاب الجامعي، اكتشفوا بعد اضاءة الصالة نتيجة الهرج والمرج،ان الشاب يقف حافياً.فصاح احدهم : { حيوه النشمي …زلمة من ظهر زلمة مع ان المستنوب ما بسوى فردة } …بعدها تقدم من الشاب الحافي، زبون يبدو عليه آثار النعمة كان يجلس في ذات الزاوية التي يقوم على خدمتها ،و ناولة ” كرتاً “،وقال له هامساً : ـ حقاً ” هيك مضبطة بدها هيك صرامية “،ويسعدني ان تتصل بي غداُ بعد العاشرة، لتعويضك دزينة احذية من افخر الماركات العالمية بدل حذاءك الذي ذهب الى حيث يجب ان يذهب.