بقلم الاعلامي .بسام الياسين
((( وجع الكتابة يطبع صاحبها بطابع الالم…يدمغه بخاتم القلق،شاء ام ابى.ذلك من يختار الكتابة المالحة الموجعة التي تُدمي اصابعه المُتشققة، لا تلك المستأنسة المغموسةِ بعسل الهدايا والعطايا الساعية للمداهنة.حقيقة ثابتة ان التعايش مع الهمَ العام،والتعاطف مع انكسارات الناس يورث الكآبة ويبعث الحزن. لذا ترى الكاتب المنحاز الى صف الناس غارقاً في بئر احزانه….هي الكلمة ساقطة في عتمة العدمية،ان لم تكن حجرا تُدمي راس خصمك وخيط دخان تكون.ان لم تكن وردة تُطلق عطرها صوب ملهمتك الرائعة الفاتنة.ما يعني ان لا نشاط انسانياً يوازي الكتابة شريطة ان تكون صافية كالبلور ليرى الآخرون في مرايا حروفها آلآمهم العميقة و آمآلهم العريضة،لا تلك الانتهازية التي يهدف الكاتب الانتهازي من وراءها مرضاة السلطان،و التوسل اليه منصباً لحلبه ثروة وسلطة في دلوه…ان كانت كذلك بئست الكلمة. لا جدال ان ” القرآءة تميزنا عن القردة ” بينما الكتابة تعطينا الاحساس بانسانيتنا كبشر،بوجودنا كذوات لنا رسالة،بقدرتنا على تحريك الساكن في حياتنا، و القاء حجر في الماء الآسن…سؤالنا المفصلي :ـ ما فائدة الكتابة ان لم ننبش اوكار الخيانة المحفوظة في القلاع العصية ولم نفتح سجلات بطولة ابطالنا المطمورة في حاويات مُحكمة الاغلاق،تم التعتيم عليها حتى لا يكونوا قدوة لإجيالنا الصاعدة ؟! ))).
{{{ الطود الهاشمي }}}
في زاوية صغيرة معتمة،داخل صحيفة مغمورة،ورد ـ قبل ايام قليلة ـ رحيل المجاهد المغربي البطل ” الطود الهاشمي” احد ابطال المقاومة ضد المستعمرين الاسبان والفرنسيين. خبر فضح الكارثة الاعلامية في الوطن العربي المشغول بكم سنتيميتر تضخمت ارداف كيم كارداشيان،وعدد ازواج فيفي عبده، وآخر اخبار فضيحة احمد عز و زينة.اعلام تضليلي، تبت يداه، يُعلي شأن الساقطين ويُنكر بطولات المجاهدين…ما يؤشرعلى سقوطه وسقوط القائمين عليه.
الطود الهاشمي لمن لا يعرفه :ـ سيرة رجل يبعث على الفخر…مسيرة بطل ذاع صيته حتى ضاقت بها صفحات المجد…معاركه هزت اصحاب القرار في مراكز القيادة العليا في فرنسا، ودوائر الاجهزة الاستخبارية في اسبانيا…مجاهد عاش في الظل،وغادر الحياة بصمت، باع بهارج الحياة واشترى مرضاة الله…هكذا هم العظماء لا ينشدون الاضواء على طريقة مرضى الاستعراض بل آثروا ان يصنعوا من حياتهم قتنظرة ليعبر عليها الاخرون الى حياة كريمة خالية من جرائم الفرنسيين و محاكم تفتيش الاسبان …نهايته العظيمة كانت خبراً صغيراً بينما اخبار تراشق راغب علامة والمغنية احلام بأسلحة البذاءة، احتلت الصفحات الاولى والعناوين الكبيرة. يا للعيب امة الخيل والسيف والحرف تهبط الى هذا المنحدر من الانحدار !!!.
