بقلم الاعلامي ..بسام الياسين
((( من اروع ما قاله الفيلسوف ارسطو:ـ علمتني الفلسفة ان (افعل) دون اوامر ما (يفعله) الآخرون خوفاً من القانون.فيما يقول:ـ Al-mugtareb “المغترب”،صاحب الراي الحصيف،المتبحر في دواخل الشأن الوطني تعليقاً على مقالة البروفيسور الفقيه الدستوري محمد الحموري ” الموقف الدستوري من انتخاب بدو الوسط” :ـ { ما لم يكتبه الاستاذ الحموري هو الاخطر،هنالك جهه مهيمنه منتفعه تصر على انها فوق القانون، وتُمعن في إثبات ذلك، ظناً منها انها الوسيله الأنجح لإخضاع الشرفاء من الأردنيين}….بدورنا نقول:ـ القانون فوق أي كائنٍ من كان مهما علت مرتبته،وارتفعت منزلته صارخين بملءِ اصواتنا على مسامع ممن في آذانهم صممُ :ـ ان القانون ليس فوق الجميع بل فوق الفوق. فإما دولة مدنية يحكمها القانون و اما قانون “حارة كل مين ايده إله، وقانون قنوته على جنبه ” ))).
إدعى الرئيس الملقي في جلساته الخاصة قبل تشكيل حكومته الثانية ” ان حكومته الاولى ليست حكومته” معلناً برآءته منها.سؤال يُولدّ تساؤلاً مشروعاً :ـ ان لم تكن حكومتك،فحكومة مَنْ اذن ؟!”. الطريف ان حكومته الثانية جاءت، نسخة مستنسخة عن الاولى،خلا استثناءات محدودة…تشطيبات هنا تستدعيها المحاصصة…ديكورات هناك لتجميلها وتسهيل بلعها. ما يثير الدهشة ان القرامي العتيقة بقيت كما هي من دون ان يمسها الرئيس مسا. ما يشي ان لكل “قرمية” راعيها الرسمي،سواء كان فرداً نافذاً او مؤسسة سيادية،كاشفاً بجلاء، ان رجال الظل النافذين المتنفذين من اعضاء الدولة العميقة،هم وراء هندسة التشكيلة الجديدة،الا انها رغم الخلطة “المُحْدَثة ” وكل محدثة ضلالة،فالغالب عليها انتفاء روح الفريق،غياب كيمياء التجانس، فقدان لغة التفاهم،انقطاع خطوط التواصل بين اعضائها.ما زاد الطين بلة و شرخها شرخاً، بقاء الوزراء المزمنيين،اولئك الذين يشعرون في قرارة انفسهم ان وزارتهم قلاع تخصهم،لا يعرف شعابها و تشعباتها سواهم،و مفاتيح اقبيتها ومستودعات اسرارها حكراً عليهم وحدهم.ناهيك عن مرجعياتهم الخاصة التي توجههم وترسم سياستهم.
سياسة شاذة في علم السياسة، تتنافي مع ابسط قواعد فقه السياسة.فالاخطار الخارجية المحدقة بنا، والمشكلات الداخلية التي تفتك بمجتمعنا خانقة، تزداد شدةً يوماً بعد يوم…فكيف تستقيم المعادلة في ظل تركيبة وزراية غير متجانسة ترسم سياستنا،و ستخوض رغم انفها ” معارك ضارية مع ملفات ثقيلة وشائكة “،وسط تسارع احداث دولية و اقليمية مخيفة،واتساع الفجوات بين مكونات مجتمعنا.فإن لم تكن هذه حكومتك الثانية ليست حكومتك دولة الرئيس، فكيف تواجه مشكلات تنوء بحملها الجبال،و تغوص في رمال متحركة من ثقلها تبتلع الجمال.اي بالمفهوم المخالف، هي حكومة مرئية، تُحرك خيوطها من خلف ستارة كائنات غير مرئية،و حكومة الدوار الرابع حكومة وظيفية لتنفيذ “الفرمانات” ليس الا ؟!.
