في اليوم الرابع من الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة، أرسلت دمشق عبر إحدى قنوات إتصالها بـ"حزب الله" إلى قيادة هذا الحزب سؤالاً: هل يمكن فعل شيء؟ خلال اليوم نفسه وصل الجواب إلى دمشق من الأمين العام لـ" حزب الله" السيد حسن نصرالله : "لا نستطيع شيئًا... نحن مكشوفون من السنّة، ومن الدروز، ومن رئيس الجمهورية ميشال سليمان". الرجل الذي كشف هذه المعلومات لـ"إيلاف" ديبلوماسي عربي شدد على أن السؤال الذي وجهته دمشق إلى قيادة الحزب كان محض تشاوري، ولم يكن إيعازًا ولا حضًا ولا تحريضًا. ولاحظ أن الجواب كان مبتسرًا، فلم يتناول موقف الشيعة ولا موقف المسيحيين من احتمال فتح "جبهة ثانية" مع إسرائيل عبر الحدود اللبنانية، بل اكتفى بالإشارة إلى صعاب سياسية داخلية أخرى، هي مواقف السنّة والدروز والرئيس سليمان. لكنه أبدى اقتناعه بأن ثمة أسبابًا أخرى أكثر أهمية، على وجاهة شعور "حزب الله" بأن ما كان يمكنه فعله في الصراع مع إسرائيل قبل انخراطه القوي في النزاع على السلطة في الداخل اللبناني ولا سيما قبل عمليات 7 ايار/ ما يو 2007 في المناطق السنية والدرزية لم يعد ممكناً بعد ذلك التاريخ، وذلك لأن الحزب والطائفة التي يقودها فقدا العمق الضروري لخوض حرب مع إسرائيل، خلافًا لما كان عليه الوضع في تموز/ يوليو 2006، فيما حليف "حزب الله" المسيحي الجنرال ميشال عون بات أضعف من أن يتحمل إنعكاسات أحداث بمثل هذه الخطورة الشديدة على لبنان وشعبه كله بلا تمييز.
من الأسباب الأخرى الوجيهة للخلاصة التي انتهت إليها قيادة "حزب الله"، بحسب المعلومات نفسها، تلقيها تحذيرات يومًا بعد يوم- خشية ألا تنسى- من قيادة الجيش اللبناني، فحواها إن أي تحرك عسكري أو أمني يقوم به "حزب الله" في هذه المرحلة، سواء أكان تحت شعار نجدة "حماس" وأهل غزة وتخفيف الضغط عنهم أم الإنتقام للقيادي في الحزب عماد مغنية، سيعني فتح "أبواب جهنم" ليس على "حزب الله" وحده بل على الجيش اللبناني أيضًا الذي سيقوم تلقائيًا بواجبه في الدفاع عن الأراضي اللبنانية بكل ما يملك من إمكانات. وترجمة "جهنم الإسرائيلية" هذه المرّة بوضوح، وفق التهديدات والمعلومات التي تلقاها لبنان عن الإستعدادات الجارية وراء حدوده الجنوبية، ضرب كل ما هو بنى تحتية من محطات كهرباء ومياه وإتصالات ومرافق، فضلاً عن لائحة الأهداف الطويلة المتعلقة ب"حزب الله" والمسؤولين فيه.
وفي المداولات التي جرت بين دمشق وقيادة "حزب الله" أن حتى أي عملية تقوم بها تنظيمات وفصائل فلسطينية عبر الحدود اللبنانية ضد إسرائيل، وكذلك أي عملية ضد هدف إسرائيلي ما في الخارج ستجعل "الثور الهائج" حاليًا يهاجم "حزب الله" فورًا، بذريعة أنه ممسك بالجنوب عبر عيونه هناك وما انفك يهدد بعملية إنتقامية لمغنية. والأفضل بالتالي صرف النظر عن هذين الإحتمالين أيضًا في انتظار جلاء ما ستسفر عنه التطورات الميدانية في غزة والإتصالات السياسية الدائرة لوقف النار فيها.
بناء على هذه المعطيات أعلن رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي في ايران سعيد جليلي من السفارة الإيرانية في دمشق مساء الأحد أن إيران و"حزب الله" لا ينويان حالياً خوض مواجهة مع إسرائيل. الأمر الذي عنى ترك "حماس" في غزة وأهل غزة لمصيرهم بين أشداق الغول الإسرائيلي.
ولفت الديبلوماسي العربي إلى أن إيران أطلقت هجومها الإعلامي والسياسي والشعبي على مصر قبل انفجار الوضع في غزة بأسابيع لأسباب عدة أبرزها، من وجهة النظر الإيرانية، إن السلطات المصرية دأبت منذ مدة على التعامل مع "حماس" بأركانها وأنصارها على أنهم غير فلسطينيين، بل تنظيم تابع لإيران. وتشك طهران، عن صواب أو عن خطأ، ومعها دمشق و"حزب الله" بأن مصر باتت تقوم في لبنان مقام المملكة العربية السعودية، لمصلحة المملكة، سياسياً واستخباراتياً في تأمين شبكة حماية ودعم لقوى 14 آذار/ مارس، مما قد ينعكس على نتائج الإنتخابات النيابية المقبلة في لبنان، التي حددت وزارة الداخلية في الساعات الماضية موعد إجرائها خلال يوم واحد في 7 حزيران/ يونيو المقبل.
وفوق ذلك تؤيد مصر وتسعى في السر والعلن إلى إطلاق عمل المحكمة الدولية لقتلة الرئيس رفيق الحريري. وهذا سبب يكفي وحده ليطفح الكيل.