بطلنا “الطود الهاشمي” رفيق سلاح وصندوق اسرار الاسطورة الجهادية محمد عبد الكريم الخطابي…شارك في حرب فلسطين عام 1948 ثم انتقل الى الجزائر للاشراف على تدريب الثوار الجزائريين ثم التحق بكتائب الخطابي حين نادى على الجهاد في المغرب العربي. المخجل ان الاعلام العربي تجاهله وافرد مساحة واسعة لاسباب طلاق انجليا جولي واختلف الفرقاء هي سوية ام شاذة…لكن التاريخ المٌنصف انصف الطود الهاشمي فاعطاه منزلة محمودة،وانزله منزلته،ونال استحقاقه الذي يستحقه كبطل جهادي، فيما قلدّه الناس ارفع الاوسمة،ورفعوا اكف الضراعة لله ان يرفعه الى اعلى عليين ويحشره مع الصديقيين.
لانعاش الذاكرة العربية المعطوبة….العقيد الطود الهاشمي المغربي المُتشبت بحلم تحرير فلسطين،ظل ينطق بها حتى نطق بالشهادة واسلم الروح لباريها وقد ناهز الثمانيين…فمن هو هذا الطود الشامخ الشاهق …هو الصديق اللصيق والرفيق الوفي للاسطورة القتالية المجاهد الامير محمد عبد الكريم الخطابي.نشأت بين المجاهدين علاقة ود عميقة.فاذا كان المرء يٌعرف من قرينه،ويُحشر يوم القيامة مع خليله ،استشهاداً بالجديث الشريف:ـ { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ ، فَقَالَ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْت}. الخطابي المعروف اوروبياً لكنها جريمة معرفية اذا لم يعرفه العرب والمسلمون على السواء.هو بكلمات موجزة :ـ القائد العام للثورة الريفية في المغرب العربي،وبطل معركة ” انوال” التاريخية التي حشد لها ملك اسبانيا الفونسو الثالث جيشاً جراراً مجهزاً بالطائرات والدبابات والمدفعية،اما اميرنا الخطابي فحشد (3) مقاتل مغربي من الفلاحين والبسطاء و المشائين الى صلاة الفجر في الظلمات.جهزهم باسلحة بدائية.فكان النصر حليف الفرقة المؤمنة حيث لم يسلم من جيش الاسباني الجرار سوى 600 وذهب الباقون بين جريح و اسير الى جهنم و بئس القرار.
ككل العظماء كانت نهاية الامير الخطابي مأساوية انتهى به الامر الى الاقامة حتى وفاته بمصر، نتيجة لنكوص المستعمرين عن الوفاء بعهودهم وخيانة الطامحين بالمكاسب من ابناء جلدته….العظيم يبقى عظيماً مهما قست عليه الحياة،وضاقت به الاحوال….فهذا ارنستو تشي جيفارا الثائر الاممي،ملهم الثوار على امتداد التاريخ المعاصر الذي فتن الشباب العربي في القرن الماضي ، قال خاشعاً بين يدي المجاهد الوقور ذي اللحية البيضاء :ـ سيدي الامير ، لقد اتيت الى القاهرة خصيصاً كي اتعلم منك”،كما شهد له الصحفي الامريكي “فانسن ستون” عام 1926 على صفحات الصحف العالمية بقوله :ـ { الخطابي ظاهرة بشرية فريدة }، في حين يأتي اعتراف الزعيم الفيتنامي العظيم، الاب الروحي للثورة الفيتنامية التي اذلت الغزاة الامريكان :ـ انه اقتبس حرب العصابات القائمة على المباغتة،وحفر الانفاق للوصول الى معسكرات العدو من القائد الفذ محمد عبد الكريم الخطابي.ها هم ابطالنا الغيارى على الامة ارضاً وعرضاً وكرامة،يرحلون بصمت في المنافي والسجون…فالامة التي تُنكر ابطالها،وتحتفل بمهرجيها ليست جديرة بالحياة.
{ ابطال اليهود !!! }
تُرى ماذا يقول اليهود عن ابطالهم…. جنرال يهودي كبير طاعن في التجسس قال بفخر لقد صنعنا من جواسيينا ابطالاً لاننا نفتقر الى الابطال :ـ الجاسوسة شولا كوهين ” لولوة الموساد ” التي عملت في لبنان تحت غطاء الدعارة وقبض عليها في بيروت بتاريخ 12 / 8 / 1961 التي وصلت الى رجالات صنع القرار،والجاسوس ايلي كوهين الملقب بـ “الجاسوس المستحيل” الذي انتحل صفة رجل اعمال في سوريا ووصل الى قمة الهرم بالمكر و الهدايا، ولولا افتضاح امره، لكان على وشك ان يصبح رئيساً للوزراء في الشقيقة سوريا.