نتسآءل و الالم يعصرنا :ـ وسط هذا الوسط الاخطبوطي المتعدد الايدي، كيف تواجه الحكومة حالات التردي،الفوضى،الانقسام،الانفلات التي يرزح تحتها المجتمع الاردني؟!.فمشكلة المشكلات، ان الملقي ترك الباب موارباً،لم يفتحه لنا لنرى ما يدور في الداخل،و لم يغلقه علينا كي نستسلم للامر الواقع و نُسّلم امرنا لله.سياسة الباب الموارب،رفعت منسوب قلقنا وزادت حيرتنا…لكن دولته فتح علينا باب ” التعمية الوطنية ” على مصراعيه للتعاطي مع القضايا الحساسة لكي ندور حول انفسنا .
تذمر شعبي بلغ مناسيب خطرة،لامس حدوداً حادة من التوليفة الحكومية الجديدة،إذ بدأ المكبوت الشعبي يعلن عن نفسه،بممارسات متعددة. بعضها عميق السلبية،كاشفاً عن ” الجواني” في داخله،استناداً الى مفهوم ترسخ لديه جراء سياسات الحكومات المتعاقبة :ـ لا شيء يدعو للتفاؤل… دليلنا الاحاديث المبللة بالحزن والمغموسة بالاحباط المتدوالة في الشارع بوصف قرارات مجالس الوزراء،انها اقرب ما تكون الى حلقات الذكر الصوفية ، ورقصات ” الزار” التي تُدار في الزوايا المصرية لعلاج الامراض المزمنة بالدجل، حيث ترى الراقصين يتمايلون ويصرخون حتى يخرج الزبد من افواهم بينما الحصيلة هي ” اللا جدوى “.اما مواطننا الواقف على الحافة بانتظار الفرج،فقد جف ريقه من طوال انتظار مثل راعٍ اضاع ” قربة مائه” في يوم قائظ،وسط صحراء مترامية الاطراف لا حدود لها.من هنا اضطر لدخول معركة مجالدة الذات ومجاهدتها…فعليه تناول كل طالع شمس وجبة إفطار اجبارية، تعكر دمة وتقلب مزاجة…تلك التي يقوم باعدادها ” مطبخ الحكومة “.فيما الحكومات لم تتعلم من اخطاء بعضها،ويبدو انها لم تفهم الدرس الاول من دروسها ان رفع سلعة قرشاً واحداً يهز كيانه،ولم تكتشف بعد ان المكاشفة،الشفافية، تنمية قدراتنا الذاتية السبيل للتغلب على العوائق التي تعوقنا لبناء مكان ومكانة لنا في اقليمنا،وحجز مقعدنا في قطار الالفية الثالثة.
لا حرج من الاعتراف :ـ ان الحكومات السابقة،كانت الراعي الرسمي للترهل الاداري،الرخاوة الامنية،الطبطبة على انتهاكات حرمة الدولة وسيادة القانون،ما فتح باب التأويلات الخاطئة والاجتهادات القاتلة،والفوضى العارمة.فالواجب يقتضي الخروج من الغرف المغلقة،والدهاليز المعتمة،و الاقبية الرطبة الى الهواء الطلق لاجل ان يشارك المواطن الدولة في رسم مستقبله ويتحمل تبعات قرارته، لا ان يُدفع دفعاً ان ينتمي مُجبراً الى ” حزب الكنبة” لمتابعة الافلام التركية او يُحشر مرغماً في الزاوية الحرجة ،مع الاغلبية الصامتة ذات الشعار البغيض ” حايد عن ظهري بسيطة ” حتى لو احترق الوطن باكمله طالما ان النار لم تصل ثوبه.