التاريخ العربي الاسلامي يفيض بالابطال في حين ان التاريخ اليهودي خالٍ من الابطال و البطولة.لذلك ربط البطولة بالكارثة كالشيعة الذين يربطون البطولة بالمظلومية، لكنه حافل بالمكائد والمؤامرات…. امريكا تاريخها لم يصل الى 300 عاما ،ومن هنا اطلقت قولتها الانهزامية ” السعيد من لا تاريخ له “….لدرجة ان صفحات تاريخها اما بيضاء فارغة او سوداء لاستعمالها الاسلحة المحرمة في اليابان،فيتنام،العراق.
لإفتقار امريكا للابطال الحقيقيين لجأت امريكا بعد هزائمها العسكرية و الاخلاقية الى صناعة ابطال سينمائيين مثل البطل الهوليودي “رامبو ” الذي يقهر جيشاً بمفرده، ويقوم بمهارات قتالية تعتمد على حيل سينمائية،تخلب الابصار وتسحر القلوب،كحالة تعويضية بسبب فقدان الابطال في الجيش الامريكي، ولرفع الروح المعنوية الامريكية خاصة حين وصول التوابيت للوطن الام باعداد كبيرة لم يحتملها الشعب الامريكي.للافت في تلك الحرب ان الارداة الفيتنامية المجردة مرغت انف الجيش الامريكي في تراب فيتنام، كماهزمت التكنولوجيا المتقدمة والقوة الجبارة الامريكية معاً….هذا الدرس العظيم لم يتعلم منه العرب…فوضعوا اوراقهم التي قال عنها ذات انور السادات ذات خيانة ان 99 % من اوراق القضية الفلسطينية بيد الامريكان..لم يكتف العربان بوضع اوراقهم بل وضعوا اموالهم،مصيرهم،مستقبلهم بيد الامريكان،فقامت بخوزقتهم وباعتهم بالمجان.
{ صناعة البطل في الاعلام العربي }
برعت الاجهزة المخابراتية و الاعلام العربي في صناعة الزعيم ” البطل الكذبة “..ذلك الذي يصنع المعجزات و يأتي بالخوارق..بطل يومض من بطن الغيب كالرعد ،يزمجر كالرعد…يقلع اشجار الغابات من شروشها ،يقلب ناقلات النفط العملاقة مثل علب الثقاب في البحار كاعصار تسونامي،يُطّوع الاعداء كما يُطّوع الحداد الحديد بالنار…ولتكتمل اللعبة زرعت الخوف في الشعوب من غضب الحاكم البطل…فلا تقربوه بسوء،يومئذٍ تزلزل الارض زلزالها…ولن يبقى حجر على حجر في مدنكم وستتحولون الى لاجئين ومشردين….هو البركان ان غضب،وسيرمي مدنكم بالنار والحجارة حتى تصير قاعاً صفصفا…{ سوريا شاهد وشهيد }.
…اما ان اعتدل مزاجه فـ “يا سلام سلم “.سيأتي بالخوارق الخارقة التي تُذهل اصحاب العقول،…عندها تضع الحاملُ ما في رحمها لـ ” كراماته ” بلا مستشفى او عملية قيصرية،يُدر حليب المرضعة حتى لو كانت تعاني من حالة انيميا حادة …يُفجر الينابيع بدعسة قدمه المباركة ، تخضوضر السهول ان مرَّ من قربها في زيارة عابرة من طيب انفاسه….تصبح البلاد نسخة منسوخة من جنة الرحمن لاجل ” بركاته”..عندها يلتقط المواطن الجوعان الفاكهة من الاغصان بلا عناء…يلحس اصابعه من عسل مصفى على مدار الساعة.. يرتشف الخمرة المعتقة وهو جالس على شرفة منزله المطلة على انهار الماء والعسل و الخمرة ….