نسأل بمرارة في السياق ذاته :ـ هل ينتمي لوطنه من يسطو على صناديق الاقتراع ؟!. وهل يحب وطنه من يحرق شجرة تُسّبح ربها احتجاجا على خسارة مرشحة ؟! .ام ان الانتماء والولاء بضاعة للمزاودة في السوق الوطني،يعرضها تجار الوطنية وقت الحاجة لابتزاز الدولة او للحصول على مغانم جديدة ؟!.. نتساءل، ماذا يعرفون عن الوطنية من يقومون بزفة نارية لنجاح نائب، ويقلقون مدينة باكملها،ضاربين عرض الحائط بالقانون ومشاعر الناس،كأنهم لم يسمعوا عن بلدان متحضرة، تمنع سكانها من سحب سيفون الحمام بعد العاشرة ليلاً حتى لا يزعج الجار اللصيق جاره بينما هؤلاء “طرمونا” طخطخة ببنادق ” غير مرخصة” ؟!.
الحق اقول الحق، ان امام الحكومة قضايا مستعجلة خطرة، يجب مواجهتها بمسؤولية :ـ اتفاقية الغاز مع دولة العدوان،العدو التاريخي للامة والعبث بالمناهج،نضيف اليها ظواهر مفزعة باتت تهددنا كحرق المنازل كما حدث في الصريح،موبص،كفر جايز،و انتشار السلاح بين الناس بطريقة مخيفة،فلا احد يدري ان كان بين شعوب الارض من يُماثلنا باطلاق النار ـ العادة الذميمة ـ…في التوجيهي،الانتخابات،الاعراس،صالات الافراح، مجلس النواب،على شاشات الفضائيات ، طهور الاولاد… ونحمد الله ان مجتمعنا بريء من ختان البنات و الا لكانت المدافع سيدة الفزعة.
هناك قضية كبيرة تتغاضى عنها الحكومات،هي تآكل الطبقة الوسطى،و إتساع الفجوة بين القلة المتخمة التي لا تغطي مساحة راس دبوس وبين القلة المحرومة ذات القاعدة الشعبية العريضة،وما بينهما من فروق اجتماعية،معيشية،اقتصادية صارخة،ما دفع الاولى النافذة للتسلط على المعدمة واستغلالها بكل السبل الملتوية…لذلك يجب الوقوف ملياً عند هذا التباين.فالفقر والظلم هما وقود الانتفاضات العمياء،بسبب انقسام المجتمع الى طبقة عبيد و اقنان تقابلها طبقة اشراف ونبلاء .
يضاف الى ما سلف قضية خطيرة لم تعرها الحكومات السابقة اي اهتمام.قضية الملاعب وما يعتورها من شغب وغضب،وما يسفر عنها من اثارة فتنة،شق الوحدة الوطنية، تعكير المزاج الوطني،تحطيم ما تصله ايدي المشاغبون من املاك عامة وخاصة.اجزم ان أُولي الامر لم يسألوا انفسهم مرة واحدة :ـ هل فوضى الملاعب جاءت لخسارة فريق ام انها تفريغ لما يعتمل في الصدور للتنفيس عما يدور فيها من سخط على الاوضاع السائدة. الانفعالات المكبوتة ـ للاسف ـ لم تجد الا الملاعب للتنفيس، و اطلاق مرذول الكلمات في كل الاتجاهات.من المستحيل ان يعقل عاقل،ان من جاء الى الملعب ليستمتع بالرياضة ويُرَوّح عن نفسه المتعبة ان يقذف اللاعبين بالحجارة ويكسر المقعد الذي يجلس عليه ؟!. دراسة بريطانية مثيرة فسرت هذه الظاهرة الشاذة، وخلصت الى ان ما يحدث في الملاعب من قلاقل يعود الى { ضغوطات اقتصادية بأقنعة رياضية }. وهناك دراسة امريكية اقتصادية اكثر اثارة تقول ان مجرد رفع سنتاً واحداً على السلعة،فانك ترفع القلق عند العامة….وهذه اشارات “لاهل الرفع” ليتقوا الله فينا.
القضية الاخطر التي تتجاهلها الحكومات منذ تأسيس المملكة الى يومنا هذا،ما نشرته صحيفة الغد الغراء بتاريخ 13/ ايار / 2015 عن دراسة اكاديمية علمية ان 20 % من الاردنيين يعانون من اضطرابات نفسية،و الانفاق الحكومي عليها لا يتعدى 3% من الموازنة الصحية،فيما العلاج النفسي الخاص مكلف جداً،و يحتاج الى فترة زمنية طويلة.هذه الشريحة البالغ تعدادها مليون 750 الف عبء على الاسرة،المجتمع،والدولة لما تسببه من اشكالات معنوية للاسرة وما تحتاجه من تكاليف مادية،وما يمارسه ذوي الاضطرابات من سلوكيات خاطئة و احياناً خطرة.
المرض النفسي يصيب الجميع،وهو لا يختلف عن المرض العضوي،كما انه ليس عيباً او مساً شيطانياً بل نتاج اسباب كثيرة متعددة منها وراثية،اقتصادية،تربوية،صدمات عاطفية،خسارة مالية،فقدان عزيز…….فلا غرابة ان اطلق على عصرنا عصر القلق.المشكلة ،ان يحتل مريض نفسي منصباً حساساً،ويكون من اصحاب القرار او يعمل في احدى المهن الخطرة التي تتعلق بحياة الاخرين كالطيارين،سائقي الحافلات،مهندسي البناء،الاطباء الجراحين…..!. لهذا فان شهادة اللياقة النفسية لا تقل اهمية عن شهادة عدم المحكومية التي تطلبها المؤسسات عند التوظيف، اما نحن فنراها اكثر اهمية.
من الظواهر اللافتة هذه الايام، انهيار السلامة العامة على الطرقات،حيث تطالعك الاخبار اليومية عن حوادث دامية،ينجم عنها قتلى وجرحى كأننا في معركة، لا تتوقف رحاها على مدار الساعة.المثير فيها ارتفاع عدد الضحايا في الآونة الاخيرة الى مستويات غير مسبوقة.لا ننكر ازدياد عدد السكان،حالة المركبة،صلاحية الطرقات في الحوادث.لكن ما يشد الانتباه ان يذهب ركاب سيارة كلهم ضحايا، نتيجة السرعة الجنونية .ظاهرة تستدعي البحث عن العلة المستجدة. و انا ، لا أبريء المخدرات من نسبة كبيرة من الحوادث، اذ ان المتعاطي لا يستطيع تقدير المسافة ولا يشعر بالزمن داعياً الله ان اكون مخطئاً.
بدايات الملقي مقلقة ومتعثرة.فمنذ ان وطأت قدماه عتبة الرئاسة، قُتل ناهض حتر على عتبة العدالة،واستقال منذ اليوم الاول وزير النقل مالك حداد على خلفية جنائية، ثم انفجرت الاحتجاجات على العبث بالمناهج المدرسية التي مست الاوتار الحساسة للشعب الاردني، بالتوازي مع الاعتصامات على اتفاقية الغاز مع “اسرائيل المحتلة” في غياب الحكومة والبرلمان ، وكأن دولة العدوان الصهيونية، دولة شقيقة وسجلها الدموي اكثر بياضاً من جناح حمامة.
اهم مقومات ” القائد” ان يكون ذا راس باردة حتى لو كان يغلي كالمرجل، صبوراً،هادئا،وحليماً ….لكن تسريبات معارف الملقي تقول انه شخصية انفعالية،عصبي جداً،سريع الغضب. وما يستدعي الانتباه ايضاً، ان دولته شكل وزارتين لكنه لم ينبس بكلمة واحدة رغم القضايا الساخنة.فاللغة الوزونة المتزنة،ترتيب الافكار،سرعة البديهة،كاريزما الحضور،قوة الحجة سلامة المنطق من سمات القائد الناجح . سيدنا علي كرّم الله وجهه يدلي بهذا الميدان بدلوه فيقول :ـ الرجال صناديق مقفلة مفاتيحها الكلام. اما سقراط الفيلسوف اليوناني رصد شخصاً وسيماً مديد القامة،مزهواً بلباسه،منفوخاً بجلسته في احدى ندواته النقاشية مع تلاميذه،لكنه ظل طوال الجلسة صامتاً فقال له :ـ يا هذا تكلم حتى اراك….فتكلم يا هذا حتى نراك.