…بطل ” صُنع في الاعلام”،بطرف اصبعه تنهض المشاريع العملاقة،حاملاً الناس على مراكب الحب من ضفة القهر والفقر والحرمان الى ضفة الرفاه والسلام و الامان…بسيفه البتار يقطع دابر الفساد و الاستبداد…يجز راس الظلم على رؤوس الاشهاد.حقاً انه عصر صناعة بطلِ الفضائيات،وفبركة الصورة،ونسج بطولات زائفة…اعلام قائم على النفاق لا يحمل هوية واضحة و لا سياسة جلية مرسومة.هدفه تزوير الحقائق وقلب الواقع لتكريس حالة الخضوع والخنوع… اعلام ابطاله منافقون يحملون المباخر لتعطير الاجواء النتنة،وتلميع صورة فرعون المعتمة حتى يظل مضيئاً في الذاكرة.اعلام انسلخ الناس عنه فلا احد يسمعه وان سمعه لا يصدقه.
المواطن هو البطل !
سائق “التوك توك” شد الملايين الى حديثه المُقتضب…تكلم بعفوية وتلقائية عن الفقر كهوية اجتماعية…عن الشرخ العميق بين ما تعلنه الحكومات والواقع العفن للغالبية العظمى من الناس الغلابا.قال بلا خوف كيف تُدار الامور بسفالة عند صُنّاع القرار… تحدث عن تغلغل الفاسدين للجذور العميقة…حكى عن تدهور الاحوال…قال ما يجب ان يُقال…قال ما كان وما هو كائن وما يجب ان يكون….كان اكثر صدقية من الحُكام ومجالس النواب و الاعلام…. لم يزيف،لم ينافق،لم يُضخّم الامور…نقل الواقع بعدسة عينية،وتكلم بلسان صدق…فما يخرج من القلب يدخل الى القلب….لذلك دخل قلوب الملايين…و اسس لقاعدة اعلامية ذهبية :ـ لا مكان بيننا للكذابين.
سائق التوك توك كان على عجلة من امره… كان يجب ان يتكلم عن انسانية الناس المهدورة…عن كرامة الشباب العربي المجروحة الذي اصبحوا على استعداد ان يتخلىوا جنسياتهم وعروبتهم من اجل ” فيزا اوروبية “….ان يتركوا جامعتهم ويلتحقوا بـ “الارهابيين” لينحروا غيرهم وينتحروا هم من اجل الشيطان…سائق التوك توك الذي كان صادقاً مع اهله و اميناً في نقل رسالته.لذلك سمعنا وصيته للمذيع عدم العبث باقواله خوفا من تزويرها او حذف بعض كلماتها،كي لا يهتز متنها و يضيع معناها… ابلغ كلماته هي انه لا يرى نفسه ” بطلا”،وما فعله مجرد ” كلمة خرجت من قلبه فاحس بها الناس وصدقوها “.
ابطالنا هم عناوين تاريخنا الذي يجري تزويره والتعتيم على ابطاله. فعظمة العظيم خالدة،وبطولة البطل باقية عصية على المسح بممحاة مستعمر او وطني مستأجر…البطولة البشرية ليست معجزة خارقة فوق الطاقة ولا هي اسطورة من فرط فدائيتها تكاد تلامس حدود الاستحالة… بطولات ابطالنا الميامين،حقائق ثابتة،شهد لها الاعداء، ” والحق ما شهدت به الاعداء”.ابطال نشدوا الكمال الانساني،فتفوقوا على ذواتهم.. باعوا انفسهم لله ولنصرة قضايا امتهم،فكان لهم ما ارادوا وذهبوا امثلة حية يُحتذى بها.هكذا هم الابطال يرحلون عن ظهر هذه الفانية بلا طبول او حفلات …عزاؤنا ان سيرهم ستبقى تُروى الى ان يرث الله الارض وما عليها …بطلات ابطالنا ليست احاديث تٌفترى بل عظمة باهرة مبهرة اذهلت الجنيا باسرها….الرحمة لهم كافة وحُسن الاقامة عند سدرة المنتهى “في مقعد صدق عند مليك مقتدر”… ما عُرف منهم ومن مضى كجنود مجهولين ..والفاتحة لـشهدائنا و للـ ” الطود الهاشمي” و اميرنا البطل محمد عبد الكريم الخطابي خاصة.